بعد سنوات طويلة أعلنت الإدارة الأمريكية عن رفع الحصار والعقوبات عن السودان.. وفي هذه السنوات الطويلة وصلت آثار الحصار على الشعب والبلد والدولة إلى مستويات قاسية، فيما كان السودان يتجرع غصص الحصار والعقوبات، كان الموقف الرسمي العربي يعاني تدهورا كبيرا في ظل التطورات التي ضربت بعمق النظام العربي في اكثر من مكان، ولهذا كان العجز العربي ماثلا في إمكانية اختراق الحصار الغربي والعقوبات الأمريكية.. لم يكن الحصار والعقوبات محدودة بإجراءات امريكية، بل تمددت الى كل حلفاء امريكا واصدقائها، الأمر الذي اعطاه صبغة دولية، وفي ظل هذا الحصار وتلك العقوبات تم الضغط الدولي والإقليمي لفصل جنوب السودان، حيث واصلت اجهزة الأمن الصهيونية عملها بتكوين قوات عسكرية من الجنوبيين وساهمت دول غربية في إثارة ولايات دارفور ضد الدولة المركزية، وكاد السودان يتبعثر على عدة دول في جنوبه وشرقه وغربه، وفي ظل الحرب متعددة الجبهات والحصار الخارجي كان الأمر يتجه إلى مساومات عميقة مع الدولة السودانية. في سياق الحرب الشاملة بين الشمال والجنوب ووفقا لاستراتيجيات مُعَدّة بإتقان يتم التعامل مع دولنا وبلداننا في مرحلة ما بعد الاستعمار إلى تفتيت كياناتنا السياسية المستحدثة وإلغاء الدولة الوطنية بإثنيات عديدة، وهنا كان نصيب السودان ان يدفع الثمن أولا.. ولكن الأمر لم يتوقف عند فصل الجنوب فكان حسب الرؤية الاستعمارية الحديثة لا بد من بحث عن إثنيات أخرى يتم بموجبها التقسيم الجديد. صمد السودان وسعى بكل وسيلة لتحييد الحصار والعقوبات واضطر للقبول بتنازلات مؤلمة، لأن السؤال المطروح هو: هل يبقى السودان او يتلاشى في قبائل متناثرة يضربها الجوع والحروب والتشتت؟ استطاع السودانيون ان يخرجوا من التحدي بأقل الخسائر وان يثبِّتوا الدولة ومؤسساتها وأن ينهضوا بمجالات عديدة في بناء الدولة واقتصادها، فيما يكونوا قد فتحوا مجالات الاستثمارات الدولية لاسيما الصينية الى أماد بعيدة. انهيار الحصار عن السودان وخروجه من العقوبات الأمريكية يفتح باب التساؤلات الكبيرة امام العرب والمسلمين: لماذا يُترك البلد العربي والمسلم وحيدا في مواجهة التحدي الغربي والأمريكي؟ ألا تكفي المؤسسات الإقليمية كجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي ومنظمة الوحدة الافريقية وبقية دول عدم الانحياز ومجموعة بريكس للتصدي للفرعنة الأمريكية وان تقوم بتعويض ما يحدثه الإجراء الغربي والأمريكي؟ ان موقفا عربيا واسلاميا وانسانيا ضروري جدا لترسيخ قيم للعلاقات الدولية بعيدا عن غطرسة القوة التي ترفضها الإدارات الغربية وإلا فإننا سنشهد بين المرحلة وأختها محاولات خبيثة جديدة من الحصار والعقوبات وهي في الحقيقة تريد ابتزاز او إحداث خلل في تركيبة المنطقة تثوِّرها لتوريط المنطقة في صراعات دامية.. خرج السودان من تحت طائلة العقوبات الأمريكية ولكن لم تنته بعد سطوة أمريكا على العالم العربي والإسلامي وهذا يستوجب نهوضا عربيا سياسيا وإعلاميا وقانونيا لوضع حد للعجرفة الأمريكية.. تولانا الله برحمته.