بقلم: محمد علام محمد/ مصر يبدأ الفجر بنسج خيوطه على سطح المكتب المغلف بذرات التراب.. سكون تام في الغرفة الخالية ينفتح الباب في هدوء ويدلف صاحب الحلة البيضاء والحذاء الأبيض اللامع .. يرتمي بجسده على المقعد وتمتد القدمان تشقان طبقات التراب من فوق المكتب لتستقرا على سطحه . *** مع ازدياد لهيب الشمس أشعر أن قواي على وشك التبخر أرتمي على الأرض . تتساقط قطرات العزم مني لتختلط برمال الصحراء . ما الذي أتى بي إلى هنا أذكر أنني كنت أصنع شيئاً ما.. ما هو .. لماذا أصنعه ؟! لا أذكر .. أنساق وراء أفكاري دون أن أبالي بالحلة البيضاء التي تعانقت مع الرمال، أشعر بشيء يجثم على صدري إنهم يتآمرون علي الآن ، منذ زمن يتمنون التخلص مني ، شيء من بعيد يلوح لي يبدو وكأنه سور كبير .. ربما تكون هذه ظاهرة السراب ؟! لا أعتقد . أسير في خطوات متثاقلة عند مدخل السور عظام بعض الحيوانات، أصوات نعيق الغربان تتردد في المكان إنها مقبرة قديمة طواها تراب النسيان منذ زمن .. أتجوّل بين الألواح الحجرية فيستوقفني أحد الألواح قد نقش عليه (( نور الدين أحمد )) وكأنني أعرف هذا الاسم لكن المعلومات في رأسي متداخلة والذاكرة مشوشة لحظة ! إنه أنا.. أنا نور الدين أحمد! الدنيا تدور من حولي شيء ما حدث أنا لست على ما يرام .. ألمحها تتقدم ناحيتي بجسدها الأشقر الفتان الذي أحاصره بين ذراعي فأضمها لي .. عيناها العسليتان والشعر الفاحم السواد الذي ينسدل على كتفيها كوشاح إمبراطوري ، إنها هي بشفتيها التي طالما أقطرت منهما خمراً أسكرني حتى الثمالة ابتعدي عني أيتها الملعونة فأنت سبب الضياع الذي أنا فيه .. تتهاوى مني قطرات من الدموع على ذرات الرمال أسحقها تحت راحتي أكور قطعة من الرمل ألقيها على اسمي .. كلا أنا هو السبب .. أنا الذي رحت أتاجر بأموالي في أعراض الناس ظننت أنني سأمتلك الدنيا اشتريتها هي جارية لي لا شريكة حب وحياة .. اشتريت كل شيء إلى أنا جاءوا هم واشتروني هؤلاء الذين يتآمرون علي الآن . ألتقط فأساً ملقاة بجانبي وأهوي بها على القبر الوهمي ، لقد جاءوا إلي منذ مدة ليست طويلة طلبوا مني خدمة لا أذكرها مقابل أي نقود أطلبها عرف عني أنني مادي بشراهة لكنني لم أكن كذلك ، أشعر وكأن الفأس اصطدمت بشيء ما تغوص أصابعي في الرمال بحركة هستيرية أرفع ما استقر في يدي لأكشف عنه الغبار .. لؤلؤة صغيرة تشع ضوءاً ضعيفاً .. شيء ما حدث ! .. أنا لا أذكرهم جيداً ملامحهم مشوهة تتداخل في بعضها بطريقة معقدة .. كانوا خمسة أعتقد ذلك ، يخفت الضوء قليلاً .. قليلاً حتى ينعدم تماماً .. إنهم يتآمرون علي الآن ! أركض خارج هذا المكان لابد أن أجدهم ، تدور الدنيا من حولي وأشعر أنني سأسقط .. ألتقط أنفاسي بصعوبة أغمض عيني وأتحرك في هدوء أحاول استجماع أي شيء يدلني عليهم . شعور الخيانة يستفحل بداخلي .. يبدأ السكون من حولي في التضاؤل ويزداد الضجيج ، مزيج من أصوات الناس ونداء الباعة وصراخ الأطفال ثم تهدأ الأصوات ويزداد حفيف الأشجار . أشعر بأرض غير مستوية تحتي .. ثم .. تنحرف قدمي فجأة .. أشعر أنني أسقط من مكان مرتفع ومع ذلك لا أفتح عيني .. لا يزال جسدي يتقلب في الهواء ، لقد طالت لحظة الارتطام .. أفتح عيني لأرى ما هذا الارتفاع السحيق فأجد .. جسدي يرتطم بالأرض .. أشعر أن صدى تكسر عظامي يدوي في المكان المظلم . صوت أقدام تتهدج ناحيتي ، بالكاد أميز أجساد خمسة رجال يقفون حولي يميلون علي .. فينعكس ضوء خفيف على ثيابهم السوداء .. حينها أكتشف أنني مصدر هذا الضوء الذي ينعكس على وجوه خمستهم .. الذين عندما أطبقوا على عنقي كنت قد تبينت أنهم جميعاً أنا ! *** تبدأ الشمس في حزم أمتعتها من على سطح المكتب اللامع .. ينفتح الباب في هدوء ويدلف صاحب الحلة السوداء والحذاء الأسود .. يرتمي بجسده على المقعد وتمتد القدمان فوق المكتب لتستقرا على سطحه.