غرور الانتصار لنذكر أولا بنتائج الانتخابات المحلية يوم 12 جوان 1990 كانت: نسبة المشاركة: 61.15٪.. تلقت منها الج.إ.إ: 54.25٪ من الأصوات المعبر عنها.. وهو ما يساوي: 331.472.4 صوت.. و33.73٪ من مجموع المسجلين ونالت بها 853 مجلس بلدي من مجموع 1524 مجلس بلدي وهي نسبة 55.98٪ و5987 مقعد من مجموع المقاعد البلدية المقدرة ب: 13129. وهي نسبة %45.6 ونالت 31 مجلسا ولائيا من 48 مجلسا أي 64.59٪ من المجالس الولائية تحت إشرافنا.. ومنها 1031 مقعد من مجموع 1884 مقعد مجلس ولائي وهي نسبة: 54.73٪ من مقاعد المجالس الولائية.. أليس هذا نوع من الدخول في الحكم والتسيير لشؤون البلد.. هل سحب منّا لولا التهور والتكور، ومن كان في نعمة ولم يشكر خرج منها وهو لا يشعر.. لم تحصل ج.ت.و. إلا على: 28.13٪ من الأصوات المعبر عنها. نالت بها 487 مجلس بلدي أي نسبة 31.96٪ و4799 مقعد فيها أي 36.56٪ من مجموع مقاعد المجالس البلدية.. ونالت 6 مجالس ولائية فقط من 48 أي نسبة 12.5٪ من المجالس الولائية و667 مقعد ولائي أي 35.4٪.. وهذا يعني أن أغلبية المقاعد في المجالس البلدية والولائية أصبحت من نصيب مرشحي الج.إ.إ وهي كما يلي، نقلا من صفحات على الواب، ولا يوجد أثر لها في الجريدة الرسمية الجزائرية، لأن إخواننا في حكومة جبهة التحرير في ذلك الوقت رأوا أن لا تطبع النتائج فهذا حدث عابر ولا يستحق التسجيل من وثائق الجمهورية، يكفي نشرها في الصحف.. مستوى عال في الوطنية والأمانة للأجيال القادمة... بالله عليكم يا عقلاء العالم، ألا يعتبر هذا حزب في السلطة، حيث أغلبية مجالس البلد محلية وولائية بين يديه.. فهل يعقل أن يضرب أرضا كل هذا ويقول أنني غير مسؤول وأن النظام الحاكم لم يعطني حقي.. ويعلن الجهاد ضده وضد نفسه في نفس الوقت.. فهم بني إسرائيل للأحداث، ينظرون إلى اللحظة الآنية وينسون الماضية.. التسيير المحلي للبلديات والولايات أصبح بين أيدينا وفتح لنا مدرسة للنهوض بمستوانا الإصلاحي ومدى قدرتنا على الثبات والصبر على التحدي.. فلو كانت حقا الحركة الإسلامية تحب النصر لدين الله لتكاتفت بجميع كفاءاتها وإطاراتها وخواصها وعوامها وجمعت كل قواها لتضرب للأعداء مثلا وأمثلة أنها حقا تبغي الإصلاح وباسم الله لا بسم الشعب وتلقن أعداء الحق دروسا في التفاني والتضامن ومحو الجهل والأمية وتوزيع الأراضي بالمسؤولية وتوزيع السكنات بالعدل وبدون طمع في الخيرات العمومية بل بالتضحية بحقنا فيها ولو كنا محتاجين كذلك.. بل تكون الأسبقية لغيرنا ولو لمن لا يحبنا، تأليفا لقلوب المشككين والمنحازين لمشروع بعيد عن ديننا.. اجتماع المكتب الوطني مباشرة بعد نجاحنا في الانتخابات المحلية اجتماع يوم الجمعة الموالي لإعلان النتائج: في أحد منازل أثرياء العاصمة جمعنا الأخ سعيد قشي للنظر في النتائج وما هي الإجراءات التي يجب اتخاذها وما هي مطالبنا التي سيرفعها الشيخ عباسي عند ملاقاته لمستثار الرئيس: كانت الجلسة بعد صلاة الجمعة: دار النقاش بطريقة شيئا ما فوضوية وإذا بأحد الإخوة يقول: نعم هذا نصر ولكن لا تفرحوا كثيرا فنحن لا نريد كراسي في الحكومة، لن نرشح وزراء والذين يحلمون بأننا سنرشحهم فهم غالطين.. وأكد هذا الاتجاه عباسي: لا لا وزراء هذا مستحيل.. يا للعجب من أين تعلم السياسة هؤلاء نرشح مسيرين للأملاك العمومية بفلسفتنا ولكن نحرمهم من توجيهات وإرشادات قادتنا (أعني وزراء منا) بمعنى نحكم عليهم بالفشل والدخول في الصراعات.. بقي الاجتماع يُراوح مكانه واتجه حول موضوع اللقاء بمستشار الرئيس الذي طلبه عباسي مرات. طرحت القضية ماذا سنقترح عليه؟، فكانت الفكرة التي تدور اقتراح انتخابات تشريعية مسبقة.. الحق كنت بدأت أتذمر ودخلني اليأس من أن الإسلاميين من هذا النوع لا يصلحون لقيام دولة إسلامية. أيعقل أن تكون النتائج بالأغلبية للج.إ.إ ولا نستفيد منها فنتقدم خطوة إلى الأمام، ندخل في الحكومة ويكون لنا على الأقل نصف الوزراء وهكذا نبدأ عمليا نتدرب على الحكم ونبيّن لمن يهمه الأمر أننا لسنا وحوشا، بل عندنا إطارات وأفكار بناءة على مستوى عال من الفنية والدقة والخيرية، والأهم من ذلك لنفتك من أيدي الشباب المتحمس والمغرورين السيوف التي يلوّحون بها ولا يرون إلا الدم والرؤوس المتطايرة قبلة لهم، فالجهاد عندهم هو بالفؤوس والرشاش ودورهم أسمى وأهم وما نحن إلا صغار العقول لا نفهم في الدين إلا الأوراق وهم الذين يحق لهم القيادة. أليسوا من المجاهدين الذين نازلوا الكفار في أفغانستان وانتصروا على الشيوعية بالقرطاس وهم مستعدون لتخليص الجزائر من أتباع ماركس بالرشاش.. فهل كان لنا غير هذا الحل لمن كان له فكر ويعرف حقا الساحة الإسلامية في الجزائر وغيرها. هل يمكن إخراج الفكر الحركي من المغارات والصراعات الداخلية والخارجية إلا بإقحامه في معركة البناء وإظهار حنة أيدي الزعماء المنتفخين ومعرفة حقيقتهم في الميدان وتمحيصهم وبالتالي إرجاع الأمور إلى حقيقتها، فيصبح العمل الإسلامي هو الميداني في خدمة الأمة كلها وسنرى من سيثبت أمام المغريات والزلف والألقاب ويرينا سيرة عمر في نفسه ويحق لنا أن نستبشر برجوع الأمة إلى المقاييس الربانية النبوية الصحابية التي كنا نتشدق بأن غيرنا نسيها ولا يحبها. فهل كان لنا غير هذا الخيار يا بني قينُقاع، لولا الحسد، والنية المبيتة مسبقا، المتجهة ضد فلان وعلان.. فلو كان أصحابنا الجزأريين معنا من البداية ما رضوا أن تذهب منهم فرصة الدخول في الحكومة، ولهم الحق في ذلك.. نشاطات مديرية إرشاد وترقية البلديات الإسلامية مباشرة بعد هذا الاجتماع الفارغ، قررت أن أبقى طيلة الصيف في العاصمة لأدير شؤون المجالس المنتخبة، بعدما أصر الأخ سعيد قشي على بقائي كذلك وتدبر لي منزلا أبيت فيه. كان من هدايا الحكومة، منزل في وسط العاصمة في شارع طنجة، مغبّر، قديم جدا، لم يدخله بشر منذ عشرات السنين، مليء بالخنافيس ومازالت بقايا المعمر الفرنسي الذي كان يقطن فيه، من أوراق ورسوم وخرائط كان يستعملها كمهندس معماري في بلدية العاصمة. فقلت يا للكارثة، كيف تسير جبهة التحرير البلاد، منازل مغلقة منذ الستينيات والسبعينيات والشعب في ضيق.. سماه أبنائي منزل "ڤريلو" أي منزل الخنافس لكثرتهم، كنا نسير فوقهم تقريبا ولم نقدر على كنسهم من المنزل رغم استعمالنا لعدة قارورات من فليتوكس.. لا علينا، لهذا دخلنا في السياسة لعلنا نصلح شيئا ما وهذا منه. جئت بأبنائي وكان عيد الأضحى قد حل، فلم نجد ثلاجة لوضع اللحوم وأعطيتها للأخ عبد الرحيم الذي كان يعمل سكرتيرا بالفم فقط للشيخ عباسي مدني.. كلمة يجب أن أقولها في هذا الأخ الذي قيل إنه تورط في حادث تفجير المطار: لما عرفته في المقر كسكرتير للشيخ عباسي كان من أسهل الناس ومن الداعين إلى الحكمة والعمل المتأنّي بدون عنف، فقير الحال لا يجد دخلا يشتري به لباسا، كان كل همّه كيف يساعد عائلته الفقيرة، من أب لا يعمل ومن أم راضية عنه.. كان من رواد الشيخ سحنون في بداية عهده ودخل السجن في القضية الثانية لبوعلي مصطفى من سنة 1985 الى 1990 وكان يعطي بعض الدروس ومحبوبا من طرف الشباب وللأسف كيف جرّ الى شيء لا يحبه هو أولا ولا حولة ولا قوة إلا بالله. كما قال المثل الجزائري الرائع: الحياء يولد الفروخة.. والله ما جرّه لتلك الأعمال إلا الحياء الزائف من أصدقائه أن يعيّروه بالجبان أو الخوّاف أو الخدّاع، فَلاَنَ لهم وورطوه... والله نسأل الحفظ والستر مما لا تحمد عقباه.. بدأت بتنظيم المكتب واتخذت مساعدا لي، الأخ المرحوم رشيد العيادة، الذي كان مسؤولا على إحدى شركات الحاسبات الأجنبية، له مكتب قريب من مقر الحزب، تخلى تقريبا عن عمله وأصبح بجانبي يقدم لي كل الخدمات ويجري معي هنا وهناك. الأكل والشرب عليه من جيبه ينفق علينا ولا يبالي، رجل حقا لم أر مثله، الكل كان يحبه، في بيته وأقاربه وجيرانه والشرطة بحيّه كانوا أصدقاءه، فلما أخرجت الفتنة رأسها وذكر إسم أحد الناس يشبه اسمه أنه من المتورطين في الإرهاب، وكان أخي رشيد لا يبالي ويخرج لعمله، ففي أحد الأيام الصعبة أوقفه ضابط شرطة ببلديته وتوسل إليه أن يرجع لمنزله قائلا له: يا رشيد يا خوية يرحم والديك ارجع لأولادك، أنا ما انحبش نتحمل مسؤولية دمك، قد يشبهوك ويحسبوك العيادة اللي راه هارب ويقتلوك، والله ما انخليك اليوم اتهود للعاصمة.. نعم هذه هي الجزائر وشعبها الحقيقي. يعرف المجرم من المحرم. يعرف الصادق والخائن. فأما الصادق فلن يخذلوه وإن لم يستطيعوا فلن يتحالفوا ضده..