بدأت ملامح فشل المسيرة التي دعت إليها التنسيقية الوطنية للتغيير والديمقراطية التي يقودها مصطفى بوشاشي رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، فبعد الردود السلبية لجبهة القوى الاشتراكية وحزب العمال جاء الدور على بعض النقابات المستقلة لتعلن عن عدم المشاركة في المسيرة المزمع تنظيمها الشهر المقبل. بعض الذين رفضوا المشاركة يشككون في أهداف المسيرة ووصلوا إلى حد القول بأن الأمر يتعلق بأجندة خارجية، غير أن الأحزاب الأخرى تعتبر أن الظرف غير مناسب، بل إن الخلاف يبدو جوهريا حول أولوية المرحلة الحالية حيث لا تكاد تجتمع المعارضة على الحد الأدنى من المطالب، غير أن الأمر المؤكد هو أن النقطة الأساسية التي تصعب جمع الأحزاب والجمعيات في تحرك واحد هو رفض استغلال الاحتجاجات الأخيرة سياسيا. المبادرة التي قام بها مصطفى بوشاشي تقوم على اعتبار أن رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان يمكن أن تحل مكان الأحزاب لقيادة الشارع للضغط على السلطة، وتفترض هذه القراءة أن الشارع لا يثق في الأحزاب السياسية وهو يريد أن يتحرك تحت عنوان آخر ومن هنا جاءت فكرة إنشاء تنسيقية تضم أحزابا وجمعيات وترفع مطالب محددة، وقد ولدت فكرة تنظيم مسيرة في شهر فيفري بعد فشل مسيرة الأرسيدي التي أراد تنظيمها السبت الماضي، ومن الواضح أن عزوف الشارع عن المشاركة في تلك المسيرة هو الذي دفع إلى التفكير في تنظيم مظاهرة تحت عنوان غير سياسي. المشكلة الأساسية التي برزت الآن هي أن الأحزاب التي كانت تبدو مقربة من الرابطة ابتعدت عن هذه المبادرة، فالمعلوم أن الرابطة التي كان يرأسها علي يحيى عبد النور وآلت إلى مصطفى بوشاشي قريبة جدا من جبهة القوى الاشتراكية، وقد كان إعلان حسين آيت أحمد عن رفض المشاركة في المسيرة، وقوله بأن هذه ليست أولوية في المرحلة الحالية ضربة قوية للمبادرة أثارت الشك في نوايا منظميها، وقد التحقت لويزة حنون بهذا الموقف بشكل سريع ولم يبق ضمن أحزاب المعارضة إلا الأرسيدي الذي أكد مشاركته للوهلة الأولى، وقد تكون مشاركة حزب سعدي أحد أهم أسباب فشل المبادرة التي بدأت تلوح في الأفق من الآن. الأفافاس وحزب العمال يدركان بأن المشاركة في مسيرة في هذا الظرف ستجعلهما تابعين للأرسيدي باعتبار أنه الطرف الأولى الذي دعا إلى تنظيم مسيرة في العاصمة ورفع نفس الشعارات التي تدعو إلى إنهاء حالة الطوارئ وإطلاق سراح الموقوفين في الاحتجاجات الأخيرة وفتح المجال السياسي والإعلامي وإطلاق الحريات، وأي مكسب يمكن أن تحرزه هذه المسيرة سيحسب في النهاية للأرسيدي وهو أمر لا يمكن أن يساعد الأفافاس على حصوله، أما حزب العمال فلديه أسباب أخرى تجعله يرفض من الأمر من حيث المبدأ، فلويزة حنون تشكك في الجهات التي تقف وراء الاحتجاجات الأخيرة وهي تحمل مسؤولية ما يجري للوبيات وأصحاب المصالح من كبار المستوردين، كما أنها تنظر بعين الريبة إلى كل التحركات التي قد تؤدي إلى زعزعة الأمن الذي عادة ما تلجأ إليه جماعات المصالح من أجل فرض منطقها على السلطة والمجتمع أيضا. العامل الآخر الذي تكون الأحزاب قد انتبهت إليه هو الشارع الذي لم تعد تثيره الشعارات السياسية، فمطلب رفع حالة الطوارئ يبقى مسألة سياسية لا علاقة لها بحياة المواطنين الذين لا يشعرون بأي تأثير لهذه الحالة على أوضاعهم المعيشية أو على حرياتهم، أما مطلب إطلاق سراح الموقوفين فهو يعني عائلات أولئك دون غيرهم، وأكثر من هذا فإن أغلب الجزائريين منقسمون حول هذه المسألة وهم يعتبرون أن بعض المخالفين في الاحتجاجات الأخيرة يستحقون عقوبات أشد من تلك التي سلطت عليهم بالنظر إلى الاعتداءات التي مارسوها على المواطنين وعلى أملاكهم. الطرف الآخر هو النقابات المستقلة، وهذا الطرف بالذات حساباته معقدة جدا، فليس هناك أي معيار حقيقي لقياس مدى تمثيل هذه النقابات، وكمثال على هذا بادرت النقابة الوطنية المستقلة لمستخدمي الإدارة العمومية "سناباب" إلى رفض المشاركة في المسيرة وهاجمت من يعتزمون تنظيمها، وهذه النقابة التي دأبت على مهاجمة السلطات بشكل منتظم لم تستطع خلال السنوات الأخيرة أن تحقق أي مكاسب للموظفين في حين أن الاتحاد العام للعمال الجزائريين استطاع أن يحقق أهم مطالب الموظفين في قطاع الإدارة، وهو ما يجعل استجابة الموظفين لنداء المسيرة أمرا مستبعدا، وهو ما يجعل هذه المغامرة السياسية محفوفة بالمخاطر بالنسبة للنقابة. كل المؤشرات المتوفرة حاليا تؤكد أن محاولات استغلال الاحتجاجات الأخيرة وما جرى في تونس أعطى نتائج عكسية تماما، وبدل أن تتشكل جبهة واسعة للمعارضة تزايدت الخلافات بين أطراف كانت متقاربة جدا، وهو أمر يؤكد مرة أخرى أن هذه المعارضة مطالبة بعمل كبير من أجل تصحيح رؤيتها للواقع وإعادة ربط الصلة مع المجتمع قبل التفكير في أي مشروع لفرض بدائل سياسية تحتاج إلى وقت طويل حتى تتبلور.