تمثل نتائج الدراسة التي نشرها معهد “إيفوب” الجمعة الماضي معطى جديدا على الساحة السياسية الفرنسية، حيث أكدت على أن المسلمين لعبوا دورا هاما في إسقاط نيكولا ساركوزي في انتخابات الرئاسة التي جرت شهر ماي الماضي، وهذه هي المرة الأولى التي يكون فيها للمسلمين سلوك انتخابي موحد وفعال. لم ينكر هنري غينو، أحد أبرز مستشاري الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، أن تبني الرئيس الخارج لأفكار اليمين المتطرف يمثل سببا مباشرا لخسارته الانتخابات، وقد عزا كثير من أنصار ساركوزي هزيمته إلى ما أسموه حملة عدائية مناهضة للساركوزية، وقد دارت هذه الحملة بالأساس حول مواضيع الهوية والهجرة والإسلام، وهي المواضيع التي تمحور حولها خطاب ساركوزي في سنة 2007 عندما حقق نصرا باهرا على حساب مرشحة اليسار آنذاك سيغولين رويال. وخلال خمس سنوات من الحكم لم يتردد ساركوزي في التركيز على قضايا الهجرة والهوية خاصة في ظل الأداء الاقتصادي السيء لحكومته التي واجهت أسوأ أزمة مالية شهدتها فرنسا وأوروبا منذ عقود، غير أن ما ميز عهد ساركوزي هو أنه لم يكتف بالخطاب السياسي، بل اعتمدت في سنوات حكمه جملة من القوانين أثارت جدلا كبيرا داخل المجتمع الفرنسي وشكلت ضغطا إضافيا على المسلمين البالغ عددهم ستة ملايين يمثل الفرنسيون من أصل جزائري نسبة مهمة منهم، فقد جاءت قوانين منع ارتداء النقاب في الأماكن العامة، ومنع إقامة صلاة الجمعة في الشوارع، كإشارات في اتجاه اليمين المتطرف في حين اعتبرتها أغلبية من النخب السياسية والمثقفة حيلة سياسية من أجل كسب تعاطف القواعد التي عادة ما كانت تصوت لصالح مرشحي الجبهة الوطنية المتطرفة، وفضلا عن القوانين كان هناك تركيز على التخويف من تزايد عدد المسلمين في فرنسا وأثر ذلك على الانسجام الثقافي في فرنسا، وعلى هذا الأساس تم فتح النقاش حول الهوية الذي حفل بانحرافات وتحول في كثير من الأحيان إلى حملة عنصرية على الفرنسيين من أصول أجنبية، كما كان اقتراح قانون لإسقاط الجنسية عن الفرنسيين من أصل أجنبي أحد أهم الخطوات التي أثارت السخط على ساركوزي وحزبه الاتحاد من أجل حركة شعبية. عدم اكتراث ساركوزي بأصوات المهاجرين مرده إلى الاعتقاد بأن هؤلاء يمثلون كما مهملا، فملايين المسلمين لا يسجلون في القوائم الانتخابية، ومن ضمنهم من يرفضون حمل الجنسية الفرنسية، وهم في العادة لا يهتمون بالحياة السياسية، ويعيشون في عزلة عن المجتمع الفرنسي، حيث يتمركزون في الضواحي التي تعاني من أوضاع اقتصادية واجتماعية مزرية، وقد ظل هذا التحليل متداولا حتى أثناء حملة الرئاسيات الأخيرة، غير أن تحولا بدأ يظهر منذ سنوات، فالجيل الجديد من المهاجرين أصبح يبدي اهتماما كبيرا بالسياسة، وهؤلاء الفرنسيون بالمولد، يحتفظون من جهة بارتباطهم بأوطان آبائهم من الناحية الثقافية لكنهم أكثر اندماجا في المجتمع الفرنسي، ويمكن ملاحظة توجههم إلى ممارسة السياسة من خلال ترشحهم في قوائم مختلف الأحزاب السياسية الفرنسية، ومن خلال دخولهم الحكومات المختلفة، غير أن الأمر لا يتعلق بالنخب فحسب بل بعامة المسلمين، فقد ساد الشعور في أوساط المسلمين بأن اليمين أصبح يمثل خطرا عليهم وأن السبيل الوحيد للدفاع عن مصالحهم هو الانخراط في الشأن العام من خلال المشاركة في الانتخابات، ولعل أحداث الضواحي في سنة 2005 كانت إنذارا مبكرا لم يأخذه الساسة الفرنسيون على محمل الجد. العامل الآخر الذي يكون قد ساهم في هذا التوجه نحو التصويت في الانتخابات هو ردود الفعل التي أثارها النقاش حول الهوية خارج فرنسا،فقد أثار هذا النقاش حفيظة الجزائر بعد انحرافه وتحوله إلى هجمة عنصرية، وقد وصف نائب الوزير الأول نور الدين زرهوني، وكان حينها وزيرا للداخلية، انحرافات ذلك النقاش بأنها تقدم المبررات الإيديولوجية للإرهاب، وأكثر من هذا تم إقحام الجزائر بشكل مباشر في الحملة الانتخابية الفرنسية من خلال استعمال الجبهة الوطنية الفرنسية العلم الجزائري في حملة كراهية وتخويف من الإسلام، وقد تحولت تلك الحادثة إلى معركة سياسية وقضائية أعادت إلى الواجهة مسائل الاندماج والهجرة والعنصرية. على صعيد آخر مثلت سياسة ربط الجسور مع المهاجرين التي اعتمدتها الجزائر خلال السنوات الماضية أحد أسباب التأثير على الجالية، فلأول مرة تظهر معالم سياسة واضحة لمساعدة المهاجرين على تنظيم أنفسهم للدفاع عن مصالحهم في إطار الحقوق التي تكفلها لهم المواطنة، وقد جاء تصويت المسلمين على مرشح واحد، وهم الفئة الوحيدة التي فعلت ذلك حسب دراسة “إيفوب”، ليؤكد أن ملايين الأصوات ستكون حاضرة مستقبلا للدفاع عن مصالح المسلمين في فرنسا عن طريق الانتخابات، وهو ما سيدفع مختلف الفاعلين السياسيين نحو تكييف خطابهم السياسي على حسب هذا المعطى. بالنسبة للجزائر يمثل هذا التحول في السلوك السياسي للمسلمين، ومن ضمنهم الفرنسيون من أصول جزائرية، ورقة مهمة يمكن استغلالها في إدراة العلاقات مع فرنسا، وسيكون توثيق الصلات مع الجالية المسلمة عموما من خلال المؤسسات، ومن أهمها مسجد باريس، ومساعدة المسلمين على توحيد تجاوز خلافاتهم من أجل التحول إلى قوة إيجابية قادرة على التأثير على السياسة الفرنسية الخارجية. إبراهيم عبد الله * شارك: * Email * Print