بعد طي ملف الانتخابات، يترقب الجزائريون ما ستسفر عنه إرهاصات سباق التموقع بين المنتخبين من أجل إبرام التحالفات التي عادة ما يكون شعارها "اقتسام المغانم" بعدما كانوا يتسولون أصوات الناخبين. وفي خضم هذه الحسابات تبرز المخاوف من أن يدير هؤلاء الناخبون ظهورهم للوعود التي أطلقوها خلال الحملة الانتخابية. غير أن الانشغال الأكبر يبقى يتعلق بألا تؤثر الحسابات الحزبية والمصالح الشخصية للمنتخبين، على تشكيلة المجالس المحلية التي سترى النور في القريب العاجل، لما لذلك من علاقة بمصالح المواطنين. لأن تضارب المصالح عادة ما يؤدي إلى الإنسداد الذي عانت منه أكثر من ألف و100 بلدية في العهدة المنقضية، فتعطلت بسبب ذلك الكثير من المصالح. ويتوجس البعض من أن يؤثر السجال الدائر حاليا بين الأحزاب بشأن النتائج على عمل المجالس المقبلة، فما مدى جدية هذه التخوفات؟ ولماذا ارتفع منسوب الخوف بعد الانتخابات بعدما كان الاعتقاد سائدا بأن الانسداد اختفي بتعديل قانون الانتخابات العام المنصرم. هذه الأسئلة وأخرى سيحاول "الملف السياسي" لهذا العدد الإجابة عليها.
رغم مراجعة آليات اختيار المنتخبين المحليين أزمة النتائج .. هل ستقوض الآمال بالقضاء على الانسداد؟ انتهت الانتخابات المحلية، لكن تداعيات ما شابها من تجاوزات لا تزال تصنع الحدث، فالاحتجاجات لا تزال مستمرة، لكنها ستخمد مع مرور الأيام، لأن هذه الظاهرة لم تكن حكرا على الانتخابات المحلية الأخيرة، بل أصبحت علامة مسجلة عند كل استحقاق انتخابي. لكن ما يأمله الجزائريون هو أن تكون العهدة المحلية الجديدة، أحسن من سابقاتها، وهذا لن يتأتى إلا إذا كانت المنظومة القانونية المعدلة (القانون العضوي للانتخابات) قد سدت الثغرات المؤدية إلى الانسداد، وأصبحت أداة فعالة في يد المنتخبين الجدد، تساعدهم على تجاوز الاحتقان الذي حصل خلال العهد السابقة، بشكل يحول دون عرقلة وتضييع مصالح المواطنين. وعلى الرغم من مراجعة الحكومة لقانون الانتخابات انطلاقا من حالات الانسداد التي عاشت بعض المجالس المحلية على وقعها، وما تبعها من تفاؤل "مفرط" من قبل بعض السياسيين والقانونيين، إلا أنه يبدو أن تباشير هذا التفاؤل سرعان ما ارتدت مباشرة بعد الكشف عن النتائج التي كانت محل طعون كثيرة. ويحدد القانون العضوي رقم 16-10 المعدل في 2016، بدقة كيفية اختيار رؤساء المجالس البلدية والولائية، من خلال المادتين 66 و68. وتنص المادة 66 على : "توزع المقاعد المطلوب شغلها بين القوائم بالتناسب حسب عدد الأصوات التي تحصلت عليها كل قائمة مع تطبيق قاعدة الباقي الأقوى. لا تؤخذ عند توزيع المقاعد، القوائم التي لم تحصل على نسبة 07 بالمائة على الأقل من الأصوات المعبر". في حين أن المادة 68 تنص على: "يتم توزيع المقاعد على كل قائمة في ظل أحكام المادتين 66 و75 من هذا القانون العضوي حسب الكيفيات التالية: يحدد المعامل الانتخابي في كل دائرة انتخابية وفي الشروط المبينة في المادة 67 من هذا القانون العضوي. تحصل كل قائمة على عدد المقاعد بقدر عدد المرات التي حصلت فيها على المعامل الانتخابي. بعد توزيع المقاعد على القوائم التي حصلت على المعامل الانتخابي حسب الشروط المحددة في الفقرة أعلاه، ترتب الأصوات الباقية التي حصلت عليها القوائم الفائزة بمقاعد والأصوات التي حصلت عليها القوائم غير الفائزة بمقاعد، حسب عدد الأصوات التي حصل عليها كل منها، ويوزع باقي المقاعد حسب هذا الترتيب. وعندما تتساوى الأصوات التي حصل عليها قائمتان، يمنح المقعد الأخير المراد شغله للقائمة التي يكون معدل سن مرشحيها هو الأصغر". فالأزمة المندلعة بين الحزبين الغريمين المسيطرين على المشهدين السياسي والانتخابي، جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي، بسبب تبادل الاتهامات بشأن التزوير، عمق من حدة الهوة بينهما، وهو ما يؤشر على احتمال انتقال هذا النزاع إلى المجالس المحلية لاحقا، كما أن الحساسية الموجودة بين أحزاب المعارضة وأحزاب الموالاة، وكذا الحسابات الشخصية التي تقف وراء اندفاع بعض المنتخبين للترشح، ستفعل فعلتها أيضا، لأن المرشح الذي خسر الملايير من أجل امتيازات المنصب التنفيذي، سوف لن يتردد في وضع العصا في العجلة إذا ما شعر أنه خسر الرهان وتأكد أن ما أنفقه سوف لن يسترجعه (...). الوضعية قد تكون أكثر تعقيدا إذا ما فشل مثلا الحزب الفائز برئاسة المجلس البلدي بفارق الأصوات، في الحصول على الأغلبية التي تمكنه من تسيير البلدية مثلا في أريحية، لأن المساومات في هذه الحالة ستفعل فعلتها، وهو المنفذ الذي قد يؤدي إلى حدوث الانسداد. ويبقى العزاء الذي قد يستأنس به المتخوفون من استمرار الانسداد في العهدة المحلية الجديدة، هو إمكانية تدخل السلطة للضغط على المنتخبين المحسوبين على الأحزاب الموالية لها، وفي مقدمتها "جبهة التحرير" و"التجمع الديمقراطي"، غير أن هذا الاحتمال يبقى غير مضمون النتائج، لأن الكثير من المنتخبين عادة ما يتمردون على قيادات أحزابهم بمجرد انتخابهم للتحرر من الضغوط السياسية.
عضو مجلس الأمة السابق محمد خوجة ل"الشروق": المجالس المنتخبة ستكون مأزومة.. والأحزاب مطالبة بتوجيه منتخبيها طوى الجزائريون ملف الانتخابات المحلية.. لكن الجدل لا يزال قائما بشأن بعض النتائج.. لماذا؟ استمرار السجال والجدل بعد الانتخابات، هو أمر عادي بالنظر إلى الظروف التي جرت فيها العملية الانتخابية في ظل الوعود التي أطلقتها وزارة الداخلية والهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، التي تحدثت عن ضمان السير الحسن لهذا الاستحقاق، الذي اصطدم بتجاوزات تورطت فيها أطراف على غرار بعض أعوان الإدارة والأحزاب أو ما يطلق عليهم "لوبيات" موجودون داخل المجالس المحلية عكروا صفو العملية، لاسيما ما تعلق بالتزوير الذي لم تسلم منه كل الأحزاب بما فيها الأفلان والأرندي. أفرزت الانتخابات المحلية مجالس شعبية بلدية وولائية جديدة.. هل نحن أمام مرحلة جديدة يميزها اختفاء هاجس الانسداد الذي عرقل مصالح الجزائريين في المجالس السابقة، أم إنه سيستمر بشكل آخر؟ الانسداد سيستمر وهذا بالنظر إلى إفرازات الانتخابات التي ستشكل عائقا أمام المنتخبين الجدد، لاسيما أن المحليات الأخيرة شابها الكثير من الانتقادات خاصة في ظل الحديث عن تورط بعض الأحزاب السياسية في التزوير وهو الأمر الذي من شأنه أن يعطل عمل المنتخب الذي سيجد نفسه مرفوضا من بعض زملائه داخل المجالس المحلية، لذا وجب على الأحزاب السياسية توجيه تعليمات إلى منتخبيها لتجاوز هذا العائق والابتعاد عن الصراعات الحزبية والإسراع في تنصيب المجالس البلدية لأن مصلحة المواطن فوق كل اعتبار. رغم تأكيد الكثير من المختصين أن مسألة الانسداد باتت من الماضي، إلا أن هناك مخاوف من احتمال حدوث حالات انسداد في حال لم يحصل الحزب الفائز على أغلبية المقاعد؟ بالرغم من أن القانون عالج هذه الإشكالية، لكنها لا تزال قائمة بالنسبة إلى المجالس البلدية لأن "المير" الجديد سيكون أمام تحد هام، وهو الحصول على توافق داخلي بين أعضاء المجلس البلدي، وأن يحظى بالأغلبية التي تمكنه من تسيير الشؤون المحلية، لذا وجب على المنتخب تجاوز الخلافات الحزبية والمصالح الضيقة وهذا لتحقيق التوافق والسير نحو الأمام ليكون المجلس البلدي أكثر فاعلية، وفي هذه الحالة لا يمكن القول بأن مسألة الانسداد تبقى من الماضي، لأن الصراعات الحزبية يمكن أن تعطل مصالح الجزائريين. كيف تفسرون استمرار مثل هذه السجالات السياسية حول التزوير مثلا، رغم الوعود والإجراءات التي أطلقتها السلطة لمحاصرة هذه الظاهرة؟ لقد تبين في الميدان أن التزوير لا يزال موجودا ولا يمكن لأحد نكرانه، وهذا باعتراف هيئة عبد الوهاب دربال التي تحدثت عن تسجيل ما يقارب 560 إخطار، و3 قضايا وصلت إلى العدالة في عز الحملة الانتخابية، فالتزوير أصبح من الصعب التحكم فيه بالرغم من الحديث عن وجود ضمانات، لهذا وجب تطبيق إجراءات ردعية ومعاقبة كل المتورطين، وإلا لا يمكن الحديث عن انتخابات نزيهة، أو حتى الذهاب إلى تنمية مستدامة تنطلق من القاعدة المحلية، وهنا أكرر: حان الوقت للتغيير ووضع حد لهذه الظاهرة التي من شأنها أن تفشل أي عمل سياسي في البلاد. وزير الشؤون الدينية انتقد "الأميار" وحملهم مسؤولية تسييس الشباب وجرهم إلى "قوارب الموت"، وطالبتهم الداخلية بضرورة خلق الثروة لمواجهة الأزمة الاقتصادية، في حين تنتظرهم مهمة تأمين الرئاسيات القادمة، هل تعتقدون أن المنتخبين المحليين سيكونون في مستوى كل هذه التحديات؟ في البداية، يجب تقييم كل النقائص التي شابت العملية الانتخابية، وهذا قبل الحديث عن التحديات التي تنتظر المنتخب الجديد الذي سيكون مجبرا على رفع التحدي في ظل وجود أزمة مالية اقتصادية، فرضت على المصالح المحلية البحث عن مصادر ثروة لتمويل المشاريع وتحقيق الوعود "الوردية" التي أطلقوها أثناء الحملة الانتخابية ووعدوا بها المواطن، ولن يكون ذلك إلا عن طريق ديمقراطية تشاركية فعلية بعيدا عن لوبيات المال والسياسة، وأصحاب المصالح الضيقة، وهذا لتحقيق الاقتصاد المحلي الذي نجح في العديد من دول العالم بعيدا عن الطموحات غير الشرعية.
الوالي الأسبق بشير فريك ل "الشروق" السلطة عالجت "أزمة" رئيس البلدية ولم تحل مشاكل البلدية طوى الجزائريون ملف الانتخابات المحلية.. لكن الجدل لا يزال قائما بشأن النتائج.. لماذا؟ على السلطات العمومية وتحديدا وزارة الداخلية القيام بقراءات جادة وموضوعية للتداعيات التي أفرزتها الانتخابات المحلية الأخيرة، والمتمثلة في الاحتجاجات وردود الأفعال التي تكاد تكون عامة وفي كل الولايات تقريبا. كما يتعين على الوزارة الوصية تحليل الأسباب. ولو أنني أعتقد شخصيا أن ما نبهت إليه قبل الحملة الانتخابية حدث، حيث تم إقحام الإدارة في العملية الانتخابية كطرف لفائدة أحزاب معينة أو بالأحرى لصالح حزب واحد، ونحن نعيش اليوم الانعكاسات. ولذا نتمنى من وزارة الداخلية، التوقف عن "الرضا الذاتي الوهمي" وأخذ العبرة من هذه الاحتجاجات دون التعامل معها وكأنها أحداث شغب، لأن مصداقية الانتخابات على المحك. كيف تفسرون استمرار "السجالات السياسية" حول التزوير، رغم الوعود والإجراءات التي أطلقتها السلطة لمحاصرة الظاهرة؟ لست في الميدان حتى أؤكد أو أنفي هذه السجالات، لكن إقحام الولاة والإداريين في العملية الانتخابية خاصة في قوائم حزب بعينه، تم إثباته وهو الأمر المخالف للقانون، وقد وجدت الأحزاب السياسية ذريعة وحجة تكاد تكون مؤسسة عن عدم حياد الإدارة، ورأينا كيف احتج "الأرندي" الذي يرأسه الوزير الأول أحمد أويحيى، وقدم طعونا لاستعادة مقاعد في المجالس المحلية. لست أدري ما هي الخلفية السياسية، لكن عملية التزوير ليست معزولة على مستوى ولاية معينة أو دائرة، وإنما عامة والمتهم دائما الإدارة. ما يعني أن عملية التزوير كانت "مبرمجة". على أي مستوى. أقول هنا الله أعلم. أعتقد أننا قطعنا أشواطا لا بأس بها في تنظيم الانتخابات، لكننا لم نتجاوز مرحلة الحديث عن التزوير وهذا غير معقول. لست أدري لماذا ترفض السلطات العمومية التجاوب والانخراط في جعل الانتخابات أكثر مصداقية ونزاهة من خلال إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات تشرف عليها أحزاب وفعاليات مجتمع مدني وتيارات أخرى. وإلا فما الداعي من إنشاء أحزاب إذا لم تمنحهم السلطة مهمة المشاركة في هيئة تُنظم الانتخابات؟ من المفروض أن تقيم السلطة الحجة على المعارضة بتوفير الميكانيزمات وضمان الشفافية والاحتفال بنتائج الانتخابات كأعراس للممارسة الديمقراطية، لكن للأسف أصبحنا أمام مأتم انتخابي بسبب الاحتجاجات على التزوير وما يصاحبها من عمليات حرق لمؤسسات الدولة. أفرزت الانتخابات المحلية مجالس شعبية بلدية وولائية.. هل نحن أمام مرحلة جديدة يميزها اختفاء هاجس الانسداد؟ عالجنا مشكل رئيس البلدية عندما أقر المشرّع لمتصدر القائمة الفائزة في الانتخابات بتولي منصب رئيس المجلس الشعبي البلدي بصفة آلية، لكننا لم نعالج مشاكل البلدية، وأعتقد أن الانسداد سيكون في كثير من البلديات، رغم تمنياتنا بأن تبقى حالات معزولة. الوقت كفيل بكشف حالات الانسداد في المجالس المنتخبة ويجب استدراك الأمر عن طريق قانون الجماعات الإقليمية الذي يتم التحضير له وإيجاد حل جذري لأزمة الانسداد عن طريق وضع فرضيات يتم تطبيقها على أرض الواقع. حمل وزير الشؤون الدينية الأميار مسؤولية تيئيس الشباب وجرهم إلى "الحرقة"، وطالبتهم الداخلية بضرورة خلق الثروة، في حين تنتظرهم مهمة تأمين الرئاسيات، هل المنتخبين المحليين قادرين على مجابهة هذه التحديات؟ مع احترامي لوزير الشؤون الدينية، لكن ينطبق عليه المثل "محقورتي يا جارتي". وما قاله تجن. ماذا يستطيع رؤساء البلديات القيام به في ظل الظروف التي انتُخبوا فيها بدءا من إعداد القوائم إلى الإعلان عن النتائج. ضف إلى ذلك وصاية الوالي ورئيس الدائرة ومديري الهيئة التنفيذية ومهمة الوفاء بوعودهم أمام المواطنين. ونحن ندرك أنهم بدون صلاحيات. أما عن خلق الثروة فنحن نعلم أن أكثر من 1100 بلدية عاجزة وليس لها إمكانيات وتنتظر التحويلات المالية المركزية. وبخصوص تحدي "الرئاسيات"، شخصيا أعتقد أنها ليست على مستوى رؤساء البلديات، لأن القرار يُتخذ في مستويات أعلى. ف"الأميار" مجرد أداة وأعوان من أعوان الدولة لا يشكلون أطرافا فاعلة. لا يزال يفصلنا سنة ونصف تقريبا على الموعد الانتخابي وهناك الكثير من المضاربات ولذا نقول لكل حَدث حديث.