عندما أقدمت الحكومة على مراجعة القانون العضوي المتعلق بالانتخابات في خريف العام 2016، كان دافعها هو القضاء أو على الأقل، الحد من حالات الانسداد التي عرقلت عمل المجالس المحلية المنتخبة، ومن ثم عطلت مصالح الجزائريين، غير أن هذه المراجعة وإن عالجت بإحكام مسألة اختيار رئيس المجلس سواء البلدي أم الولائي باعتماد آلية لا تترك هامشا للانسداد، إلى ضمان السير الحسن للمداولات يبقى رهينة ما أفرزته نتائج الانتخابات. فالمجالس التي حسمت بالأغلبية المطلقة ستكون في مأمن من أي انسداد، أما تلك التي سجلت فيها أغلبية نسبية فاحتمال تعرض المداولات للعرقلة يبقى محتملا وبقوة، فكيف السبيل لتفادي هذه المعضلة؟ وهل غاب هذا المعطى عن المشرع عندما راجع قانون الانتخابات؟ وهل باتت مراجعة القانون ضرورة ملحة؟ أم أن الأمر أريد له أن يكون هكذا حتى يفسح المجال أمام الإدارة لتتدخل في تسيير شأن يعتبر من صلاحيات المنتخبين. هذه الأسئلة وأخرى سيحاول "الملف السياسي" لهذا العدد الإجابة عنها.
رئيس حزب الفجر الجديد الطاهر بن بعيبش ل"الشروق": "رغم تعديله.. قانون الانتخابات عاجز عن معالجة الانسداد بالبلديات" لا تزال العديد من المجالس الشعبية المحلية (بلدية وولائية) تعاني من ظاهرة الانسداد بالرغم من مرور أكثر من شهر على الانتخابات المحلية.. ما تعليقكم؟ في نظري؛ هذا الانسداد يرجع إلى فوضى توزيع المناصب داخل الهيئات البلدية والولائية، فالرئاسة تكون عادة لصاحب المرتبة الأولى، وهذا شيء واضح ومفروغ منه، كما أن الرئيس يكون له حق "الفيتو"، ومهما كانت الظروف ليس بإمكان أي شخص أو جهة إقالته من منصبه، لذلك، يتوفر لديه هامش مناورة أعلى لاختيار الأعضاء، وزيادة على ذلك، فإن تشكيلة المجلس من المفروض أن يضبطها الحزب الفائز، وهو ما يدفع عادة بالحزب الخاسر إلى الانسحاب بهدف عدم توفير النصاب، فالأحزاب التي لا تتحصل على المناصب تتحالف ضد الفائز، وهو ما يؤدي عادة إلى الانسداد داخل المجالس ويعمّق من المشكل. ألم يعالج المشرع الجزائري هذه الظاهرة من خلال تعديله القانون العضوي المتعلق بالانتخابات؟ القانون العضوي للانتخابات ورغم مراجعته عدة مرات، إلا أنه في الحقيقة تضمن العديد من الثغرات والنقاط التي بقيت مفتوحة ولم يفصل فيها المشرّع، وهنا أنوه بأنه حقيقة لقد تطرق هذا الأخير في نسخته لسنة 2016 إلى نسبة توزيع المناصب وكيفية تحديد منصب الرئيس، الذي يكون عادة للحزب الفائز، إلا أن ذلك قد يثير استهجان الأحزاب التي لم تفز وهنا يبدأ الانسداد، فلا يمكن إرضاء كل الناس. في القوانين السابقة، كان منصب رئيس المجلس الشعبي البلدي يحدد بشكل نسبي، ثم أصبح عبر الأغلبية المطلقة، وفي 2016 فصل القانون الجديد في المشكل، واعتبر أن صاحب المرتبة الأولى هو من ينال رئاسة المجلس الشعبي البلدي وفق شرعية محددة قانونا مع إشراك المجموعة التي تحالفت معه في القرارات عبر المداولات، إلا أني أعود لأنوه هنا بالقانون العضوي للانتخابات الحالي، عاجز عن معالجة مشكل الانسداد في المجالس المحلية. كيف تتم المداولات إذا تساوى حزبان في عدد المقاعد وكانت بينهما حساسيات؟ هو أمر مفصول فيه وواضح، حيث إن أحد الحزبين يتزعم رئاسة المجلس الشعبي البلدي أو الولائي، وعلى العموم فإن المداولات تبقى ضرورية للإجابة بنعم أو لا وحتى في حال التحالفات، فإن الأغلبية هي التي تفصل وتقول كلمتها في النهاية، وأعود لأقول إن الإشكال المطروح لا يجب أن يكون فيمن يشارك ومن يقاطع، وإنما في دراسة المشاريع وتمريرها أو عدم تمريرها، وغيرها من المهام التي توكل إلى المجالس المحلية المنتخبة. برأيكم، ما هي الحلول التي ترونها مناسبة لمواجهة مشكلة الانسداد؟ وهل لا بد من مراجعة أخرى للقانون العضوي للانتخابات الذي لم يمر من عمره سنة واحدة؟ الحلول التي نرى أنها مناسبة يجب أن تكون أولا عبر مراجعة القانون العضوي للانتخابات، الذي نقول ونؤكد أنه تضمن عددا كبيرا من الثغرات القانونية التي أبقت الغموض والضبابية في عدد من النقاط، وهنا أشدد على أنه يجب إعادة دراسة الوضعية ككل، ومعالجة كافة هذه الثغرات، التي يأتي على رأسها مشكل الانسداد في المجالس الشعبية والولائية، ويجب أن تتدخل أيضا الهيئة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات من أجل المطالبة بمراجعة هذا القانون، واعتماد إجراءات قانونية أكثر صرامة وتشمل كافة التفاصيل. ما النصيحة التي توجهونها إلى منتخبيكم لتفادي ظاهرة الانسداد في المجالس الشعبية والولائية؟ نحن وجهنا تعليماتنا إلى منتخبينا ليكونوا صارمين في هذا المجال، وأن يبتعدوا عن خيار المقاطعة أو العزوف عن المداولات والاجتماعات. إذا أرادوا تحالفات، فلهم ذلك، ولكن نشترط عليهم أن تكون هذه التحالفات استراتيجية، أن تكون مبادئها ضد ما من شأنه أن يؤدي إلى الانسداد، نحن ضد فكرة الانسداد مهما كانت وقلناها صراحة لمنتخبينا الذين أبلغناهم بأن الشعب انتخبهم ليمثلوه مهما كانت رتبتهم وليس ليكونوا فقط رئيس بلدية، لذلك قلنا لهم يجب المشاركة في كل الاجتماعات والتعبير عن رأيهم بنعم أو لا، هذا هو مبدؤنا وقد بلغناه إلى الجميع وأكدنا لهم أن المشاركة واجبة، وكفى.
رئيس لجنة الشؤون القانونية بمجلس الأمة محمد ماني ل"الشروق" "المشرّع ترك هامش مناورة للوالي لفك الانسداد" عادت مجددا المخاوف من حدوث انسداد في المجالس الشعبية المحلية، بالرغم من مرور أكثر من شهر فقط على الانتخابات المحلية. ما تعليقكم؟ بعض المجالس البلدية والولائية عرفت صعوبات في عملية التنصيب، وذلك للتنوع الذي عرفته التركيبة الحزبية لهذه المجالس. فإلى حد الآن لا يمكن اعتبار الأمر انسدادا لكون هذه المجالس لم تباشر بعد عملها الحقيقي، وإنما باشرت وضع نظامها الداخلي، وكذا توزيع المهام التنفيذية. هذه الأمور، هي التي جعلت الغالبية من المتابعين يتنبؤون بحدوث انسداد في غالبية هذه المجالس. وهنا، يأتي الدور على المنتخبين الجدد الذين يجب عليهم تغليب مصلحة المجلس والمواطن قبل الحسابات الشخصية الضيقة. ألم يعالج المشرع الجزائري هذه الظاهرة من خلال تعديله القانون العضوي المتعلق بالانتخابات؟ يمكن القول بأن المشرع لم يفصل في هذه الحالات لكون القوانين، كما هو معروف، تعالج الكليات، فهي تأتي بالمبادئ العامة المنظمة للعملية الانتخابية، من وضع الشروط والكيفيات لسير هذه العملية. وأما ما تعلق بمثل هذه الأمور، فنجده عن طريق مراسيم تطبيقية تلي صدور هذه القوانين أو في بعض الأحيان حتى عن طريق تعليمات ومذكرات توضيحية توجه إلى السلطات المحلية قصد التعامل مع هذه الحالات التي تكون في أغلب الأحيان مختلفة من جهة إلى أخرى ومن مجلس إلى آخر، حيث تمنح السلطة التقديرية للولاة في التعامل معها حسب المعطيات المتوفرة لديهم. هناك من يقول إن تعديل القانون العضوي المتعلق بالانتخابات عالج جزئية من المشكلة، وهي معضلة اختيار رئيس المجلس الشعبي البلدي، فيما عجز عن معالجة الجزئيات الأخرى.. ما تعليقكم؟ إن تعديل القوانين يكون لأسباب عديدة منها ظهور بعض المشاكل والمعضلات خلال تطبيقه، مما يدفع إلى مراجعتها من حين إلى آخر قصد تحيينها مع المستجدات والقضاء على تلك المشاكل. ولعل القانون العضوي المتعلق بالانتخابات عالج أهم المشاكل التي تلت العملية الانتخابية لسنة 2012 وما ترتب عليها من مشاكل في أغلب المجالس الشعبية البلدية التي لم تحصل فيها القائمة الفائزة على الأغلبية المطلقة. فاليوم تم بفضل هذه التعديلات الفصل في رئيس المجلس الشعبي البلدي دون الحاجة إلى تحالفات أو ما شابهها. أما القول بعجز القانون عن معالجة مشاكل أخرى، فهذا سابق لأوانه، رغم أننا نقر بوجود بعض الفجوات والثغرات في القانون العضوي الأخير للانتخابات. وهنا نأمل أن يتم تداركها في حال طرح هذا القانون للتعديل مرة أخرى، غير أنه يمكن أن تحل هذه المشاكل إذا غلبت المصلحة العامة على المصالح الخاصة. كيف تتم المداولات إذا تساوى حزبان في عدد المقاعد وكانت بينهما حساسيات؟ القانون قد فصل في أمور عديدة. ففي حال تساوي حزبين، تؤول الرئاسة إلى الحزب الذي تحصل على أكبر عدد من الأصوات، وفي حال التساوي حتى في عدد الأصوات تؤول الرئاسة إلى الأصغر سنا، أما المجلس الشعبي الولائي، فتؤول إلى الأكبر سنا. وفي ما يخص المداولات، في حال عدم حضور الأغلبية، يتم استدعاء المجلس إلى المداولة مرة أخرى بعد انقضاء المدة القانونية، ويتم المصادقة بأغلبية الحاضرين مهما كان عددهم، غير أن المشكل يطرح في حال حضور الأغلبية والتصويت ضد القرارات والمداولات في حال وجود الحساسيات وعدم حصول القائمة الفائزة على الأغلبية المطلقة، وبالتالي يحصل ما يسمى بالانسداد، وهنا يجب على السلطات المحلية من رئيس الدائرة والوالي التدخل بالتنسيق مع ممثلي هذه الأحزاب وتحسيسهم بضرورة تغليب المصلحة العامة، كما من حق الوالي العمل مباشرة مع رئيس البلدية دون الرجوع إلى المجلس في بعض القضايا. هل من الضروري مراجعة أخرى للقانون العضوي للانتخابات؟ وما الحلول التي ترونها مناسبة لحل مشكلة الانسداد؟ أكيد أن مراجعة القانون العضوي للانتخابات أو حتى قانون الجماعات الإقليمية أصبحت تطرح نفسها بقوة في ظل هذه البداية المحتشمة لعمل المجالس المحلية المنتخبة من خلال عدة إجراءات وصلاحيات تمنح سواء لرئيس المجلس الشعبي البلدي أم بالنسبة إلى القائمة الفائزة وتحميلها المسؤولية في هذا الإطار.
حلت أزمة الرئيس وبقية معضلة المداولات هذا ما أغفله قانون الانتخابات 16/10 لمواجهة الانسداد لم تمر سوى أسابيع قليلة عن تنصيب المجالس الشعبية المحلية المنبثقة عن انتخابات 23 نوفمبر المنصرم، حتى عاد هاجس الانسداد إلى الواجهة، لأن الكثير من المجالس لم تحقق فيها الأحزاب أو القوائم الفائزة، تقدما مريحا يجعلها في منآى من عرقلة عجلة المداولات. وكان المشرّع قد عمد إلى مراجعة القانون العضوي المتعلق بالانتخابات في عام 2016، مدفوعا بالحصيلة السلبية المسجلة خلال السنوات الأربع التي شهدت العمل بنصوص هذا القانون المعدل في عام 2012، في إطار ما عرف بحزمة الإصلاحات السياسية التي أطلقها الرئيس بوتفليقة، في أعقاب اندلاع ما عرف ب"أحداث الزيت والسكر"، في جانفي 2011، والتي كادت أن تلحق الجزائر بالدول التي اجتاحها ما اصطلح عليه "الربيع العربي". حصيلة السنوات الأربع من تلك التجربة، أبانت كما هو معلوم، عن صعوبات جمة في اختيار رؤساء المجالس المحلية البلدية والولائية، بسبب تدافع المصالح الشخصية بين بعض المنتخبين وكذا الحزازات السياسية بين الأحزاب، وهو ما تسبب في حدوث حالات انسداد مزمنة عجزت عن حلها الإدارة الوصية، الأمر الذي تسبب في عرقلة مصالح الجزائريين. وانطلاقا من ذلك، أقدمت الحكومة على مراجعة القانون 12/01 في خريف 2016، ومن هنا جاء القانون العضوي للانتخابات الذي يحمل الرقم 16/ 10، وقد عالج نقطة بعينها وهي أزمة اختيار رؤساء المجالس المحلية من خلال الحسم في هوية الرئيس عن طريق عدد الأصوات المعبّر عنها بدل الاحتكام إلى عدد المقاعد، وكذا اللجوء إلى عامل السن في حال التساوي في عدد الأصوات، غير أن مشكلة أخرى لا تقل عنها أهمية، وهي المتمثلة في نظام المداولات، يبدو أنه قد تم إغفالها. وتتجه الأنظار إلى المجالس التي لم تفز فيها قائمة رئيس المجلس الشعبي البلدي أو الولائي بأغلبية المقاعد، لأن هذا المعطى يعتبر مشروع انسداد مزمن طيلة العهدة الانتخابية، فاصطدام المصالح من شأنه أن يضع العجلة في دولاب المداولات، التي تعتبر العمود الفقري في تسيير المجالس المحلية، ولاسيما ما تعلق باتخاذ القرارات ومنح الصفقات، التي كانت وستبقى تسيل لعاب الكثير من المنتخبين "الطمّاعين". هذه المسألة تشكل ثغرة في القانون العضوي للانتخابات، ولا يستبعد بعض المتابعين أن يكون المشرع قد تعمّد إغفالها حتى يفسح المجال أمام الإدارة كي يكون لها هامش مناورة في تسيير الشأن المحلي، سواء عن طريق رؤساء الدوائر أو الولاة، الذين يخولهم "التنظيم" تسيير حالات الانسداد من خلال التعليمات الشفوية والمكتوبة، في ظل غياب نص قانوني صريح يوضح بجلاء حدود تدخل الإدارة في تسيير المجالس المنتخبة. وفي هذا الصدد، يتحدث مطلعون عن أن الوالي بإمكانه وبالتنسيق مع رئيس المجلس الشعبي البلدي أو الولائي، تجاوز المداولات في حال تعطلها لسبب أو لآخر، وهو الأمر الذي قد يلجأ إليه بداعي الحفاظ على تفادي تعطل مصالح المواطنين. ويبقى أفضل حل لمواجهة عودة هذه الظاهرة، هو ترفّع المنتخبين عن السقوط في مستنقع تغليب المصلحة الحزبية أو الشخصية، وهذا يتطلب توفر إرادة ليس فقط على مستوى المنتخب، بل يتعداه إلى الكيان السياسي الذي ينتمي إليه، ولعل هذا هو الذي يكون وراء تفطن قادة بعض الأحزاب السياسية، ومنهم رئيس حزب الفجر الجديد، الطاهر بن بعيبش، الذي دعا منتخبيه إلى تفادي الدخول في النزاعات التي من شأنها أن تؤدي أو تساهم في حدوث حالات انسداد على مستوى المجالس المحلية.