مع كل أسبوع يمر إلا ويمد الطريق السيّار الرابط شرق البلاد بغربها أو مشروع القرن مزيدا من الشبكة المواصلاتية لصالح مواطنين بدأوا يشعرون أن الكثير من الأمور قد تغيرت في حياتهم مع هذا المشروع الذي نتذوق حلاوته من يوم إلى آخر.. وكما في الدول المتطورة فإن المشاريع تغيّر من طباع الناس ومن نمط حياتهم وتجعلهم يتخلصون من بعض الترسّبات، فمن التفكير ودخول دائرة الحيرة قبل التنقل من ولاية إلى أخرى، انتقل الأمر الآن إلى الشعور بالرغبة والمتعة في شق هذا الطريق الساحر، رغم أن مرتاديه مازالوا لا يفهمون لماذا تغيب الخضرة والأشجار وحتى الغابات عن هذا الطريق الكبير. فإذا كانت تونس قد استفادت وتأمل في أن تستفيد أكثر من الطريق السيّار خلال الموسم السياحي الصيفي القادم فإن ولايات وطنية أخرى أيضا قد استفادت.. فقد سجلت تونس خلال موسم الاصطياف لأول مرة توافدا ملفتا من أهل العاصمة وما جاورها من ولايات مثل تيزي وزو وبومرداس والبويرة، وأكدت الأرقام التي منحتها بلدية نابل والحمامات أن العاصميين سجلوا نسبة تواجد فاقت 60 بالمائة ويحلمون الآن بأن تتضاعف النسبة وتلحقها أمواج الغرب أيضا، خاصة بعد الانتهاء من شطر الطريق السيّار الرابط بين قسنطينة والقالة، حيث سيختصر المسافة إلى ساعة زمن بعد أن كانت حوالي الثلاث ساعات. سطيف والبرج يتخلصان من وصمة "عار" حوادث المرور رغم أن الإحصاء الأخير لحوادث المرور الخاص بالأسبوع الأخير من شهر سبتمبر قد أعاد سطيف إلى مقدمة الولايات من حيث عدد الحوادث متبوعة بميلة، ثم باتنة، إلا أن سطيف وبرج بوعريريج أيضا منذ أن تم فتح الطريق السيّار في شطره الشرقي تراجعتا إلى المراكز الأخيرة، وكانتا رفقة البويرة دائما في المقدمة، حيث يعتبر الطريق الوطني رقم خمسة الأكثر ابتلاعا لضحايا الطرقات، وبقي المشكل الآن الذي جعل سطيف في آخر إحصاء تعود إلى المركز الأول هو فقدان التحكم في السيارة الذي كان أكثر الأسباب المؤدية لحوادث المرور منذ تدشين أكبر خطوط الطريق السيار شرق - غرب.. حيث انتقلت السرعة إلى ما يقارب أو يفوق 200 كلم في الساعة فقلّت وانعدمت حوادث التصادم والسير في اتجاهين متعاكسين والتجاوزات الخطيرة في المنعرجات، وصار الخوف في فقدان السيطرة على المركبة التي تسير بسرعة جنونية، حيث يصبح الموت مؤكدا، كما حدث في آخر إحصاء لمصالح الدرك الوطني التي أحصت وفاة 62 شخصا خلال الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر، 80 بالمائة من الحوادث بسبب عدم التمكن من السيطرة على مقود السيارة في الطرقات السريعة التي تستهوي السائقين لأجل السير بأقصى السرعات وإقامة "راليهات" حقيقية وتحطيم الأرقام التي جعلت بعض السائقين يقطعون المسافة بين وهران والعاصمة في ظرف ساعتين وآخرين يقطعون المسافة بين الأخضرية وقسنطينة في ذات التوقيت أي السير بمعدل 200 كلم في الساعة.. وكان الطريق الوطني رقم 5 وهو موروث منذ العهد الاستعماري وتم تجديده على مقاطع وفترات هو أكثر الطرق تسجيلا للحوادث، خاصة في أماكنه الحساسة من سطيف إلى غاية البويرة ودخول باتنة وميلة وعين الدفلة في آخر إحصاء يعني أن الطريق السيار قد أحدث انقلابا كاملا في النسب العامة لحوادث المرور. أنصار الكرة استفادوا من سيولة الطريق لاحظ متتبعو مباريات البطولة المحترفة مع بداياتها في قسميها الأول والثاني تغييرا واضحا في ديكور المباريات مقارنة بالعام الماضي الذي تميز بتأهل المنتخب الوطني إلى منافسة كأس العالم، حيث خوت الملاعب على عروشها نهائيا، ولكن الأمور تغيرت هذا الموسم منذ أول مباراة ضمن الأول المحترف بملعب بولوغين بين اتحاد العاصمة ووفاق سطيف. حيث تنقل الآلاف من السطايفية إلى العاصمة بعد أن سهّل لهم الطريق السيار السفرية وأوصلهم في أقرب الآجال وأريحها إلى العاصمة، كما أن الجولة الثانية من بطولة الثاني المحترف نقلت الآلاف من أنصار مولودية قسنطينة إلى رويبة لمناصرة فريقهم، والجديد الذي لم يحدث أبدا في تاريخ الكرة الجزائرية أن المناصرين انتقلوا إلى العاصمة ورويبة منذ الثامنة صباحا في سفرية كلفتهم ثلاث ساعات ونصف وعادوا بعد نهاية المباراة مباشرة، حيث لم تدق الساعة التاسعة ليلا حتى كانوا في بيوتهم ولأول مرة ينتقل مناصر كرة إلى العاصمة لمتابعة اللقاء من قسنطينة ويعود في ذات اليوم.. والبطولة المحترفة مرشحة بأن تحقق الفرجة والشعبية الجماهيرية القوية خلال المواسم القادمة في وجود الطريق السيار، الوسيلة الأكثر سيولة لجعل المناصرين جنب فرقهم في المباريات المهمة، خاصة عبر الحافلات بعد أن بينت تجربتنا مع القطارات البطيئة والسريعة عدم جدواها.. وكان عيد الفطر المبارك السابق أيضا مباركا إلى أبعد الحدود بسبب الطريق السيّار، حيث صار بإمكان أي عائلة أن تقطع 400 أو 500 كلم في ظرف وجيز لتفرح مع الأقارب بعد أن كان ذلك يتطلب تفكيرا مليا يجعل من التعييد العائلي من المستحيلات، وسيكون عيد الأضحى تأكيدا لذلك أيضا، ومن المفروض أن يقضي الطريق السيار أيضا على ظاهرة النزوح الريفي ولو نسبيا وظاهرة التواجد النهاري والليلي بصفة دائمة في المدن الكبرى ومنها العاصمة، حيث بإمكان صاحب السيارة العودة إلى مسكنه بسرعة فائقة، وعلمنا أن القائمين على الخدمات الجامعية اقترحوا تغيير شروط الحصول على غرفة في الإقامات الجامعية سواء بالنسبة للذكور أو الإناث بعد أن قصرت المسافة بشكل كبير في المدة الأخيرة وصار تنقل طالب أو طالبة من بلدية إلى المدينة الجامعية قد يكلفه وقتا أقصر زمنا مما يكلف طالب داخل مدينة جامعية معقدة المواصلات.. كانت هذه أولى ثمار الطريق السيار وأكيد أنه بعد تسليمه نهائيا خلال الأشهر المقبلة سيحدث طفرة اجتماعية كبرى في نمط حياة الجزائريين.