ربط رئيس الجهورية، عبد العزيز بوتفليقة، تحقيق مطلب الإصلاحات الشاملة في البلاد، بالخوض في الإصلاحات السياسية بالتزامن مع تعمبق التنمية، واعتبر قرار رفع حالة الطوارئ مؤشرا واضحا على هذا التوجه العام، غير أنه أكد على حيوية تنفيذ كل ذلك في مناخ من الحكمة والهدوء والتبصر، لتجنب أي سقوط أو انكسار جديد للمجموعة الوطنية، في إشارة إلى أحداث 5 أكتوبر وتطبيق التعددية السياسية بداية من 1989 وما تبعها من أحداث، حولتها من نعمة إلى نقمة على الشعب الجزائري، مسايرا بذلك ما ذهبت إليه ورح مبادرة كل من عبد الحميد مهري وحسين آيت أحمد، مستعينان بتجربتهما الكبيرة في النضال، وحظوظ النجاح بأقل التكاليف. * رئيس الجمهورية، الذي لم يعلن عن إجراءات سياسية عملية تتجاوب مع مطلب التغيير، كما كان منتظرا وسط الطبقة السياسية، تزامنا مع حلول مناسبة عيد النصر الوطنية والتاريخية الهامة، استغل الفرصة ليرد على انشغالات الطبقة السياسية المطالبة بالتغيير، انطلاقا من تغيير نظام الحكم ذاته، على غرار ما حدث ويحدث في دول الجوار، التي سارعت الى التشكل في تكتلات وتنسيقيات، وكأنها في سباق مع الزمن، حتى أنها تجاوزت منطق العائلة السياسية، وخاصة تلك التي لجأت إلى الشارع للتعجيل بالتغيير، حيث ضمن رسالته الى المشاركين في ندوة احتضنتها مستغانم بمناسبة ذكرى عيد النصر، رسالة واضحة يطمئن فيها مجموع المجتمع السياسي، ويؤكد إدراكه لطبيعة الانشغالات المطروحة، وحجمها. * واعتبر رفع حالة الطوارئ بمثابة نقطة فاصلة بين مرحلة قاتمة عانت من الإرهاب وعدم الاستقرار، واستنزفت مقدرات البلاد، والتي أثرت سلبا على الكثير من المكاسب، ومرحلة جديدة متفتحة على الإصلاحات السياسية وتعزيز أعمال التنمية، بما يضمن كرامة المواطن والتأسيس لدولة قوية، حيث يقول "إن رفع حالة الطوارئ الذي لا يعني التخلص من واجب اجتثاث بقايا الإرهاب، هو خطوة جديدة يخطوها الوطن في اتجاه إزالة كل الآثار الناجمة عن سنوات المحنة والابتلاء، وهي صفحة جديدة على صعيد المضي بالإصلاحات الشاملة.. والتي لا يكتمل عودها .. إلا إذا أخذت الإصلاحات السياسية نصيبها من الرعاية والاهتمام، يكون فيها البناء المادي الذي يجري انجازه على قدم وساق صنوا للبناء السياسي، الهادفين كلاهما الى بناء وطن قوي ودولة قوية بمواطنين أقوياء". * وقال الرئيس "لقد كان موضوع التغيير والإصلاح واحدا من المقومات الأساسية التي بنيت * عليها البرامج المختلفة التي يجري تنفيذها منذ ما يزيد على العقد من الزمن، ولم تكن البرامج الخماسية المتعاقبة التي اشتملت على الإصلاح الإداري والقضائي والمالي وغيرها من المجالات سوى مقدمة لمضمون الإصلاح الشامل الذي يصبو الى تغيير وجه الجزائر في جميع المجالات". * غير أن رسالة الرئيس، نبهت الى أن "هذه الخطوات التي تتحقق عبر تنفيذ البرنامج الخماسي الحالي .. وهذا الزخم التنموي متعدد الأبعاد والأهداف"، يتطلب بل يفرض علينا أن نتحلى بالقدر الكبير من الحكمة والهدوء والتبصر حتى يؤتي ثماره، وحتى نفوت الفرصة * على من تستهويهم حالات التعطل أو الارتباك"، في إشارة الى بعض الأطراف والنخب السياسية، وفي مقدمتها تحركات سعيد سعدي، وعلي يحيى عبد النور، من خلال تنسيقية التغيير والديمقراطية، والتي تستعجل الإصلاح العميق لمؤسسات الدولة وطريقة عملها، انطلاقا من تغيير جذري للنظام على الطريقة التونسية والمصرية. * كما رد رئيس الجمهورية على "تعليقات البعض والبعض الآخر على مدى وفاء الجزائريين لدواعي الأمانة التي رسمتها تضحيات الشهداء والمجاهد"، في تلميح الى أطياف سياسية أرجعت ما يحدث من أزمات وانكسارات الى انحراف السلطة عن مبادئ وقيم أول نوفمبر، موضحا أن " الخطوط العامة التي انتهجتها الدولة الجزائرية الحديثة تنحدر من مرجعية بيان أول نوفمبر وباقي وثائقها الأساسية، فالحرية التي سقاها شعبنا بدمائه الزكية ماثلة اليوم للعيان من خلال التعددية الإعلامية والسياسية والبرلمانية وفي باقي المجالس المحلية"، ثم أضاف بأنه" لا تستكمل هذه الحرية إلا بإرساء قواعد عدالة اجتماعية بفرض مساواة في تلبية الحاجات المحلة كالسكن والشغل والتعليم والصحة والتثقيف والترفيه " . * وعاد الرئيس في رسالته الى الحديث عن هاجس الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، وعن بعض الممارسات الطفيلية والمضاربات التي كانت خلفية لاحتجاجات الشارع مع بداية جانفي الماضي، موجها اتهامه لجهات محددة ومعروفة، حين قال إن "ترشيد المال الخاص والعام وخلق الثروة المبنية على الجهد والاستثمار والبناء لتجاوز ما عرف بالريع النفطي الى بناء المستقبل اعتمادا على الطاقات المتجددة لقطع دابر ثقافة التواكل والتبعية للغير والارتباط بإنتاج الآخرين الذين لا يتورعون عن التلاعب بالسوق الداخلية من خلال التلاعب بالأسعار وفرض الاحتكار واختلاق الندرة وتحريض المطففين والمرابين على تهديد أمن الشعوب وإدخالها في دوامة العنف المدمر".