متّ أم قُتلت .. لم يعد يهمّنا البحث عن هذه الحقيقة لسنا رجال بوليس .. نحن مريدوك في الحرف وأنت شيخ الطريقه جئنا يا سيدي نبحث عن رائحة الضّاد .. تحت معطفك البني * وبين أوراقك العتيقهْ * نبحث عن غابات النخيل التي غرستها بدون ترخيص * وعن كل الكلمات التي جلدت بها أقدام الذين قالوا أن الشهداء * لا يعودون * وكل الكلمات الرقيقة * التي أعادت لفراشات الربيع ألوانها * وأعادت لوجوهنا تقاسيمها الصديقه * نريد أن نفتح تاريخك وحقائبك القديمة وتوزع ما تبقى من عطرك * التقليدي على أهل هذه المدينة المصابة بالزكام... * صحيح أننا لسنا نسخا منك ولن نكون * لكننا جميعا ولدنا في هذا الوطن الذي مازال يخاف من الورق * والحبر والأقلام، ومن الأصوات التي تتقن مخارج الحروف العربية * تشهد يا سيدي رغم اختلافنا فقط، أنك كنت صوتنا العربي * يوم لم يكن لنا صوت أو يوم أن كانت أصواتنا تغتال * جهارا، وتسجل الجريمة ضد مجهول .. * لقد كنت تكتب . وكنا نشمّ في حرفك رائحتنا، وأحلامنا الممنوعة، لكن ومع ذلك صنّفناك، وشيطناك، ولمن نعطك من خيرنا إلا الملح والحجارة !! * لم نكن نعرف أنك كنت مثلنا تماما * تكتب للفجر الآتي .. للشمس المقبلة .. للضوء السائل . * للأطفال الذين مازالوا يرسمون وجه هذا الوطن على شكل حبّة حلوى أو قطعة سكر .. * لأزهار البرتقال والليمون البيضاء كالثلج في حدائقنا . * لم نكن نعرف أنك كنت تكتب لنا، ولكل الذين لايؤذيهم أن يكون وجه هذا الوطن جميلا كوجوه الشهداء الذين ماتوا مبتسمين .. * كنت تكتب، وكنا نتساءل : لمن يقرع هذا الرجل أجراسه؟ * لم نكن نعرف أنك كنت تكتب بأصابع محروقة، وأعصاب تلتّف بالنار .. * كنت تغرس أظافرك في لحم كل رواية، لتمنح هذا الوطن شكله الطبيعي، * ولونه الطبيعي، وترفع عنه يد من أراد تحويله إلى علبة كبريت !!. . . * أتدري، ما الفرق بيننا وبينك يا عمي الطاهر؟ * أنت كنت تعشق في وضح النهار، وتتحدث عن نفسك ولا تكذب . * أما نحن فما زلنا نخبئ عشقنا، كما يخبئ تجار الحشيش بضاعتهم، ومازلنا نتحدث عن أنفسنا ونحن مفصولين عن ذواتنا كحالات الطلاق !! * ها نحن نعترف يا عمي الطاهر، بأنّ كنا مخطئين، يوم تورطنا في تكسريك، وبعناك كقطع الغيار القديم في سوق الخردة !! كنّا مخطئين، حين أصبناك بنيراننا الصديقة وجرحناك في الصدر !! * وكنّا مقصّرين عندما لم نزرك وأنت على فراش المرض، تسجل آخر بصماتنا، وتكتب على مخدتك آخر قصائد الحب والوداع، وتستنسق الزكام من أجسادنا المصابة بالسّل !! * لقد رحلت ياصديق الجمر وصديق الحرف، والمخبرون، مازالوا ينتشرون في أرجاء أصابعنا كالشوك، يدخلون علينا بسلاحهم ويخرجون، بحثا عن رائحة الضاد التي مازالت في أنوفهم الطويلة تشبه رائحة البارود الممنوع . * لقد رحلت .. ولم ننصفك .. ولم نفهمك .. * لكن سنكون ضد كل القوانين التي تبيح قتل الموتى، وإطلاق الرصاص على الجثث .. * سنرفض ذلك لسبب واحد .. لأنك لم تشتغل عميلا لأحد، ولم تقشر اللوز لأحد، ولم تكن حصانا في اسطبل أحد !! * أما عدا ذلك، فالله تواب رحيم .. وأمريكا - على بأسها - ليست هي الله العزيز القدير .. رحمك الله برحمته، وثبت المرابطين في خندق الضاد على مواجهة الآتي .. *