مصطلح جديد أدخله الجزائريون إلى قاموس كرة القدم إثر مواجهتهم لمنتخب انجلترا في مباراة تبقى في التاريخ، وأداء راق، وتأكيد جديد على أننا في الطريق الصحيح نحو تكوين منتخب بداية الألفية الثالثة، وفي الطريق نحو التأسيس لنظام كروي جديد بجيل لا يعرف معنى المستحيل، وفي الطريق أيضا نحو عودة الكرة الجزائرية إلى الواجهة الإفريقية والعالمية، وعندها سيلزم كل واحد مكانته الحقيقية. لقد فزنا بمباراتنا مع انجلترا عندما لعبنا بتلك الطريقة، وفزنا بصفر لمثله عندما أبهرنا العالم بتلك الرجولة والروح، وفزنا على أنفسنا لأننا لعبنا بكيفية رائعة، وعلى كل من استفزنا ومن شكك في قدراتنا وأحقيتنا في التأهل إلى المونديال، وفزنا على كل الحساد، والذين في قلوبهم مرض من بني جلدتنا ومن غيرهم، وفزنا لأننا جنس لا ينهزم ولا يستسلم ولا يفشل ولا يكل ولا يمل، وفي كل مرة يخسر ويتعثر، ينهض مجددا ويرفع تحديا آخر أكبر من الذي سبق. صحيح أن الجزائر خسرت أمام سلوفينيا وتعادلت مع انجلترا، وقد تخسر أو تفوز مع أمريكا، ولكنها فازت باحترام وتقدير العدو قبل الصديق، وأظهرت للعالم أجمع بأن أبناءها رجال، وتأهلت إلى مستوى آخر من الإبداع والتألق الذي شاهده وتحدث عنه الجميع، ومستوى آخر من التركيز والتحكم في الكرة وبناء اللعب والدفاع عن المرمى بروح قتالية والهجوم بطريقة جماعية، ومستوى آخر من الإدراك والوعي بأننا على أبواب عهد جديد لكرة القدم الجزائرية رغم الداء والأعداء ورغم كل السلبيات والنقائص التي لازلنا نعاني منها. الآلاف من الانجليز في مدرجات الملعب انبهروا لأداء الخضر، والإعلاميون في المنصة الشرفية صفقوا للاعبين الجزائريين عند نهاية المباراة، وهو الأمر الذي لم أشهده في حياتي في كل ملاعب العالم، والصحافة العالمية تكلمت عن التعادل أكثر مما تكلمت عن فوز المكسيك على فرنسا وسويسرا على اسبانيا وصربيا على ألمانيا. أما المحللون النزهاء فقد وجدوا ما يقولون بعد المباراة، وأعطوا للجزائريين حقهم وأكثر وتحدث كلهم عن البساطة والبراعة والروح الجزائرية، وعن هذه الجرأة في الدفع بلاعبين جدد يشاركون مع المنتخب لأول مرة ويلعبون بهذه الكيفية، في وقت ستسكت الأصوات المشككة والمتشائمة والحسودة، أو تركب الموجة كعادتها لتتحدث عن منتخب كبير ومدرب مبدع وشجاع ولاعبين ممتازين وخطة تكتيكية ناجحة، وهو كله كذب ونفاق ومرض مزمن ومعدي لا دواء له.. لمن سيقولون هذا الكلام نفاقا عن المنتخب بعد التألق مع سلوفينيا وانجلترا، نقول لهم بأننا لم نصل بعد ولازلنا في بداية الطريق وينتظرنا عمل كبير لنستقر على هذا الحال والأداء، ونقول لهم عودوا إلى رشدكم ودعوا جيل جزائر الألفية الثالثة يصنع التاريخ من دونكم، ودعوه يسير ويعمل، يخطأ ويصيب، يسقط وينهض ويفوز ويخسر دون أن ينكسر أو يستسلم، ودونكم أيضا لأنها حكمة الله في خلقه، وطبيعة الحياة التي تتداول عليها الأجيال ويلعب كل واحد دوره ليفسح المجال لغيره. حرام علينا أن تقودنا أنانيتنا إلى تحطيم معنويات أبناء لنا يشاركون لأول مرة مع منتخب بلادهم، ولاعبين مسلحين بإرادة وعزيمة يلعبون بعفوية وطريقة لم يلعبها أي منتخب من قبل، ومنتخب ينجب وينجب كل يوم وفي كل موعد ومباراة لاعبين جدد، وكل واحد ينسينا في الآخر. بعد شاوشي جاء مبولحي، وبعد مطمور جاء قادير، وبعد مغني جاء بودبوز وبعدهم ستستمر الجزائريات في إنجاب أطفال يولدون كبارا، يخترقون كل المراحل ويشاركون في المونديال ويسرقون الأضواء، ويخطفون العقول والقلوب ويلقنونا دروسا في حب الوطن ورد الجميل، ويردون بطريقتهم على كل الاستفزازات الداخلية والخارجية، العربية والفرنسية والبريطانية، رغم أن أعمارهم في المنتخب لا تتعدى بضعة أيام، ومنهم من لعب مباراته الأولى أمام سلوفينيا وانجلترا. صحيح أن الشماتة ليست من شيمنا، ولكننا لن نغفر لمن يشمت فينا وفي جزائرنا وأبنائنا، وكلما زدتم شماتة زدنا قوة وإصرارا وعزيمة، وكلما زدتم غِلاًّ وحقدا علينا زدنا حبا وتلاحما بيننا، وكلما زدتم إساءة إلي منتخبنا وبلدنا زدنا جهدا وعطاء كالذي قدمناه أمام سلوفينيا وانجلترا، وكلما احتقرتم أبناءنا وقللتم من شأنهم وقمتم باستفزازهم كلما كان ردهم أقوى وأكبر من كل المستفزين والمشككين. الفوز في فلسفتنا ليس بالضرورة تسجيل الأهداف وحصد النقاط والتأهل إلى الدور الثاني، بل يمكن تحقيق الفوز دون ذلك، خاصة وأننا لم نذهب إلى جنوب إفريقيا من أجل المشاركة أو تأكيد أحقيتنا بالتأهل، بل من أجل المنافسة والاحتكاك بتواضع ودون مركب نقص، ومن أجل إعادة الثقة لأبناء هذا الوطن، لأننا نملك كل المقومات والمؤهلات لذلك، ونملك ما يحسدنا عليه غيرنا من إيمان وإخلاص وحب الوطن، ونملك خاصة التواضع لله ولبعضنا البعض، وندرك بأننا في بداية الطريق فقط ولم نصل بعد، ولن يسكننا الغرور ولن تثنينا الشكوك ولن نتوقف عند هذا الحد، والقادم أفضل بإذن المولى تعالى.