تطلع شبابنا للهجرة سواء إلى فرنسا أو غيرها، ينبغي أن يُنظَر إليه من زاوية أخرى بعيدا عن كل تهويل أو تضخيم، زاوية أن لدينا طاقات هائلة غير مُسْتَثمَرة ولم تَجِدْ المجال الذي تُبدِع فيه، زاوية أن لدينا ثروة بشرية كبرى تحسدنا عليها بقية الأمم، زاوية أننا نريد أن نكون جزءا من العالم المتقدِّم لا أن نبقى بين أكثريتِه المتخلِّفة، زاوية أن هذه الطاقة الكامنة بداخلنا بإمكانها ليس فقط أن تكفي بلدنا في جميع المجالات، بل أن تفيض على بقيَّة بلدان العالم، بل وتغمرها، بما لديها من تعطش للعلم والمعرفة واستعداد للكد والجد من أجل العيش بكرامة في ظروف أكثر ملاءمة، ولو كان ذلك في أي بلد بعيد. يبدو لي أنَّه علينا أن ننظر إلى ظاهرة تدفق شبابنا على المركز الثقافي الفرنسي بتلك الكثافة العالية من هذه الزاوية، وعلى مسؤولينا أن يلوموا أنفسهم قبل شباب اليوم، وأن يعترفوا بأن ما وفَّروه لهم من امكانيات دراسة أو عمل ومن نوعية حياة، إنما هو أدنى بكثير من تطلعاتهم وأحلامهم، وأدنى مما تزخر به بلادهم من خيرات وقدرات... وقبل هذا أو ذاك علينا أن ننظر إلى هذه الظاهرة بعيدا عن كل تخوين لجيل كامل من الشباب، وأن نَكُف على اتهامه بضعف الوطنية أو بالتنكر لتضحيات الشهداء، أو لروح نوفمبر، أو بتعلقه بفرنسا على حساب بلده الأم الجزائر، ذلك أن موقفاً مثل هكذا يُعَد تَهرُّبًا من تَحمُّل المسؤولية وتَهرُّبًا من الاعتراف بأخطاء كبيرة ارتكبت في مجال التكوين أو العمل أو توفير أسباب الحياة للجيل الصاعد وجيل الغد في هذه البلاد. إن شباب اليوم ليسوا أقل وطنية من جيل نوفمبر، وفي ذات الوقت ليسوا أقلَّ طموحا منهم. هل يُعقل أن يكون طموح جيل نوفمبر هو تحرير البلاد وتحمل المسؤوليات بها على أعلى المستويات، ومعظمه لم يتجاوز العقد الثالث من العمر، في حين يبقى جيل اليوم وقد تجاوز معظمه الثلاثين وبعضه الأربعين والخمسين دون أن يحظى بشرف تحمل المسؤولية الكاملة في أي قطاع من القطاعات؟ هل يُعقل أن نمنع هذا الجيل من أن يكون هو صاحب القرار في بلده، ثم نلومه على السعي للبحث عن مكانة له في بلد آخر؟ ألن يترشح معظم الشباب الجزائري للهجرة لو فَتح لهم أي بلد متقدم أبوابه لأجل الدراسة او العمل أو الإقامة؟ إن المسألة، إذن لا تتعلق بفرنسا، أو بالرغبة في الذهاب لها بالتحديد، إنما بذلك الحلم الذي أصبح يسكن شبابنا بأنهم، في ظل انسداد الأفق أمامهم، لا أمل لديهم سوى الفرار إلى أ ي مكان بعيد.