لم تنجح حملة مقاطعة اللحوم التي أطلقتها الفيدرالية الوطنية لحماية المستهلك في تحقيق أهدافها في خفض الأسعار، وهو الاستنتاج الذي خلص إليه غالبية الجزّارين الذين اعتبروا أن هذا الخيار غير مجد من منطلق قناعتهم بأن الفقراء قاطعوا اللحوم الحمراء منذ سنوات بسبب تدهور قدرتهم الشرائية، وعلى العكس فإنه على مقربة من حلول الشهر الفضيل بدأت الأسعار تأخذ منحى تصاعديا. وقفت «الأيام» على الكثير من الحقائق خلال جولة قامت بها عبر عدد من النقاط التي تنتشر فيها محلات بيع اللحوم بوسط العاصمة، وكان أبرز استنتاج وصلت إليه هو أن أسعار اللحوم الحمراء على الأخص بقيت عند مستواها المعهود قبل انطلاق حملة المقاطعة، بل وأكثر من ذلك فإن الملاحظ هو ارتفاعها في عدد من المحلات التي تبقى محل استقطاب منقطع النظير للعائلات ميسورة الحال. وعلى الرغم من الرهان الذي رفعته الفيدرالية الوطنية للمستهلك منذ العاشر من شهر جويلية الحالي بإطلاقها حملة مقاطعة اللحوم بمختلف أنواعها سعيا منها من أجل المساهمة في خفض أسعار هذه المادة التي تعتبر أساسية في شهر رمضان المعظّم، فإن النتيجة كانت بخلاف المتوقع، فقد انتهت هذه الحملة بشكل رسمي يوم أمس على وقع استقرار نسبي في الأسعار التي تراوحت بين 300 دينار إلى 360 دينار بالنسبة للدجاج، وبين 1200 دينار و1350 دينار بالنسبة إلى سعر الكيلوغرام الواحد من لحم الغنم. وكانت المفاجأة الكبرى باعترافات عدد من الجزّارين الذين تحدّثنا إليهم في جولتنا أمس عندما أكدوا بأن الأسعار ارتفعت قياسا بما كانت عليه الأسبوع الماضي، ونفوا في المقابل أن تكون حملة المقاطعة التي دامت أسبوعا كاملا قد لقيت استجابة من طرف المواطنين، مثلما أنكروا أيضا أن تكون قد أثرت على حجم مبيعاتهم خلال هذه الفترة، وأشار أحدهم غلى أن سعر الكيلوغرام الواحد من لحم الغنم ازداد بنحو 100 دينار في ظرف ثلاثة أيام فقط. وظهر من خلال حديثنا مع جزّار آخر بأن زبائنه الذين اعتادوا على شراء اللحوم بقوا أوفياء له في الأسبوع الأخير، مضيفا أنه هؤلاء هم من الطبقة ميسورة الحال، فيما أفاد آخر بشكل صريح: «يُخطئ من يعتقد بأن الجزائريين سيقاطعون اللحوم الحمراء»، وقد اتضحت الصورة أكثر لما واصل حديثه قائلا: «ما لا يعلمه البعض هو أن الفقراء قاطعوا اللحوم بمختلف أنواعها منذ سنوات وبالتالي لا أرى أي فائدة من الحملة التي أطلقتها بعض الجهات لإرغامنا على خفض الأسعار». وعموما فقد تقاطعت أغلب انطباعات الجزّارين في كون أن الأسعار المعمول بها مبالغ فيها كثيرا، وهو يُبعدون عن أنفسهم مسؤولية ذلك، وقد استدلّ أحدهم بمثال عن ولايتين تشتهران بنشاط مكثف للموالين، وهما ولاية الجلفة التي ذكر بأن سعر الكيلوغرام الواحد من لحم الغنم لا يتعدى 600 دينار، لافتا كذلك إلى أن ولاية تيارت لا تختلف من حيث سقف الأسعار عن العاصمة وباقي الولايات الأخرى، وقد طرح هذا الاعتراف الكثير من علامات الاستفهام حول حقيقة ما يجري في السوق ودور مصالح وزارة التجارة التي عجزت في ضبط السوق بشكل واضح. كما أقرّ أحد الجزّارين الذين استفسرناه عن طبيعة الزبائن الذين يقصدونه بأنه يخجل من نفسه عندما يطلب منه زبون من ذوي الدخل الضعيف أن يزن له كمية محدودة من اللحم، داعيا السلطات العمومية إلى إيجاد حلّ لهذا الوضع عندما استطرد متأسفا: «ليس هناك جزار في الجزائر لا يريد أن يبيع اللحم لأكبر عدد ممكن من المواطنين ولكن للأسف هذا هو واقع بلادنا.. نتمنى أن يتغيّر الوضع في أقرب وقت». ومن جهتهم، أكد لنا بعض المواطنين الذين تحدثوا إلينا، بأنهم أصبحوا يتجنبون اللحوم الحمراء ولا يلجؤون إلى شرائها إلا في بعض المناسبات النادرة وبكميات قليلة تخضع لحساب مادي دقيق، وذهب أحدهم يقول متهكما: «لقد أضحكتنا حملة مقاطعة اللحوم وأصبحنا نُنكّت بها بين أفراد العائلة لأننا أصلا لا نشتري اللحوم الحمراء إلا نادرا جدا». تجدر الإشارة إلى أن الفيدرالية الوطنية لحماية المُستهلك، أكدت بأن الهدف من الحملة انخرط فيها العديد من المُستهلكين وحتى الجزارين، هو التوصل إلى نسبة استجابة تُعادل 60 بالمائة ومنه، تخفيض الأسعار بنسبة تصل حتى 30 بالمائة خلال شهر رمضان المُعظم، وقدر رئيس الفدرالية، «حريز زكي»، نسبة الاستجابة خلال اليومين الأولين من انطلاق الحملة ب20 بالمائة. زهير آيت سعادة * شارك: * Email * Print