لسنا على شفا حُفرة من نار، كما يقول الكثير، كما أننا لسنا في أفضل طريق للتقدُّم.. هو ذا الوصف الأكثر موضوعية لحالنا اليوم، إلا أننا كثيرا ما لا نسعى للبحث في حقيقته، وفي بدائل تحسينه. كيف يمكننا أن نكون في أفضل رواق لأجل تحقيق التقدُّم، وما القرارات التي ينبغي أن نتخذها لكي نحقق ذلك؟ لا أتصوَّر أننا نستطيع أن نصل إلى أفضل هذه القرارات بالتخويف من الوقوع في الحفرة، بالتذكير صباحا مساءً بأن الفساد عمَّ، بأنه فات الأوان، بأننا شعبٌ كسول لا يعمل، جائع لا يشبع، لن ينهض أبدا حتى بعد عشرات السنين... كما أنني لا أتصور أننا نستطيع ذلك بالتكرار صباحا مساءً أن مسؤولينا هم الكارثة عينها، لا صالحَ فيهم ولا مخلص، لا كفاءة ولا قدرة ولا فهمَ بينهم، جميعهم في أدنى المستويات والكثير منهم مرتشون مزوِّرون فاسدون... والأكثر من ذلك، لا أتصور أننا نستطيع أن نضع أنفسنا على الطريق الصحيح بنعت شبابنا بأقبح الصفات؛ فهم غير قادرين على تحقيق أي هدف، فاشلون على كافة المستويات، في التعليم والعمل والتسيير والإدارة والرياضة، لا يتطلعون إلا إلى الهجرة إلى أي بقعة في العالم، ليعيشوا هناك ولو بأقل من رُبع عشر الأجر الذي يتقاضونه في بلادهم... وهكذا، بالنسبة إلى بقية الفئات الاجتماعية، الكل منهار، ولا تصلح الكتابة إلا عن الانهيار وإلا كانت مَدحا للسلطة وخدمة للسلطان. هل هذا هو المنهج الصحيح؟ بل هل هو الحقيقة؟ وهل نحن بالفعل على شفا حفرة من النار؟ أم إنه بإمكاننا بقليل من الإرادة، بشيء من التصحيح في المسار والهدف والغاية، بشيء من ضبط الرؤية والتحكم في إدارة الموارد بما في ذلك البشرية، بفرز حقيقي بين الرجال والنساء وبثقة أكبر في الشباب وفي ما نملك من قدرات وفي الإيمان الراسخ بعبقرية هذا الشعب وبأن الله تعالى لن يخذله وهو الذي نصر دينه وحرَّر بلاده... ببعضٍ من كل هذا، ألا يمكننا أن نُحقِّق الأمل المنشود ونُصحِّح بقية المسار؟ يبدو لي أن مثل هذا الطرح هو الأقرب إلى الصِّحة، وأن مَن هم على شفا حفرة هم أولئك الفاسدون بأموالهم وأخلاقهم وعقولهم، أما غالبية أبنائنا من رجال ونساء، فبإمكانهم، في لحظة من لحظات القدر، في يوم من أيام العودة إلى الذات، أن يستعيدوا كل إرادتهم وطاقتهم وكبريائهم وأن يُصحِّحوا مسار بلاهم... هل هي أفضل مِنّا تلك البلدانُ التي تمكنت في أقل من عقد من الزمن أن تنتقل إلى أفضل حال مما كانت عليه (تركيا، البرازيل، جنوب إفريقيا)؟ مَا الذي مكنّها من صناعة نفسها؟ هل التخويف من السقوط في الحفرة أم حشد قدراتها وتجديد قيادتها والاتكال على سواعد أبنائها...؟ أليس الطريق واضحا؟