يعيد الحادث الأليم والمجزرة المرورية الرهيبة التي حصدت أرواح 17 قتيلا و20 جريحا بسعيدة، ككل مرة، مدى مطابقة بعض طرقات الجزائر للمقاييس العالمية، على اعتبار أن العامل البشري ليس السبب الوحيد ولا البارز في كل الحوادث الأليمة، ناهيك عن ضمان المواطنين التنقل والعودة إلى منازلهم بسلام.. لا يختلف اثنان في أن أبرز مسببات الحوادث القاتلة تتمثل في العامل البشري، لكن يعترف الكثير من التقنيين أن وضعية الطرقات عامل بارز في "إرهاب الطرقات". وتعرف عدد من الطرقات سواء الرئيسية أو الفرعية وضعا كارثيا في الأشهر القليلة الماضية، وإن كانت هذه الأخيرة قد لا تشكل أخطار كبيرة ولا تكون السبب المباشر في حوادث المرور على اعتبار أن أصحاب المركبات لا يسيرون بالسرعة القصوى مقارنة بالطرق السريعة، بسبب وجود الحواجز الأمنية، ناهيك عن الحواجز المرورية، إلا انه قلما تسجل حوادث مرور خطيرة مقارنة بما يقع في الطرقات الخارجة عن المدينة. غير أن الطامة الكبرى و"الخطر المرعب"، أن يكون الطريق السيار والطرقات السريعة مليئة بالحفر والمطبات، في حين تفتقد تلك الأجزاء إلى أي إشارات تحذر من وجود معوقات أو خطر أو ضرورة تقليص للسرعة أو غير ذلك، وهو ما يتسبب لا محالة في حوادث مرور رهيبة قد تؤدي حتما لمجازر في أوساط السائقين والركاب على حد سواء.
طرقات الموت.. هنا تنتهي حياة عشرات الجزائريين .. عندما يتحدث سائق حافلة ما بين الولايات والعامل على الخط الرابط بين سعيدة والبيض، والذي راح ضحية حادث الخميس الأسود عبر صفحته عن الفايسبوك، قبل الحادث الأليم، عن شروعه في الانطلاق في رحلة "رعب" ليس لأن الطريق مهدد بقطاع الطرق أو خوفا من حاجز مزيف خلال التسعينيات، وإنما السبب "طريق الموت بامتياز"، فيعني ذلك إقرار صريح من شخص خبير بالطريق يشتغل بها أغلب وقته، وشهد خلال فترة عمليه على عشرات أو المئات من حوادث المرور، بفعل انعدام الصيانة واهتراء الطريق اثر زيادة حمولة الشاحنات ذات الوزير الثقيل، يدفع إلى طرح مجموعة من علامات الاستفهام عن دور مديريات الأشغال العمومية والوزارة والهيئات التابعة لها في متابعة المشاريع والسهر على احترام المقاييس، والوقوف على مشاريع الصيانة؟
نقاط سوداء.. سر بحذر عائلتك في انتظارك! ليس غريبا أن يكون وضع الطرقات في ولايات بعيدة عن أعين المسؤولين في وضعيات جد كارثية، إلا أن الأغرب في الأمر أن تصير طرقات سريعة وأجزاء من الطريق السيار أمام مرأى المسؤولين والوزراء وتعيش في وضع متدهور، دون صيانة أو ترميم، فيما يبقى المار على هذه الطرقات كأنه يسير على شفا حفرة يحذر من الوقوع فيها فتقع على رأسه الكارثة، فالسائق عبر الطريق الاجتنابي بين زرالدة وبودواو الذي لم يمر على تدشينه على الأكثر ست سنوات، وعلى الرغم من انجاز بعض عمليات الصيانة أيام البحبوحة المالية، إلا انه بات عرضة للإهمال، ما نتج عنه ظهور نقاط سوداء في كلتا الجهتين سواء القادم من تيبازة نحو بودواو أو الاتجاه المعاكس، فالجزء المحاذي بمنطقة بن طلحة سجلت عددا معتبرا من المطبات والحفر، ما يطرح العديدة من التساؤلات حول مدى احترام مؤسسات الانجاز للمقاييس المعمول بها دوليا مع شهادات ضمان صلاحية تلك الورشات لسنوات عديدة.
التقشف يفضح "البريكولاج".. وجزائريون يدعون الله للعودة سالمين نفس الأمر ينطبق على الأشخاص السائرين عبر الطريق السريع الرابط بين بلديتي الدويرة وبن عكنون مرورا بأولاد فايت والشراقة، والذي بدوره حسب شهادات العابرين بشكل يومي عبره، يؤكدون استحالة السير في جانب واحد، وعدم تفادي الحفر العديدة ببعض الأجزاء بها، ما يشكل خطرا على حياة السائقين ويتسبب أحيانا في حوادث مرور خطيرة. ولعل الطريق السيار في جزئه الرابط بين بومدرداس والبويرة، يعد أكثر المسالك التي تدفع العابرين عبره من أجل شد أنفاسهم خوفا من وقوع ما لا تحمد عقباها حتى أضحى "كابوسا" حقيقيا يرعب قاطعي هذا الطريق، لدرجة أن البعض يعلق انه يدعو الله يوميا من اجل العودة سالما إلى أهله. فالملاحظ لكيفيات تفادي السائقين لهذه المطبات، يتملكه الفزع، جراء المناورات الخطيرة والمفاجئة التي يرتكبها بعض السائقين في سبيل تفاديهم، تلك الحفر، وهنا كثيرا ينجو البعض من حوادث ويسقط البعض الآخر في حوادث اشد خطرا، ما يعني أن وضعية الطريق والعامل البشير هما السببان البارزان فيما يحدث في اغلب الحوادث والأدهى من كل هذا، أن اغلب الطرقات السريعة شهدت منذ سنتين تقريبا إهمالا كبيرا، نتيجة سياسة "التقشف" وترشيد النفقات اثر الأزمة المالية التي عصفت بالبلد، وحتى فرق الصيانة الذين استحدثوا في عهد احد الوزراء المتعاقبين على قطاع الأشغال العمومية، لم يعد لهم اثر وقل نشاطهم حسب بعض المواطنين الذين تحدثنا إليهم، في حين يبقى مصير ملايير الأموال التي تحصلها الخزينة العويصة من مستحقات قسيمات السيارة والتي قيل في وقت سابق أنها تخصص لصيانة الطرقات في خانة المجهول، ما دامت صيانة الطرقات تعد آخر الأولويات.
العزوني ل"الشروق": السرعة المفرطة تزيد من المخاطر من جهته، قال رئيس جمعية طريق السلامة محمد العزوني ل "الشروق"، انه حتى في حال كانت وضعيات الطرقات السيئة سببا في أي حادث كان، إلا أن مسؤولية السائق تبقى أكبر، على اعتبار أن الشخص هو من يتحكم في المركبة وبإمكانه ملاحظة أي عائق آو عقبة من مسافة بعيدة وبالتالي تقليص السرعة أو اتخاذ الاحتياط، مشيرا إلى أن نقص التركيز والسرعة المفرطة لا يمنحان الفرصة لأخذ الحيطة والحذر، داعيا وزارة النقل إلى وضع استراتيجة فعالة للحد من حوادث المرور.