حققت حركة مجتمع السلم ما كانت تطمح إليه من أثر إعلامي بإعلانها قرار الانسحاب من التحالف الرئاسي، غير أنها في مقابل ذلك لم تتجاوز حالة التردد التي طبعت مواقفها خلال الأشهر الأخيرة، وستكون عملية الانتقال من الموالاة إلى المعارضة عملية أكثر تعقيدا من مجرد إصدار بيان ينقل الحزب من موقع إلى آخر. حمس لم تعد في التحالف الرئاسي لكنها تتريث في مغادرة الحكومة، الهدف بدا واضحا من اللحظة الأولى، فتغيير المواقع لا بد أن يكون سلسا، والمقصود ليس استعداء أي جهة، بل إن المطلوب هو حصر القرار في العلاقة مع الشريكين في التحالف الرئاسي وليس في العلاقة مع السلطة، كما أن قرار الانسحاب من الحكومة من عدمه لن يتخذ إلا على ضوء ردود الفعل التي ستصدر بعد قرار الانسحاب. منذ أن بدأت حركة حمس تتذمر من التحالف الرئاسي وهي حريصة على جعل الرئيس بوتفليقة بعيدا عن الموضوع، وحتى عندما أشار الرئيس، في خطابه الذي ألقاه بمناسبة افتتاح السنة القضائية، إلى أن الخلافات بين أحزاب التحالف حول الإصلاحات يعتبر أمرا طبيعيا وظاهرة ديمقراطية صحية، أراد رئيس حمس أبو جرة سلطاني أن يقدم قراءة أخرى للخطاب وذهب إلى حد القول بأن الرئيس تبنى مواقف الحركة حول قضايا أساسية، ويصر سلطاني على القول إن الإصلاحات أفرغت من محتواها، وأنها لم تعد جدية ولا عميقة، والمسؤول عن هذا المآل هو حزب جبهة التحرير الوطني تحديدا الذي أدخل نوابه تعديلات جوهرية على القوانين المتعلقة بالإصلاحات، وحتى إن كان الرئيس قد نقض هذه المقولة من خلال تأكيد مسؤوليته عن الإصلاحات التي هي إصلاحات الشعب الجزائري كما سماها، فإن حمس تمسكت بخطتها التي تقوم على مهاجمة الشريكين دون الرئيس الذي هو محور التحالف الرئاسي باعتراف الأحزاب الثلاثة المكونة له. ما فعلته حمس لا يعبر عن وضوح في الرؤيا بقدر ما يؤكد حالة التردد، فقبل أشهر كانت التحولات التي شهدتها بعض الدول العربية قد دفعت حمس إلى الاقتراب أكثر من صفوف الحركات المعارضة في العالم العربي، ورغم الحرص على تأكيد الخصوصية الجزائرية فإن طرح مشروع الإصلاح السياسي فرض حالة من الفرز لم تترك هامشا واسعا للمناورة أمام الأحزاب السياسية التي تعودت على تطوير خطاب توفيقي يقوم على تبرير المشاركة مع عدم التخلي عن نقد السياسات، وقد جاء تحديد الموقف من التحالف الرئاسي كامتحان لحمس التي كانت تتعرض لضغط داخلي من قواعدها، فضلا عن كونها تخضع لحسابات المرحلة القادمة التي تبدو معالمها مختلفة حتى وإن كانت الصورة لم تكتمل بعد. التحالف الرئاسي كان الحلقة الأضعف في سلسلة الأسئلة التي كان على حمس أن تجيب عنها، فالعلاقة بين أعضائه بدت ضعيفة ومضطربة، والخلافات بين الشركاء الثلاثة تزايدت مع مرور الوقت، فضلا عن كون هذا التحالف بقي شكليا وتحول إلى إطار للتنافس على كسب دعم الرئيس بدل التعاون من أجل دعم برنامجه الذي هو في الأصل علة وجود التحالف وغاية استمراره، ورغم هشاشة هذا الإطار السياسي فإن حمس لم تغامر بمغادرة التحالف، وقد ردت على دعوات الشريكين لها بالمغادرة إن هي أرادت بالقول إنها تحتفظ بحق اتخاذ القرار في الوقت الذي تراه مناسبا، وقد تأخر القرار بسبب الغموض الذي كان يكتنف عملية الإصلاح في حد ذاته، حيث لم يكن واضحا المدى الذي يمكن أن تصل إليه العملية في النهاية. خلال العقدين الماضيين أرادت حمس أن تشارك في السلطة على كل المستويات المفتوحة للمشاركة، دخلت الحكومة، ودعمت الرئيس بوتفليقة منذ مجيئه، وجندت قواعدها لتمرير كل المشاريع السياسية التي طرحت، وهي لم تفعل ذلك خدمة للدولة والشعب كما يقول الخطاب الذي يعتمده أبو جرة سلطاني، بل سعت من خلال ذلك إلى فرض نفسها كشريك كامل للسلطة يمثل التيار الإسلامي الذي بقي رقما صعبا في الحياة السياسية، وعندما جاءت الإصلاحات تبين أن المشاركة بالصيغة القديمة انتهت عمليا، فقد ارتفع سقف الإصلاحات فوق التوقعات التي كانت تضعه عند حدود الصفقة التي سيتم بموجبها توزيع الحصص على نفس اللاعبين، بل إن التوجه بدأ يدفع باتجاه لعبة سياسية مفتوحة في إطار قواعد واضحة، وهو ما يعني أن البقاء في التحالف الرئاسي أصبح مكلفا بالنسبة لحركة تصر أن تقدم نفسها على أنها نظير للأحزاب الإسلامية التي فازت في الانتخابات التي نظمت في كل من تونس والمغرب ومصر، وهذا أمر مفهوم، فالوقوف في صفوف المعارضة، من وجهة نظر حمس، قد يكون أكثر جدوى من البقاء في تحالف السلطة عندما تحين ساعة الانتخابات التي يجري توفير شروط نزاهتها. غير أن هذا كله لا يكفي للقول بأن حمس انتقلت في النهاية إلى صف المعارضة، فهي حريصة على الاحتفاظ بعلاقة مستقرة مع الرئيس بوتفليقة، وتريد أن تضع قرارها بالانسحاب من التحالف الرئاسي ضمن القاعدة التي أقرها بوتفليقة والتي تقول بأن الخلاف داخل التحالف ظاهرة صحية وديمقراطية، فحمس تريد أن تتبرأ من شريكيها وخاصة من الأفلان دون أن تقطع الشعرة التي تربطها بالسلطة، وهو ما يعني أن حمس لم تحسم أمرها وأنها لا تزال تبحث عن صفقة سياسية جديدة تحفظ لها موطئ قدم في السلطة بتوازنات المرحلة القادمة.