طأطأت" سيغورني " رأسها وقد فهمت قصد ابن عمها وتجهم وجهها وأومأت للوصيفة بان تكمل حكايتها .. -يا سيدتي الكريمة ..بهذه الكلمات ..ألهب حماس الجند.. الذين غرقوا في تفكير عميق وسهوا عن واجبهم بل تغافلوا.05.فأخذ من أجسادهم التعب كثيرا..فناموا سكرى بهذه الأحجية الغريبة..ولم يستيقظوا من سباتهم إلا على وقع حوافر خيل الأعداء المسومة وسيوفهم القاطعة فقتل منهم الكثير ..وأضرمت النار في القلعة..وقفل جيش الأعداء ..عائدا..تاركا من ورائه ألسنة النيران تمتد من كل شبر في القلعة فأحالتها أطلالا بالية .. _أيلحق كل هذا بنا ..وبسببي أنا ..أنا الجانية .... _ وما شأنك أنت يا سيدتي الأميرة ..ما ذنبك وأنت في القصر بعيدة عن ميدان الحادثة . _ولكنني كنت قريبة من قلب الذي دبر المكيدة..واستهوته الخيانة..انتقاما مني .. -ماذا تقولين ومن تقصدين يا أيتها الأميرة .؟ _ستعرفين الحقيقة يوما ...ستعرفين.. وخرجت الوصيفة من الحجرة حائرة حزينة لحال الأميرة التي راحت تصفع وجهها وتندب حظها.. لم أستطع أن أبقى أسيرة في مخدعي.. أتيت مجلس الملك الذي كان خاويا على عروشه.. الملك كالأسد الجريح لا يكاد يعتدل على عرشه ..التحية مني..الصمت يلف نظراته المنكسرة نحوي..أدنو منه وأجلس قربه..كان الغضب يقطر من عينيه ..و الحزن يكبل تقاسيم وجهه..كان يحس ويتأسى لما أصاب هيبة المملكة..كان يشعر بنصف جسده قد أصابه الشلل.. القلعة كانت بالنسبة إليه الحصن المنيع الذي حفظ للمملكة أمنها..وسلامتها..لم أكن لأقوى على سؤاله في شيء ..وكيف أهون عليه.. ولم يحدث كل هذا في فترة أعدت فيها العدة لإقامة وإنجاح العرس الأخير في المملكة..عرسي أنا..الأميرة الحسناء..والبنت الصغرى المدللة والمحبوبة عند أبي ..أصابني الهوس..وطال بنا الصمت ..لا أبي نبس ببنت شفة.. ولا أنا قلت شيئا..استأذنت وعدت إلى مخدعي الذي استحال فراشا حيك من أشواك ودسر..أنامل النعاس هجرت عيني تلك الليلة ..ومخالب الأرق جاءت على استحياء تداعب جفوني ..كانت ليلة قاسية يا"اسعيد".."قاسية فعلا".. ..توقفت "عين الفوارة" برهة عن سرد حكايتها..وكاد يتوقف قلب "اسعيد عن الخفقان.تاها معا..وتقاسما العذاب معا..كانا روحا واحدة.. وقلبا واحدا وخوفا من أن يكون مصيرهما واحدا راح يسألها الصبر على ما فاتها .. ارتسمت بسمة يتيمة على شفتيها وراحت تتنهد..وتنزل التنهيدات كلها في صدر "اسعيد" قبل أن تنزل في صدرها..ولم تترك عقد البوح ينفرط من جيد ذاكرتها المتعبة وراحت تقول : ..قاد أبي الهجوم بنفسه ..استمر القتال طويلا.. انتهت المعركة الأولى ولم تنته الحرب بعد ..خسرنا الكثير من جندنا ..عاد أبي مثخنا بالجراح العميقة محمولا على الأكتاف..صار مقعدا لا يقوى على الحراك..تنهش الآلام منه وهو على الفراش..دخلت عليه ولمحت في عينيه أبالسة الردى تستعد لمرافقته إلى مأواه الأخير ..الفردوس الجميل كما كان يحلو له أن يسميه ..أشار إلي بالجلوس قربه..افعل وأمتثل لأوامر الأب لا أوامر الملك... يبادرني بالحديث : -صغيرتي" سيغورني" ما كان لنا فيما أصابنا اختيار..لكن الأمر الذي نملك فيه الخيار ..وهو أن لا نؤجل أمر زواجك ولو لحظة واحدة .. -يا أبي حاول أن تنسى أمر زواجي وأفراحي ..واهتم بنفسك ..فأنت ضرير..جريح ..مقعد.. -لا يا صغيرتي ..غدا الأحد.غدا عيد الملك..غدا نحسم فيه أمر..زواجك ورحيلك..أريد أن يتم كل شيء في أوانه وأمام مرأى من عيوني..لأرحل.إن شاءت الآلهة.. وقلبي مطمئن..عليك . عادت الأميرة "سيغورني"إلى مخدعها منكسرة تائهة وقد أثقلت الهموم ممشاها..أما أبوها الملك فبات يعصره الألم..نامت عيناه ..ولكن الجراح لم تنم ..الحرب قد وضعت أوزارها..إلى أجل غير مسمى ..الرومان كلهم..كبارا وصغارا..رجالا ونساء.. ينتظرون يوم الغد..عيد الملك..أعينهم تتشوق في لهفة إلى معرفة من سيظفر بالأميرة الحسناء..وموعدهم الصباح..أليس الصبح بقريب؟!.... كانت ساعة من سَحَر..ومدينة سطيف بدت فيها فراشةً هادئةً مغمضة العينين..سكون رهيب..أضواء خافتة جدا قد استولت عليها أجنحة الظلام الدامس.. واسعيد.."مازال يقبع في مكانه مصغيا في صمت وإمعان لحديث حبيبته..وملاذه..ومن لاذت به عين الفوارة وهي تواصل بسط أجنحة حكايتها المنكسرة..إذ أردفت كاشفة أسرارها العجيبة في حلة من حقائق مرجعها العذاب.(يتبع)