مازالت الشبكة العنكبوتية تتحكم بزمام الأمور الاتصالية وتطالع شعوب المعمورة في كل مرة بجديدها، الذي استباح كل شيء وجرد الأفراد من خصوصياتهم، ليكون «فايسبوك» أهم مواقع التواصل الاجتماعي، الذي سرق الأضواء وأسال حبر الأقلام من أهم العوالم الافتراضية، التي اكتسحت حياة الناس وكبلتهم أمام شاشات الحاسوب، يتكلمون في ما أرادوا وحول ما شاءوا دون حسيب ورقيب..تجربة تثير الكثير الجدل، حتى في المجتمعات المفتوحة على كل المفاهيم، استوردتها المجتمعات العربية بكل شوائبها، بلبها وبقشورها، دون أن تراعي خصوصيتها وتسيج نفسها بما يحفظها من هذه البعبع الافتراضي، الذي فرق بين المرء وزوجه وفتح الباب على مصراعيه، للمرأة للكثير من الكلام المباح والعلاقات..واقع لم يجد الجزائري، معه من بد، إلا رمي يمين التطليق، لتدفع المرأة، فاتورة تحررها من ضوابط مجتمعها غاليا جدا. المسلسلات التركية..و«فايسبوك» هجرت الكثير من الجزائريات المثقفات الواقع وأصبحن تنهلن ما تردن من العوالم الافتراضية فلم تعد تعنيها كثيرا البرامج التلفزيونية والمسلسلات الدرامية ولا حتى البرامج الفنية والمنوعات الغنائية، التي كان يشتكي منها قبل اليوم الكثير من الأزواج الذين سرق منهم التلفزيون زوجاتهم، لكن التكنولوجيا التي تطالع العالم في كل مرة بالجديد سرقت هي الأخرى المرأة من التلفزيون وأصبح الحاسوب، الذي لا تسير أعمالها المكتبية إلا به كل عالمها، فشبكة الأنترنت تبحر بها في ثواني إلى حيث شاءت وبأي لغة أرادت، فراحت تجافي حتى باقي المواقع، التي اكتسحت كل الميادين الحياتية وتففن أصحابها في توفير كل ما يجلب الزوار، فراحت تبحث عن صداقات جديدة في منتدى التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، الذي يسافر بها إلى كل بقاع الدنيا ويعرفها بكل الأجناس والألوان بأقل التكاليف، فسيفساء من الأجناس بين يديها تتكلم في ما تريد..علاقة تبدأ بصداقة بريئة، لتتطور بعدا إلى أمور أخرى لا يجيزها الشرع ولا يتقبلها العقل، وإن راحت العازبة تمني نفسها بزوج من خارج الحدود، يتمتع بالجمال الأخاذ والقوام الممشوق والمنصب الكبير والمال الوفير، ينتشلها من ظروف الحياة الصعبة، فكل ما وراء الحدود بتخمينها جنة ..سيل جارف من الأحلام لم ترحم حتى المرأة المتزوجة، التي راحت هي الأخرى تبحث عن علاقات رجالية هي في عرف الجميع من المحرمات، التي لا ينبغي غض الطرف عنها أو تقبل التعايش معها تحت مسميات حتميات «العولمة» أو التحضر، وهي الأخرى تبدأ حكايتها، بقصة صداقة بريئة تبحث عن صديق تدردش معه وتتبادل أطراف الحديث في كل ما يخطر على البال، وبعد أن تستهلك الساعات الطوال في الكلام، والذي تترك لأجله حتى مشاغلها والتزاماتها المهنية والزوجية، يبدأ الحديث في الرومانسيات وأمور الحب، خاصة إن كانت الزوجة تعاني من جفاء الزوج أو غلظة طبعه أو حتى تبحث عن بطل تعيش معه إحدى قصص الحب المجنونة، التي زرعتها في نفسيتها المسلسلات التركية، التي استعبدتها وأصبحت مرجعها في الحب، فما تعلمته من دروس بالفضائيات، تبحث عنه ليتجسد في «فايسبوك»..يبدأ الحب، تلتهب الأشواق، وتهجر حتى زوجها، فالوافد الجديد ملأ عليها كل دنياها وأصبح لا معنى لحياتها دون كلامه المسكر، أشواق تزيد مع حكايات كل يوم والكلام حتى في أدق تفاصيل الحياة، لتسقط كل الحواجز والأسوار، لتدخل في الحديث عن الممنوع من أوسع الأبواب، لتبدأ السوسة تنخر الرباط المقدس وتبدأ الشكوك تحوم حول الزوجة وعن أسباب تغيرها، فكل المؤشرات تؤكد أن حدثا جللا قد جثم على حياتها، ليميط اللثام عن الحقيقة المرة، التي لأجلها أصبحت زوجته فاترة معه، فببساطة في حياتها رجل آخر ولو عبّر العوالم الافتراضية، وليس من الصعب عليه الوقوف على خيانتها بعد أن أصبحت تحمل معها حبيبها في الحاسوب إلى البيت فلأجله ربطت جهازها في البيت بالأنترنت ولأجل عيونه أيضا اشترت محمولا واقتنت حتى مفتاح التوصيل بالأنترنت، توهم زوجها بكثرة العمل الذي أجبرت على إلى نقله حتى إلى البيت أو أنها تدردش مع صديقاتها، لكن حبل الكذب قصير، ليكتشف الخيانة ويقرر في لحظة غضب رمي يمين الطلاق، فمن تتجرأ على خيانة زوجها عبر «النات» أو النقال لن تتوانى إن أتيحت لها الفرصة في خيانته في الواقع..وكم هن كثيرات أدى بهن هذا الوافد الجديد إلى دفع الثمن غاليا جدا، فإن كانت «ليلى» تعاني الأمرين اليوم مع شكوك زوجها، الذي اكتشف علاقاتها المتشعبة مع الكثير من الرجال وبات أمر طلاقها وشيكا، ف«سمية» و«هدى» نموذج صارخ، لزوجتين مستهترتين طلقهما «فايسبوك»، و لم يشفع لهما لا ندمهما ولا حتى أطفالهما الذين وجدوا أنفسهم بسبب هذا «اللعين» بعيدا عن حضن الأسرة. «النت» طريق لخراب البيوت تحكي«سمية» قصتها بكثير من المرارة، بعد أن طردها زوجها من حياته شر طردة، ورفض عودتها رغم توسلاتها والحق كما تقول عليها، لأنه كان يحبها بحنون ويثق فيها ثقة عمياء..تتذكر بمرارة ما حدث ذات يوم، عندما فكرت في إقامة علاقات صداقة مع مشارقة، خاصة وأنها كانت تحب لهجتهم كثيرا وما شجعها أكثر زميلتها في المكتب، التي كانت تسرد عليها يوميا مغامراتها مع أصدقائها السوريين والعراقيين وحتى الأتراك، حب الفضول دفعها لأن تجرب، فمنحتها صديقتها عناوين البعض، «سمية» التي كانت مولوعة، بقصص الحب التركية وجدت ضالتها عند إحدى الرجال الأتراك الذي عرف كيف يأسر قلبها، أصبحت لا تطيق عليه صبرا حتى في الليل وهجرت بالمقابل زوجها الذي لم يعرف ما الذي يحدث، فهي تمضي الساعات الطوال في مكتبها بحجة العمل، بينما هي تحدث صديقها الجديد حتى في الممنوع، وشاءت الصدف في إحدى المرات، أن تخرج ليلا للمطبخ، لتحضر شيئا تأكله في الوقت الذي دخل زوجها للمكتب، ليقف على حجم الكارثة، التي ألمت به، كلام لا يمكن لعقل تصوره ولا يقال حتى بين الأزواج، قام بتسجيل كل الكلام، الذي كتب ناداها وطلب منها إعادة قراءة ما كتبت، لم تجد ما تقوله غير البكاء بحرقة، لأنها لم تجد ما تبرر به، فعلتها الشنيعة، أمرها أن تغادر البيت صباحا ليفترقا دون فضائح، محذرا إياها من الرفض، لأن الكلام المكتوب يدينها ويشوه سمعتها ووعدها ألا يخبر أحدا، هي اليوم تندب حظها ألف مرة، فليتها ما فتحت على نفسها أبواب جهنم وما ضيعت نفسها وأسرتها، خاصة وأن الموضوع ظل لغزا وعلامة استفهام عند الكثيرين. «ليلى» هي الأخرى تتجرع كؤوس الندم، ورغم أنها ملتزمة وبحجاب شرعي، إلا أن إبليس ووسوس لها وراحت تبحث عن علاقات اجتماعية اقتصرت في البداية على الفتيات لكن سرعان ما تطور الأمر إلى الرجال، تعرفت على رجل «ملتزم» من سوريا، اقتصرت أحاديثهما في البداية على أمور الدين وتبادل الأفكار والآراء، لكن سرعان ما كان الشيطان ثالثهما، خاصة وأن زوجها تاجر ودائم السفر، تعاني كثيرا من الوحدة فلا أبناء لها ولا حتى أقرباء تزورهم، فالكل بعيد عنها بولاية أخرى، وتقول حرمت من العمل فهو شرط زواجنا، قبل الزواج، وما عمق الهوة بينهما أن زواجهما لم يكن زواج حب ولا يتقاسمان الكثير من الطباع، فهو رجل يلهث وراء الدنيا يحتسي الخمور ويعاشر النساء في الحرام ولا يقيم معها حدود الله، كل ما كانت تبحث عنه وجدته عند «قصي» صديقها الجديد في «فايسبوك» وحبيبها في ما بعد، بعد أن فهم ظروفها، عرف كيف يستغلها وراح يمثل عليها دور العاشق الولهان ووعدها حتى بالزواج، بدأت تختلق المشاكل مع زوجها ولا تتغاضى مطلقا على ما كانت تتغاضى عليه قبل اليوم ومن شدة حبها له صارت تكلم حبيبها من الهاتف الثابت الخاص بالمنزل وبالساعات، يوم وصول الفاتورة وجدها زوجها بالملايين، خاصة وأنه لم يكن يستعمل الهاتف كثيرا، فلديه وزوجته المحمول، اعتقد في البداية أن الأمر يتعلق بخطأ لا غير، لذا احتج وطلب كشف الاتصالات، وكانت الكارثة أن الكثير من المكالمات تجرى نحو الخارج لما واجهها لم تنكر وطلبت على الفور الطلاق، فوافق شرط أن تتنازل على كل حقوقها، لأنها كانت متيقنة أن حبيبها لن يتركها، لكن بعدما أخبرته، اختفى من «فايسبوك» ومن حياتها نهائيا، لم تستفق لليوم من الصدمة وكيف كانت مغفلة لدرجة الجنون، نظرات أسرتها وحتى معارفها، الذين يعرفون بقصتها، تقتلها كل يوم، لكن الندم لا ينفع. ربما «ليلى» هي الأوفر حظا لحد الساعة، لأن زوجها لم يطلقها بعد ولأن فعلتها لم تكن بحجم جرم السابقتين، فهي إعلامية وبحكم طبيعة عملها تملك الكثير من العلاقات وتدمن «فايسبوك» ولأنه هو الآخر إعلامي، فقد كان يتفهم ظروف العمل، لكن مؤخرا لم يعد يتحمل وبعد أن كان يشاركها محادثة الأصدقاء، أصبح يؤنبها على كثرتهم وعلى سهرها الدائم في الحديث معهم، كما تقول تغير كثيرا ولم يعد الرجل، الذي أحببت، فهو لم يعد يطق حتى الحاسوب وكلما كنت في «فايسبوك» أصبح يراقب ما تكتب، وطلب منها مؤخرا، أن تتوقف نهائيا عن العمل وعن التواصل مع الآخرين، سواء بالبريد الإلكتروني أو «سكايب» أو «فايسبوك». تكنولوجيا ظل الإنسان، لسنوات يطورها ويزيد من حجم اختراعاتها، تحولت في لحظة وفي غياب الوعي وثقافة الاستخدام إلى نقمة تدفع ثمنها بعض الأسرة الجزائرية غاليا، وصلت إلى حد تشتيتها، فلم يعد النقال وحده و«بلوتوث» يصنعان الكثير من الحوادث والفضائح، فحتى و«فايسبوك» أضحى اليوم يطلق الكثير من النساء.