تدفع الفتاة الجزائرية خلال السنوات الأخيرة، فاتورة باهظة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يتخبط فيها السواد الأعظم من الشباب، الذين عجز الكثير منهم على إكمال نصف دينه، لكن المجتمع يرفض النظر في أسباب المشكل ولا يسير إلا بمنطق الرفض لتأخر زواج المرأة، فما يحدث لا يصنف إلا في خانة العنوسة، التي ترفض المرأة استساغتها حتى وإن كانت باختيارها، نظرة اتهام تراها الكثيرات مجحفة، لتبدأ العانس رحلة البحث على عريس تستبيح فيها كل الوسائل حتى وإن كانت مشبوهة أو منبوذة أو حتى محرمة. الزواج المبكر وبناء أسرة..أولوية الأولويات حتى وقت قريب كان تزويج الفتاة مبكرا، أحد أهم ميزات المجتمع الجزائري الذي يرفض أن يفوت قطار الزواج ابنته تحت أي ظرف من الظروف ولأي سبب من الأسباب، لدرجة رفض تدريسها من البداية مادام البيت منتهاها وما دامت العائلة ترفض في الكثير من الأحيان ارتباط ابنها بفتاة ترتاد الشارع كثيرا سواء تعلق الأمر بالدراسة أو العمل وحتى الفتاة كان كل همها الظفر بعريس وبناء بيت، فهي من الأمور المحسومة مسبقا ولا مجال حتى للتفكير وتخطي ما بناه المجتمع من أسوار، فدور المرأة في مجتمع ذكوري لا يتجاوز البيت وتربية الأجيال، لذا تزف إلى بيت زوجها مبكرا جدا حتى وهي لم تبلع سن الرشد، بعدها تغيرت الكثير من الأمور، خاصة مع الظروف الاقتصادية التي بات يتخبط فيها الكثير من الشباب، الذين عجزوا عن تحمل تكاليف زواج، أصبح تجاريا أكثر منه أي شيء آخر، وبات أكثر ما يحكمه المغالاة في المهور والشروط التعجيزية والبحث عن مظاهر الترف والبذخ للتباهي والتفاخر لا أكثر، رغم محاولة الأئمة، تفقيه الناس وتبصيرهم بعواقب ما يمكن أن ينجر عن الشلل الفكري الذي أصاب ذهنيات الكثير من العائلات، عواقب لن يستثني من مخاطرها الجنسين ولن يجنى من ورائها إلى دمار الأخلاق وانتشار الفواحش، لكن الأكيد أن هذه الفاتورة، تتحمل المرأة -إن فاتها قطار الزواج- الجزء الأكبر من تكاليفها، في مجتمع، لا مكان فيه للمرأة إلا بالبيت وإلا سيكون لها حظ وافر من القيل والقال. الزواج..بين الأمس واليوم بعيد عن لغة النفقات وتكاليف المهور، بدأت رياح التغيير تهب وبقوة على المجتمع، التي بدأت فيه الكثير من العادات تلين والتقاليد تقهر، خاصة وأن الجيل الجديد المتعلم الذي دخل الكثير منه إلى الجامعات وسافر حتى إلى خارج الوطن، شغوف بالتكنولوجيا وبكل هو ما هو جديد، ينتهله من الفضائيات، التي يعتبر الكثير منها، دكاكين تجارية، تبيع له أخلاقيات، أغلبها مستورد من وراء البحار، حتى المتعلم لم يعد محصنا، ف«النات» أدخله عالما فتراضيا كل شيء فيه مباح، يسافر فيه أينما شاء، مادام لا حسيب له ولا رقيب عليه، وحتى المرأة بدت هي الأخرى تحاكي نظيراتها بباقي دول العالم، بعد تعلمها وسفرها إلى الأحياء الجامعية بخارج ولايتها، لتحصيل الشهادات العليا، ما أتاح لها فرصة التعرف على ذهنيات جديدة، لم تألفها، لتجد الكثيرات من غير المحصنات، يقعن ببراثنها، ليحملن إلى مناطقهن سلوكيات غريبة عنها، باسم التحضر والعديد من المفاهيم الجديدة التي بدأت العولمة تروج لها وحتى الأحياء الجامعية، أصبحت تجاري ما يحدث بأحياء كبرى المدن من تمرد على الأخلاق والسبب كما يرى الكثير من سكان المناطق المحافظة، الوافدات الجديدات على الجامعة من الولايات المجاورة، فهن من لقن ثقافة جديدة، لبنات المنطقة سواء في المظهر آو حتى في السلوكيات وما زاد الطين بله دخول، الكثير من الأجنبيات اللواتي أتين بثقافة غريبة عن مجتمعنا، واقع لم ينتظر المجتمع كثيرا حتى يقف على مخلفاته، فما كان من الطابوهات أصبح واقعا معاشا، لتكون العنوسة التي أطبقت فكيها وبإحكام على الكثيرات، أهم سبب لهذه الإفرازات، ففي العائلة الواحدة قد تجد 4 فتيات تجاوزن الثلاثين، دون أن يتقدم لهن خاطب واحد ومنهن حتى من فاق عمرها الأربعين، وبدأ العد التنازلي لإجهاض شعور الأمومة، الذي يبقى هاجس كل بنات حواء، معطيات جديدة الكثير منها دخيل على أصالة مناطق محافظة، التي ظلت حتى وقت قريب، تتشبث بكل ما هو قديم وترفض التفتح على كل على ما هو جديد، لكن الكثير من المفاهيم الجديدة الذي ظل يستحيل أن يراودك مجرد الشك أنها يوما ما ستكون من يوميات أهل هذه المناطق، أصبحت واقعا معيشا، فالحشمة والعفة أصابها الكثير من الأفول عند البعض، فالمرأة التي كان مجرد خروجها مسألة فيها كثير من النظر، أصبحت تنسج الكثير من العلاقات الغرامية في الهاتف وحتى بالواقع، لا يهمها لومة لائم ولا حتى سمعة العائلة، حتى صالات الأكل الخفيف، أصبحت تجلب الكثير من العشاق، رغم محاولة عناصر الأمن، لتطويق الظاهرة ومداهمة البعض منها، التي أصبحت مرتعا للكثير مما لا يقال، مقاهي الأنترنت هي الأخرى انساقت مع التيار، أما الجامعة فحدث ولا حرج، فرغم تجنيد أعوان الأمن، مازال البعض يسرق لحظات مجنونة، لممارسة طقوس الحب، سلوكيات أنجبتها في الكثير من الأحيان، المرأة التي فاتها قطار الزواج أو تلك التي تخاف أن تلتحق بركب العوانس، تتشبث بأي حل قد يسقط عنها هذه «الإهانة» التي لا تغتفر ويمكنها من الحصول حتى على ظل رجل لا يتوفر على أدنى الشروط، وما شجع هذه السلوكيات أكثر، أن المنطق الجديد الذي أصبح سائدا عند الكثيرات، أن الرجل المعاصر يرفض الزواج التقليدي ويفضل من يعيش معها قصة حب، لتزيد الحمى أكثر مع نجاح البعض في بناء أسرة عن طريق الهاتف أو الأنترنت أو حتى المشعوذة التي تفضلها الكثيرات، لفك السحر أو لإبطال «التعطيلة» أو حتى لجلب الرجل عن طريق السحر، خاصة إن كانت عائلتها محافظة جدا وترفض خروجها. الهاتف النقال والنات..والطريق نحو الزواج كلمة «بايرة» التي ترفضها فطرة كل امرأة، صارت ترعب الكثيرات والتخوف من العنوسة أصبح الهاجس الذي يؤرق الكثيرات ويدفع المرأة للتشبث بأي أمل قد يجلب لها عريسا في مجتمع يقدس رباط الزوجية ويقدر ويحترم كثيرا من حازت على ثقة رجل يجعل من الأخلاق والسمعة الطيبة أساس اختيار شريكة الحياة، فهو ابن بيئته وكلام الناس وعاداتهم تسير كثيرا ذهنيته، وإن كان البعض اخترن طريق السحر والشعوذة، فإن البعض الآخر، خاصة من المتعلمات واكبن ما تعرفه التكنولوجيا من تقدم وأصبح الهاتف النقال من أهم وسائل الاتصال بالطرف الآخر، خاصة مع العروض التي دأب متعاملو النقال على توفيرها لزبائنهم، فالساعات المجانية، فتحت الطريق أمام المعاكسات وشجعت على نسج العلاقات الغرامية التي أذكت نارها كلمات الحب والكلام في الممنوع، فالشاب يبحث عن المتعة والفتاة عن زوج، ليتحول الكثير منها إلى علاقات واقعية، منها ما كلل بالنجاح ومنها ما كانت نهايته مأساوية، دفعت فيها الفتاة أثمن ما تملك، وكما تؤكد الكثيرات ممن دردشنا معهن حول هذا الواقع الجديد الذي تعيشه بعض الفتيات، فإن الفتاة في الغالب، ضحية الظروف وضحية المجتمع الذي يحملها كل المسؤولية في تأخر زواجها حتى وإن أجبرتها ظروف الحياة كالدراسة والعمل على ذلك، كما أن الكثيرات يحجمن عن الزواج في البداية، لأنهن مسؤولات ماديا عن عائلاتهن، رغم وجود الأب والأخ، وما شجع أكثر على انتشار علاقات الهاتف والأنترنت للظفر بعريس دون أن تخسر شيئا ما دامت الأعين لن ترصدها في مجتمع كل حركة فيه محسوبة والأكثر أن المتعلمات أصبحن يفضلن الأنترنت والتعرف على أزواج من الخارج، فما بات متعارف عليه أنهم أكثر جدية من الجزائريين، الذين يدخلون إلى ضحاياهم من باب الزواج والوعود المعسولة وقد يصل بهم الأمر حتى إلى الخطبة، وبعد أن يأخذ ما يريد يتركها، فهو لا يتسامح أبدا مع من تخطىء حتى وإن كان معه، وكما تضيف إحداهن، فالكثيرات نجحت علاقتهن عبر الأنترنت، فمؤخرا تزوجت فتاة من «بوسعادة» من رجل تركي جمتعها به «النات» كل الوسائل متاحة هو الحل الذي تلجا إليه الكثيرات، ممن فآتهن قطار الزواج، سواء كن متعلمات أو أميات، فالبداية تكون بعلاج التعطيلة التي أوقفت حالها، وما دام النصيب لم يأت وكلمة «بايرة» التي تقتلها ألف مرة أصبحت تستهوي حتى أقرب الناس إليها، فقد قررت إيجاد الحل سريعا والظفر برجل لا يهم أبدا لا شكله ولا إمكانياته المادية، المهم رجل يسترها ويدفع عنها قسوة مجتمع لا يحترم الكثير منه إلا من كونت أسرة وحتى تعجل الأمر وما دامت تجارة السحرة والمشعوذين رائحة جدا ببعض المناطق، تبحث عن أكثرهم براعة ومقدرة على جلب الرجال، للظفر بعريس فمن النادر جدا أن تقصد الفتاة، العرافة لمساعدتها في إيجاد عمل أو أي أمر آخر لا يكون الرجل موضوعه، فالزواج هو أمنيتها الأولى، خاصة إن كان هناك حبيب ولا يبادلها المشاعر أو يتماطل في الزواج بها، لا حديث للنسوة بالمكان إلا عن الزواج، فأول سؤال تبادرك به أي واحدة، هي هل أنت متزوجة؟ وحتى قبل أن تجيب، تردفك قائلة، أن هذه الساحرة قادرة، فان كنت متزوجة، فهذا هو المهم وإن لم تكوني كذلك، فأنت مسكينة تستحقين كل الشفقة، فهنا حتى وإن لم تكن المرأة عانس، تحس للحظة أنها في هذا المجتمع عانس ولا معنى لكل ما حققته في ميدان الدراسة والعمل، أهمية كبيرة يكتسبها الزواج ما دفع بفتيات في مقتبل العمر، لقراءة حظهن وأحوال علاقاتهن العاطفية ولكن من يقدمن على السحر في الغالب، تتراوح أعمارهن بين28 و40 سنة ممن فآتهن قطار الزواج، فبعد 25 سنة ناقوس الخطر بدأ يدق، يبحثن عن عقار يفي بالغرض، يطرد النحس ويجلب الرجال، فلا مزيد من الوقت لانتظار النصيب واختيار الرجل، فالمهم «ظل رجل ولا ظل حيطة»، ولعل هذا ما يفسر الانتشار الرهيب، لبيوت الدجل بمختلف أرجاء الوطن، فالطلب خاصة على الزواج كبير وكبير جدا ومهما كانت التسعيرة باهظة، فهي تهون ما دامت ستستقر أسريا وسيجلب لها رجل، حل نجحت فيه الكثيرات حتى وإن انتهى الأمر في ما بعد بالطلاق، فما بني على باطل، فهو باطل. ورغم أن مشكل العنوسة، تعاني منه المرأة في كل ولايات الوطن، إلا أنه في الولايات المحافظة، كالمسيلة مثلا، أخذ أبعادا أخرى وفتح الأبواب على واقع جديد لم تألفة المدينة الخجولة قبل اليوم، تمردت فيه المرأة على الكثير من العادات والتقاليد، واقع يشبه إلى حد بعيد ما تعيشه المرأة في المدن الكبرى، ففي سبيل أن ترفع عنها كلمة «بايرة» في مجتمع لا يرحم ويحمل المرأة مسؤولية تأخر زواجها، استباحت كل الطرق للظفر بزوج.