العودة إلى الجزائر كما حضرت محاضرة حول أزمة الشرق الأوسط لأستاذ من جامعة MIT قال فيها إنه لا يؤمن بالحلم الصهيوني القاضي بجمع اليهود في بلد واحد مثل فلسطين وأن الصهيونية نوع آخر من الاستعمار وهو يقول هذا رغم أنه يهودي ويرى أن حل أزمة الشرق الأوسط هو بإقامة دولة واحدة ديمقراطية تجمع المسلمين والمسيحيين واليهود ويكون فيها البرنامج الأصلح هو الذي يقود البلاد بدون تمييز عنصري على أساس الدين أو الجنس. كل الجزائريين فرحوا بهذا الطرح ورحنا نشكره على هذا الموقف ونستفسر عن كيفية الوصول إلى تطبيقه.. كما قابلت شخصا آخر قالي لي إنه يهودي الدين ولكنه غير صهيوني ولقد زار القدس ووقف بالحائط ولكنه لا يرى الحق فقط لليهود في القدس ولا يحبذ العيش في ما يسمى بإسرائيل ويرى أن طرد العربي من بيته ليسكن فيه يهودي عملا غير إنساني وهو العمل الذي قام به النازيون. اندهشت لهذا الرجل وقلت له إن في ديننا في القرآن الكريم أن اليهود سيدخلون القدس ولكنهم إن أحسنوا المعاملة والتصرف فسيبقون ولكنهم إن أساءوا وظلموا فسوف يأتي من يطردهم وينتقم منهم فهي سنة الله في الحياة.. طلب مني إن كان يستطيع أن يزور الجزائر فقلت له سأكون سعيدا لاستقباله إذا جاء إلى الجزائر وإني راجع لأتمم ديني وسوف أرجع لأتمم دراستي بإذن الله. أمضينا النهار معاً وفي المساء طلب مني إن كنت أحب أن أتناول معه العشاء فقبلت وتغذينا معا وتحاورنا في مواضيع كثيرة وفي الأخير أعطاني عنوان بيته ورحب بي متى أريد بل إنه نوّه لي أنه له بنت في العشرينات يود أن يقدمها لي فهي تحب التعرف على العرب والمسلمين وهو من الصنف المتدين الوسطي غير المتطرف، وفعلا جاءت الغد عندنا للمرقد وهي تقريبا متحجبة، سروال فضفاض وقميص عريض وخمار صغير فوق رأسها وكأنها أتت خصيصا لتريني أنها تشبه المسلمات فلماذا لا أغير رأيي وأتزوجها بما أنني قلت لأبيها بأن ديننا لا يمانع أن يتزوج المسلم الكتابية، قلت سبحان الله لقد أحسنوا الظن بي وهاهم يقدمون لي بنتهم.. يا ليت المسلمون يقتربون من هذا النوع من اليهود فهؤلاء هم الذين سيخرجون الصهيونية من فلسطين لأنهم بنو جلدتهم ولهم الحق أن يصلوا للحكم ويقرروا يوما بإذن الله أن هذه الأرض لمن سكنها قبلهم من العرب، مسلمين، مسيحيين ويهود لمن أراد أن يستقر فيها بدون طرد أهلها وسيكون فيها الحي اليهودي في كل مدينة كما هو موجود في كل العالم وسيلقون الترحاب لزيارة ما يرونه مقدسا فوالله إني لا أرى لهذا البلاء الذي ابتلي به اليهود قبل غيرهم من مخرج إلا أن يخرج الله من جلدتهم من يقوض النظرية الصهيونية ويطرح فهما آخر أقرب إلى ما عرضناه من ضرورة رجوع اليهود الذين جاءوا من خارج فلسطين إلى مواطن أصلهم واتباع تقاليدهم وثقافتهم التاريخية التي حمتهم من الذوبان والانقراض بإنشاء الأحياء اليهودية في كل مدينة يستقرون فيها وينشئون الدواوين التجارية مع أهل البلد ويطعّمون مناخ كل بلد بلمستهم المرنة والتجارية التي كانت تجد في قلوب المسلمين رأفة ورحمة وسعة في الدين ومعاملة حسنة.. فلو، إن شاء الله، يقيد الله لليهود في فلسطين من يفك أسرهم من حكم المعقدين والموسوسين ويحكمهم العقلاء مثل رئيس جنوب إفريقيا دوكلارك الذي فك الأبرتيد وأرجع الحق للسود فوجد في قلب الزعيم منديلا المسلم بالمعاملة الترحات والصفح وطي الماضي والمصالحة والإخاء. كذلك سيقف الفلسطينيون موقفا أكبر ويلقنون اليهود دروسا في الرحمة والصفح والتعامل بالتي هي أحسن وهكذا أظن أن إسرائيل ستزول وبالأحرى ستعود إلى فلسطين والفلسطينيين الأحرار والنبلاء عربا وعجما، مسلمين، مسيحيين ويهودا. الملتقى الإسلامي لجمعية الطلبة المسلمين في أمريكا قبل أن أقفل حقائبي وأهمّ بالرجوع للوطن، شاركت في الملتقى السنوي للطلبة المسلمين في أمريكا والذي كان عنوانه "تاريخ الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي" ومن ضيوفه البارزين أبو الحسن الندوي الداعية الكبير الهندي من سلالة آل البيت، من أشهر كتبه "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"، و"كتاب السيرة النبوية". ففي هذا الملتقى ألقيت محاضرات حول المقاومة وحروب التحرير الإسلامية في العالم الإسلامي ضد الاستعمار وكيف بعد العناء والنهضة الإسلامية اختطف الفكر الاشتراكي والبعثي والتغريبي ثمرات جهاد المسلمين وراح يمسخ الشعوب أو يسلخها من ماضيها إلى آخره. ومن أهم تلك المحاضرات التي تنبّأت بحدوث شيء كبير في إيران على يد الدعاة والمشايخ كانت محاضرة الأستاذ رشيد بن عيسى الجزائري، فلم يصدق أحد معلوماته وهو يسرد نضال الشيعة ضد الاستعمار ومازالوا يكونون الأجيال للإطاحة بنظام الشاه وسوف يفعلون وهو قريب، فما ان أكمل كلمته حتى طوّقته مجموعة من الطلبة والأساتذة ورحبوا به وشكروه ورفعوا أصواتهم بالتكبيرات وشكره رئيس المؤتمر على تلك المعلومات وفرح الكل بأن لهم إخوة من الشيعة، قال الأستاذ المشرف إننا لا نعرف شيئا عن إخواننا الشيعة بل إن الدعاية المغرضة العربية جعلت منهم أعداء والحمد لله الذي أنرتنا.. أم كلثوم تتسبب في إسلام امرأة يهودية حملت حقائبي مليئة بالكتب من كل نوع، إلكترونيات رقمية وعلوم الحاسبات ومجلات وكتب إسلامية بالإنجليزية من أهمها كتب المودودي وخاصة كتاب الأخت مريم جميلة اليهودية المولد والتي أسلمت وأصبحت مؤلفة ومفكرة إسلامية تعيش في باكستان، قصة إسلامها ظريفة ومهمة، نلخصها كما يلي: قالت عشت في أسرة متدينة من والدين يهوديين متوسطي الثقافة وملتزمين بالعادات والتقاليد اليهودية، ولكنها كطالبة في جسم أميركا كانت لا ترى لهذا الالتزام مبرر وتريد أن تفهم وتستفسر عن سبب هذا وذاك. كانت تذهب لنادي مشهور ينشر الفكر الصهيوني ويشجع على الانضمام إليه والهجرة إلى فلسطين، فكانت تجادلهم في سبب اختيارهم فلسطين ولماذا التمييز بين الناس على أساس العرق أو الدين ولكنها لا تجد إلا الصد والتنكير عليها من هذه الأسئلة والتشكيك في نواياها مما زادها إصرارا على التعرف على هؤلاء الذين يسمونهم العرب ولماذا يقال لها إنهم أعداء لها، فراحت تفتش عن سبب ذلك وذهبت لمكتبة بلدية نيويورك وسألت هل يوجد شيء يعرفها بثقافة العرب مثل الموسيقى أو شيء يقرأ.. فقيل لها أن المكتبة تملك اسطوانات بالعربية للقرآن وهو أم كتاب يقرأه العرب، فرحت بذلك وأخذت الاسطوانات للمنزل لتسمعها فما إن بدأت تسمع ذلك الصوت حتى اندهشت من الصوت ومن هذه اللغة التي فيها هذه الجمل وهذه الحروف الممدودة وطويلة النفس فلقد كانت قراءة للقرآن الكريم للسيدة أم كلثوم رحمها الله، نعم أم كلثوم رحمها الله رغم أنف حسادها كانت سبب دخول الإسلام هذه المسكينة، بصوتها جلبتها وحببت لها كتاب الله، ثم رجعت للمكتبة وطلبت هذا الكتاب فأُحضِرت لها ترجمة لمعاني القرآن الكريم بالإنجليزية وأضيف لها اسطوانات غنائية لأم كلثوم، كانت تستمع لها رغم رفض والديها الذين ضاقوا بها وطردوها من المنزل، وحملها مسلمو هارلم ورفعوها فوق رؤوسهم وأسلمت على أيديهم وتعلمت منهم ما شاء الله وأرسلوها لباكستان لتتعلم أكثر وهناك استقبلها المسلمون وقبلت الزواج من أحد الأغنياء زوجة ثانية له، لا من أجل جمالها ولكن لتنهمك في متابعة دراسة الإسلام وتكتب وتراسل العلماء فلقد خصص لها بيتا كاملا وخدما لها، لتكتب وتنشر الإسلام وتعيش من أجله. مواصلة الإسلام الحركي والعمل في المصانع بدأت العمل في شركة إلكترونيات في بلعباس التي كانت تعجّ بجميع أنواع الفتن ولكنها كانت حقا تجربة رائدة في التعاون مع أمريكا الممثلة في شركة رائدة كونت إطارات في كل أنواع الاختصاصات إدارية، مخبرية، هندسية، جودة، مياه صالحة للشرب والمياه المستعملة.. ويا للأسف جاءت في غير وقتها، وفي وقت التظاهر الاشتراكي، فيها تعلمت تقنيات مراقبة وتأكيد الجودة التي أحسبها من أهم أسرار نجاح النظام الأمريكي: تأكيد الجودة ولدت في البنتاغون قسم اللوجستيك الذي كان مكلفا بوضع المقاييس الضرورية والعالية لاختيار أحسن زبون مورد للجيش الأمريكي بكل قطعة ومادة وخدمة، فصمم نظاما قاسيا عاليا في المواصفات للمواد التي يريد شراءها فلا تفوز بعقدها إلا الشركات التي تكون مجتهدة علميا وتقنيا في توفير أرقى المنتجات وأجودها على المديين القصير والبعيد، المهم إن نظامه يسمى ب"الميليتاري استادار" أي المقاييس العسكرية، بمجرد ما تتلفظ به يفهم الأمريكي أنك تطلب منتجا عاليا، دقيقا ومجربا، طويل الحياة، غالي الثمن.. قلت يا بني قينقاع هذا أهم أسراركم، طوعتم بها الشركات الأمريكية وألبستموها ثوب الجيش رغم أنفها، لأن عقود الجيش سمينة فمن أراد الفوز بها فلابد له من سهر الليالي وجلب أحسن الخبرات والباحثين في كل شيء. نعم يا حبيبي هذا هو الجهاد الذي نصّ عليه القرآن ويتشدق به الغافلون والمتطفلون، فهو عدة تعد وشعب وأمة تسند وعدو يرتعد. يتبع...