تبدو الإجراءات المتخذة مؤخرا في مجلس الوزراء من أجل التهدئة السياسية والاجتماعية وتفادي الإنفجارات التي تحدث هنا وهناك في الوطن العربي، وكأنها جاءت لتزيد الطين بلة، وتصب الزيت على النار، خاصة مع بقاء نفس الذهنيات والسياسات التي طالما أشعلت مختلف الجبهات بحماقاتها، وإلا فما معنى أن ترفع حالة الطوارئ التي تمنع المسيرات والتجمعات السياسية وتكبل الحريات العامة والخاصة وتحظر إنشاء الأحزاب والتي طالما أدت إلى ارتكاب مختلف التجاوزات الأمنية وغير الأمنية الخطيرة، ثم يتواصل العمل بنفس هذه الإجراءات التعسفية خارج الأطر القانونية الرسمية وبمجرد قرارات شفاهية أو مكتوبة صادرة من أي مسؤول من المسؤولين مثلما فعل وزير الداخلية مؤخرا الذي صرح بمنع المسيرات ورفض اعتماد أي حزب جديد حتى قبل أن يجف حبر قرار رفع حالة الطوارىء هذه؟ * .. وإلا فما معنى أن يأمر رئيس الجمهورية بفتح أبواب الخزانة العمومية على مصراعيها للإنفاق دون حدود على بناء السكنات وخلق مناصب الشغل وتوزيع قروض الاستثمار على كل من يطلبها وفي أي مجال، دون مراعاة أبسط القواعد المنظمة لهذا المجال، ثم يكلف نفس المسؤولين بتطبيق هذه الإجراءات من وزير أول ووزراء ومديرين من الذين فشلوا فشلا ذريا في تطبيق وإنجاز سياسات مماثلة في السابق مثل المخطط الخماسي السابق الذي ذهبت نصف مخصصاته والمقدرة بأكثر من 100 مليار دولار في الفساد والاختلاس والرشاوى والعجز وسوء التسيير. * يحدث هذا، ويستمر النظام في ممارسة نفس السياسات مع أن المطالب الأساسية للمجتمع كانت ومازالت واضحة وضوح الشمس وهي أساسا القضاء على الفساد والتوزيع العادل للثروة الوطنية وإرساء قواعد دولة القانون لتحرير العدالة وضمان استقلالية القضاء والتخلص من المحاكم والأحكام المسيسة، وهي مطالب لا تكاد تكون لها علاقة بالسياسة أو المنافسة على السلطة أو تغيير نظام الحكم أو الاعتداء على الدولة أو محاولة الانقلاب، هذا قبل أن تتطور الأمور ويرتفع سقف هذه المطالب مع استمرار هذه السياسات الاستفزازية التي لا يمكن وصفها بغير هذا الوصف باعتبارها استمرار للفساد والرشوة والبيروقراطية وسوء التسيير واستئثار فئة قليلة ومعينة بريوع النفط والغاز والتجارة الخارجية والقروض الكبيرة بدون فوائد وبدون تسديد تحت غطاء الاستثمار، وهذه تصرفات مرتبطة بالمسؤولين القائمين الذين قضى بعضهم عشرات السنين في المناصب دون تغيير على غرار الوزير الأول ووزير التربية على سبيل المثال لا الحصر والذين شبوا على الفساد وشابوا عليه ولا يمكن أن يتغيروا اليوم وما تغيروا أمس. وإذا استمرت أوضاع الحكم على هذا المنوال فإن على النظام أن يستعد لمواجهة ما كان يخشاه دائما ويرتعد له وهو المطالبة بالانتخابات الديمقراطية والنزيهة التي تفرز مؤسسات وهيئات بأشخاص مسؤولين أمام المجتمع الذي ينتخبهم وليس أمام رجال النظام الفاسد كما هو الواقع اليوم، وهذا ما قد يؤدي إلى نفس الأوضاع المأساوية السائدة اليوم في بعض البلدان العربية.