عانوا لسنوات من الإهمال والتّجاهل، فركدَت تجارتهم، وأكل الصّدأ تجهيزاتهم التي اقتنوها بالملايين، فاضطرّ كثيرون لغلق ورشاتهم ومصانِعهم.. انهم مُصنِّعو الرخام والسّيراميك بالجزائر، والذين وجدوا في المنتوج الصيني منافسا شرسا، رغم رداءة النوعية، وساهمت الدولة في تقهقر المنتوج المحلي، لتفضيلها التعامل مع الأجانب عند انجاز مختلف الصيغ السكنيّة... ولكن الضّائقة المالية التي تعصف بالبلاد، جعلت السلطات مضطرة لا مخيرة لتوجيه أنظارها نحو الصناعة المحلية... فكيف ستنعكس عملية تجميد الإستيراد على سوق الرخام والسّيراميك المحلية مستقبلا؟ لطالما عانتْ الصّناعة المحلية في جميع المجالات من المنافسة الأجنبية، فقٌبرت كثير من التجارب قبل أن تنطلق، وحتى لو اعترفنا بغياب المادّة الأولية في كثير من القطاعات، فهذا لا يمنع من الإعتماد على الصناعة المحلية، مع إحداث توازن بين المنتوج المحلي والأجنبي ولكن مع منح الأفضلية للمحلي طبعا. تعتبر صناعة الرخام والسيراميك من بين القطاعات التي تعاني في الجزائر، رغم تميز وإبداع المنتجين المحليّين. فبالعودة للوراء، أكد خبراء أمريكيون مختصون أن الرخام الجزائري، كان مٌستعملا وبشكل واسع في الولاياتالمتحدةالأمريكية وعدد من الدول الأوروبية، كما كان مطلوبا جدا خلال العهد الروماني... وحسب دراسة قام بها وفد من الجمعية الأمريكية، فالرخام الجزائري استٌخدم في تزيين البيت الأبيض ومركز رٌوكفلير الشهير. وكان فريقٌ من الباحثين الأمريكيين، زا الجزائر مٌؤخّرا بدعوة من الوكالة الوطنية للجيولوجيا والمراقبة المنجمية، وأخَذَ عينات من رخام المناجم والمحاجر الجزائرية، ليتوصل لنتيجة أن رخام مناجم (فلفلة (سكيكدة استٌعمل في تزيين القصور الرومانية في العهد القديم، كما أن الرخام الجزائري المعروف باسم "قريكوسكريتو" وهو رخام أبيض، قد استعمل في تزيين الحمامات المعدنية العتيقة بإيطاليا. وخلال العصر الحديث استعمل رخام بوحنيفية في تزيين ناطحة سحاب شهيرة بمبنى الكريسلر، ومع ذلك لا يزال هذا الرٌّخام إلى اليوم يٌنسب للمغرب.
كوارث في المشاريع السكنية بسبب الرخام الصيني وللتعرف عن قرب على مشاكل مصنعي الرخام بالجزائر، زارت "الشروق اليومي" ورشة لتصنيع الرخام، يٌسيِّرها أخوان بمنطقة بئر توتة بالجزائر العاصمة، الورشة كانت كبيرة وبها تجهيزات مٌختلفة، لكن ما أكّده الشقيقان أنهما يقتنيان المادة الأولية من المستوردين والذين يجلبونها من دول الصّين وايطاليا والهند، ومٌؤكدان أن ما يوجد في الجزائر من مادة أولية للرخام في السنوات الأخيرة غير كاف، ما يحتم اللجوء للاستيراد. وأهم إشكال يواجه حرفيّي الرخام، هو المنافسة الصينية، حيث يقول سمير "الصينيون لم يتركوا لنا شيئا، فتخيّل أنهم يٌصنِّعٌون رٌخام المطبخ في بلدهم ويأتي للجزائر جاهزا، فقط عليك بتركيبه بالمنازل... وحتى السلالم الرخامية ومن مختلف القياسات تأتي جاهزة من الخارج وبأسعار معقولة"، والظاهرة جعلت المواطنين والمؤسسات تعزف عن شراء المنتوج المصنع محليا مٌفضلة المنتوج الصيني، اذ ما عليك سوى تدوين طلبيات لاحتياجاتك، ليٌحضرها لك المستورد جاهزة من الصّين وبالقياسات التي تريد.
آلة ب100 مليون سنتيم لا تشتغل منذ 3 سنوات لقلة الزبائن وحتى في مختلف المشاريع السكنية، تفضل دوما وزارة السكن ودواوين الترقية العقارية والمرقون العقاريون، ابرام صفقات تركيب رخام المطابخ وبعض السلالم مع شركات أجنبية، رغم قدرة المصانع الجزائرية على تلبية الطلب، والظاهرة ساهمت في ركود هذا القطاع محليا. ويؤكد سمير، أنه اشترى منذ 3 سنوات آلة لصنع الرخام بمبلغ 100 مليون سنتيم، ولكنه لم يستعملها الى اليوم، حيث "يكاد يأكلها الصدأ" حسب تعليقه، لأن طلبيّات الزبائن قليلة جدا، فالكٌل يبحث عن الرخام الأجنبي ذو الجودة المتوسطة. والظاهرة جعلت مٌحدثنا يتفاءلٌ بقرار الحكومة الأخير ربط الاستيراد بالرّخص، متمنّيا أن يٌجمّد استيراد الرخام المٌصنع نهائيّا، حتى تنتعش المصانع الجزائرية. ورشة أخرى لصناعة الرٌّخام مٌتواجدة ببلدية بئر خادم، أكّد لنا صاحبها "س.منير" أن 50 بالمائة من زبائنه هم من المرحلين الجدد لمختلف الصيغ السكنية، وخاصة بحي المالحة ببلدية جسر قسنطينة، حيث يقصدونه يوميا في الورشة لاستبدال رٌخام المطبخ، الذي تشقّق وتكسّر بعد أقل من 4 أشهر من دخولهم السّكن الجديد، وهو ما جعله يؤكد أن كثيرا من الرٌّخام المٌستورد والذي يأتي مُصنعا، هو من نوعية رديئة جدّا، ولا يقارَن بنظيره المٌصنّع محليا. وحسب قوله "معظم الرخام الصيني المستعمل في مطابخ السكنات الجديدة ذو سمك رفيع لا يتعدى 2 سم، وهو ما يجعله سهل الكسر، ولذلك يطلب زبائني رخاما بسمك 3 سم، ويقدر سعر المتر المربع ب6 الاف دج". واستبشر مُنير كغيره من مُصنِّعي الرخام بقرار تجميد الإستيراد، علّ تجارته تنتعش قليلا في ظل الركود الذي تعرفه معظم الورشات المحلية. ولفت محدثنا انتباهنا لنقطة مهمة، وهي تحول غالبية ورشات صنع الرخام بالجزائر، وبسبب قلة الزبائن، إلى التعامل مع ذوي الموتى، حيث يعرض الحرفيون خدمات بناء القبور وتزيينها بالرخام. وحسب ما كشفه لنا، فتكلفة تشييد قبر واحد تصل حتى 5 ملايين سنتيم، وغالبية الطلبات تأتي من العائلات الميسورة.
المٌستثمر وصاحب مصانع السيراميك بالجزائر، عبد العزيز زطشي: أنجح طريقة للتصدير هي تخفيف الإستيراد والظاهرة نفسها يعيشها قطاع السيراميك بالجزائر، ولمعرفة أحوال هذا السوق، التقينا بالمستورد وصاحب مصانع السيراميك بالجزائر، عبد العزيز زطشي، فبدوره أبدى لنا تفاؤله بتجميد استيراد السيراميك، مناشدا الدولة بإلغاء الاستيراد تماما، لأنّ المصانع الجزائرية بإمكانها إحداث طفرة في الإنتاج، اذا ما منحت الاهتمام اللازم من الدولة. وتٌغطِّي مصانع زطشي ربع الإستهلاك المحلي للسيراميك، كما كان يصدر لدول افريقيا وليبيا. وحسب المتحدث، صناعة السيراميك بالجزائر في تطور، والنوعية في تحسن، وبإمكانها منافسة نظيرتها الأوروبية، حيث قال "...تتفوق علينا المصانع الأوروبية في التقنية والتجهيزات الأكثر تطورا فقط"، ومضيفا "بل بعض السيراميك المستورد نوعيته رديئة وهو أغلى من السيراميك المحلي". واعترف زطشي بدوره، من أن بعض مؤسسات الدولة وعند انجاز مختلف مشاريع البناء، "كانت تتجاهل الصناعة المحلية، وتلجأ دائما للاستيراد أو عقد صفقات مع أجانب، لأسباب معينة". ولكن على الدولة حسبه - الالتفات إلى المنتوج المحلي، حيث عقّب بالقول "وأخيرا انتبهت الدولة للسيراميك المحلي"، معتبرا أن أنجح طريقة للتصدير هي تخفيف الإستيراد، كما أن المنتوج المحلي، هو ما يخلق الثروة، ومناصب العمل". وبخصوص المادة الأولية، يٌؤكد المٌتحدث، أنها متوفرة بالجزائر " السيراميك يٌستخرج من مادة الطين التي تُصقل في المصانع، بعد المٌرور على مراحل وخلط عدّة مٌكوّنات، حتّى يخرج السيراميك على حالته النهائية". ليختم حديثه بالقول "نحن نثمن قرار الدولة ربط استيراد السيراميك برخص استيراد، ومع ذلك نطالب بوقف استيراده كليا، لإنعاش الورشات والمصانع المحلية االتي تواجه مشاكل كبيرة في التسويق..".
رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين: الطاهر بولنوار: سوق الرخام والسيراميك في الجزائر تعاني من "عقدة المنتوج الأجنبي" ومن جهة أخرى، أكّد رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين، الحاج الطاهر بولنوار ل"الشروق"، أن أهمّ مشكل يواجه مٌصنعي الرخام والسيراميك في الجزائر، هو نٌقص الأسواق، زيادة على ما أسماه "عقدة المنتوج الأجنبي"، حيث يفضل المستهلك وحتى السلطات اقتناء المنتج الأجنبي على نظيره المحلّي، حتّى ولو كان الأخير أحسن منه. وحسب بولنوار، أن الرخام الجزائري له سمعة طيبة في الخارج، حيث قال "مختصون أجانب في الرخام تفاجأوا من جودة رخامنا، وسألوا عن سبب عدم تصديره للخارج". وفسّر المٌتحدث، لجوء بعض المؤسسات العمومية لاستعمال الرخام الأجنبي المٌصنّع، بكون الأخير أرخس من المحلي حتى ولو كانت نوعيته رديئة، وهو ما جعله يطالب بتشجيع المنتج المحلي، ومٌناشدا حرفيي ومصنعي الرخام والسيِّراميك بالتكتل في جمعيات أو منظمة "ليكٌونوا قوة ويتمكنوا من تقديم اقتراحاتهم للسلطات".
المٌكلّف بالإعلام بوزارة التكوين المهني، سفيان تيسيرة: تلقّينا طلبات من مستثمرين لتأهيل يد عاملة في صناعة الرخام والعمل المنجمي أعطت معاهد التكوين المهني في السنتين الأخيرتين، أولويّة للتخصّصات المٌتعلقة بالتكوين في صناعة الرٌّخام استعدادا للمرحلة المقبلة، خاصة بعد تجميد الحكومة الاستيراد وفتحها المجال للاستثمار المحلي في الصناعة المنجمية. وفي الموضوع، كشف المٌكلف بالإعلام بوزارة التكوين المهني والتمهين، سفيان تيسيرة، ل"الشروق" عن فتح تخصص جديد للتكوين في القطاع المنجمي بولاية تمنراست، لغرض تأهيل يد عاملة للعمل باستخراج الرخام من الجبال، تلبية لإحتياجات مستثمر أنشأ شركة لإستخراج هذه الثروة. وحسب تيسيرة، تفتح وزارة التكوين المهني تخصصات جديدة، وفقا لاحتياجات السوق المحلية، ومٌؤكّدا أنّ الوزارة تتلقى كل سنة عبر فروعِها الولائية، طلبات جديدة لتكوين يد عاملة مؤهلة في التخصصات المنجميّة. وفي هذا الصدد، وصل عدد المتكونين والممتهنين في التخصصات المتعلقة بصناعة الرخام، بالولايات التي تعرف استثمارات في المجال، حوالي 100 مٌمتهن، وحسب المتحدث "الشباب المسجل في معاهد التكوين، يتكون في التخصص داخل الورشات أو المصانع، وهو ما يٌسمى نمط التكوين عن طريق التمهين، والذي يمكن الشاب من اكتساب خبرات في بيئة حقيقية للعمل". في وقت بلغ عدد المتمهنين في تخصصات لها علاقة بالصناعة المنجمية 126 شابا، يتكونون بنفس نمط التكوين أي عن طريق التمهين. وما تجدر الإشارة اليه، التكوين في هذا الاختصاص مرتبط بالاستثمارات المتزايدة في النشاط المنجمي أو صناعة الرخام عبر الولايات، وهو ما يجعل التكوين في هذه الإختصاص منحصر في 13 ولاية. فبالنسبة لصناعة الرخام، فتتواجد بمراكز التكوين بولايات عين الدفلى، تيبازة، سوق أهراس، خنشلة، بومرداس، المسيلة، سكيكدة، سطيف، الجلفة، تيزي وزو، ادرار، الشلف، بجاية، تمنراست. وبالنسبة للنشاط المنجمي، فهو يخص ولايات باتنة، تبسة، سكيكدة، سيدي بلعباس، تندوف، تيسمسيلت.