في اليوم العالمي للمعلّم المصادف للخامس أكتوبر من كل سنة، نسترجع ونحن تحت طائلة الندم والحسرة أيام الزمن الجميل، لمّا كان المعلم في بلدنا فعلا رسولا يوفّى التبجيلَ، يقدّره تلامذتُه ويوقّره المجتمع، الذي كان يرى فيه المنقذ وحامل شمعة العلم التي تزيح ظلام الجهل والأمية. في هذا اليوم بالذات، نقف مشدوهين أمام ما حققته البلدان الأخرى من إنجازات عظيمة، بعدما جعلت تحسين جودة التعليم من أولوياتها؛ فاستعانت بخبراء في القطاع لتحديد مكامن الخلل ومواطن النقص لتصحيحها، وتقديم البدائل بإشراك مختلف الفاعلين في منظومة التعليم؛ فاحتكم الجميع إلى منطق التشاور المبني على الرأي والرأي الآخر، وأبعدوا المدرسة عن الصراعات الإيديولوجية وجعلوها محمية من أيِّ مهاترة أو حساب ضيّق. جميلٌ أن نحتفي بالمعلِّمين في بلادنا ممّن أفنوا حياتهم في نشر العلم والمعرفة وتهذيب الأجيال وزرع القيم الأخلاقية والإنسانية بينهم، ونغمرهم بعبارات التقدير والتبجيل في عيدهم العالمي المصادف للخامس أكتوبر من كل سنة.. جميل أن نكرمهم ونلتقط معهم صورا للذكرى، لكن الأجمل أن نوفر لهؤلاء الوسائل المناسبة والمناخ الملائم كي يُؤدُّوا رسالتهم النبيلة على أكمل وجه؛ فإلى متى تبقى منظومة التعليم في بلادنا رهينة للمناسباتية؟ أين نحن ممّا قاله أمير الشعراء أحمد شوقي: قم للمعلّم وفّه التبجيلا كاد المعلّم أن يكون رسولا. للأسف، رسل العلم والمعرفة الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية إزالة غمامة الجهل والأمية في هذا البلد، وفيناهم الاحتقار الذي قتل فيهم روح المبادرة والإبداع، وجعل منهم مجرّد موظفين عاديين ينتظرون صرف مرتباتهم آخر الشهر، لا أصحاب رسالة في هذا المجتمع الذي فقد فيه التعليم المكانة الكبيرة التي كان يحظى بها. وضعٌ بائس كهذا رمى بالمعلمين في أتون الإحباط وأثر سلبا في مردودهم في عملية التدريس، ومنهم من سلك طريق الدروس الخصوصية؛ فأضحى تاجرا باسم العلم والمعرفة، يقدّم هذه الدروس إلى التلاميذ مقابل مبالغ مالية لم يعُد كثيرٌ من الأولياء قادرين على تأمينها لأبنائهم. هناك من يرمي المعلمين بسهام النقد ويرى فيهم أشخاصا غير مؤهَّلين لحمل أمانة التعليم، وأنهم مجرّد طماعين يحبون الزيادات في الأجور حبّا جمّا، يوم فرحهم لمّا تُضخ منحة المردودية، ويجنحون في كل مرّة إلى الإضرابات كي يهربوا من العمل. بالفعل هناك نماذج مؤسفة لمعلمين حملوا هذه الرسالة بهتانا وزورا حتى تحولت هذه الوظيفة إلى مهنة من لا مهنة له، ولكن ينبغي عدم وضع الجميع في سلة واحدة؛ فهناك من المعلمين من نالوا هذه الصفة عن جدارة واستحقاق، تعبوا وسهروا لينجحوا في مسابقات التوظيف، ويعتبرون هذه المهنة مسؤولية أخلاقية. مثل هذه النماذج المشرِّفة هي التي تصنع التميّز، وهي مؤهَّلة لأن تشارك في مسيرة البناء في هذا الوطن، عبر تلقين الأجيال المعارفَ وزرع القيم الأخلاقية والإنسانية فيهم، ما يجعلهم مواطنين صالحين يفيدون الوطن والمواطن. لذلك، فإن جودة التعليم في بلادنا لا تتحقق إلا بوجود معلمين مخلصين ومؤهَّلين لحمل هذه الأمانة الثقيلة، مع تمكينهم من كافة الشروط التي تتيح لهم تأدية رسالتهم على أكمل وجه.