الضجيج الذي يثيره حديث الفساد في سوناطراك دفع بعض السياسيين إلى طرح أسئلة محيرة حول الخلفيات التي تحرك هذه الملفات في هذا الظرف بالذات خاصة وأن القضية عرضت على العدالة أولا قبل إبعاد وزير الطاقة السابق شكيب خليل من الحكومة . لم تتردد الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون في شن هجوم عنيف على وزير الطاقة السابق شكيب خليل الذي تصفه بأنه موظف يعمل لصالح الأمريكيين وأنه أراد تصفية قطاع النفط والغاز في الجزائر من خلال قانون المحروقات الذي اقترحه والذي سحبه الرئيس بوتفليقة، غير أنها لا تعتبر فتح ملف الفساد في سوناطراك بريئا، وترى أن الأمر مرتبط بشكل مباشر بالانتخابات الرئاسية وتعديل الدستور ، والأهم من هذا، أنه جزء من حملة تستهدف الجزائر واقتصادها ومؤسساتها الدستورية، ومن هذه الزاوية تقرأ رسالة المسؤول السابق في سوناطراك حسين مالطي. أول ما يسجل على قضية سوناطراك هي أنها ليست جديدة، فقد سبق للعدالة الجزائرية أن حققت في قضايا فساد في الشركة، وقد تم تناول هذه القضية بشكل علني في وسائل الإعلام، كما تحدثت إدارة الشركة عن التحقيقات التي جرت، ورغم أن التفاصيل التي جاءت من خلال التحقيق الذي قام به القضاء الإيطالي الذي يتحرى عن صفقات لشركة إيني النفطية، كانت مهمة وشكلت صدمة جديدة للرأي العام الوطني، فإن استعجال الاستغلال السياسي للقضية أخرجها من إطارها كقضية فساد. الرئيس المدير العام لشركة سوناطراك لم ينف وجود فساد، وأكثر من هذا بدا مدركا للغضب الشعبي الذي تثيره مثل هذه الفضائح، غير أن الشركة تعتبر بأن المسألة تتعلق بتصرفات فردية، وهذا يعني بالضرورة أن الشركة ستطالب بحقوقها من خلال ملاحقة المتورطين في صفقات غير قانونية وأولئك الذين تقاضوا رشى أو عمولات من خلال الصفقات التي عقدتها الشركة مع متعاملين آخرين، وهذع التصريحات تضع القضية في مكانها الطبيعي ضمن الفساد الذي الذي تعاني منه كبريات الشركات العالمية في مختلف القطاعات. وزير الطاقة كان سباقا إلى التأكيد على أن العقاب سيطال كل أولئك الذين تورطوا في الفساد، وأن سوناطراك ستطالب بحقها عندما تثبت العدالة هذه الاتهامات، وقد أعلنت النيابة العامة لدى محكمة سيدي محمد أنها فتحت تحقيقا في القضية وأصدرت بيانا بهذا الشأن، وكل هذه الإشارات كانت تهدف إلى إخراج القضية من دائرة الاستغلال السياسي الذي بدا واضحا من خلال رسالة حسين مالطي التي نشرتها جريدة الوطن قبل أيام، والتي بدت محملة بالرسائل السياسية أكثر من كونها تقدم أدلة على الاتهامات الموجهة إلى أشخاص بعينهم. التدخل الأخير للرئيس بوتفليقة في القضية من خلال الإشارة التي تضمنتها رسالته بمناسبة إحياء الذكرى المزدوجة لتأسيس الاتحاد العام للعمل الجزائريين وتأميم المحروقات، حيث وصف فيها فضيحة سوناطراك بأنها “أمور تثير سخطنا واستنكارنا لكنني على ثقة من أن عدالة بلادنا ستفك خيوط هذه الملابسات وتحدد المسؤوليات وتحكم حكمها الصارم الحازم بالعقوبات المنصوص عليها في قوانينا”، ومن الواضح أن بوتفليقة تعمد الإشارة إلى هذه القضية بسبب إدراكه لمحاولات استغلالها سياسيا والسعي إلى ربطها بشخصه من خلال تحميل المسؤولية لوزير الطاقة السابق شكيب خليل الذي كان ضمن من يوصفون بأنهم وزراء الرئيس. التأكيد على دور العدالة في فك خيوط قضية سوناطراك هو محاولة لوضع الأمور في نصابها، فالاهتمام من قبل بعض الأطراف السياسية كان منصبا على ما قاله مالطي وليس على ما جرى في سوناطراك، وإلى حد الآن لم يقدم أي طرف معلومات جديدة، فالقضاء الإيطالي يحقق في صفقات مشبوهة لكنه إلى حد الآن لم يدن أي مسؤول، في حين أن الصحافة في الجزائر تتناول القضية وكأنها حسمت وأن المسؤولين الذين يتم تداول أسمائهم قد لبستهم التهمة بالفعل، وهذا التضليل هو الذي يبرر الشكوك التي أثارتها لويزة حنون حول خلفيات موقف حسين مالطي الذي سبق له وأن نشر رسالة مماثلة قبل بضعة سنوات فضلا عن كتاب حول التاريخ السري للبترول الجزائري، وقد تساءلت حنون عن السبب الذي يجعل مالطي يتحدث اليوم في حين أنه لم يندد بالفساد عندما كان مسؤولا على تسيير سوناطراك. التوجه نحو مهاجمة أشخاص بعينهم يبرز النية في تسييس القضية، وقد يكون الأخطر من هذا الهجوم على المؤسسات الدستورية من خلال تشخيصها، وهذا الخطاب يهدف أصلا إلى إثارة الغضب الشعبي من خلال تصوير البلاد وكأنها خاضعة لحكم أشخاص يقومون بنهب ثروات البلاد ويتصرفون دون رادع، ومن الواضح أن التركيز على هذه الجوانب هو جزء من محاولات إثارة الشارع الجزائري الذي رفض إلى حد الآن الاستجابة لدعوات متكررة من أجل الخروج إلى الشارع وركوب موجة ما يسمى الربيع العربي. كل هذه المقدمات قد تكون محاولة للتأثير على مجرى الانتخابات الرئاسية التي ستجري ربيع العام المقبل، والتأثير هنا ليس مجرد السعي إلى ترشيح شخصيات معينة كما لمحت إلى ذلك الأمينة العامة لحزب العمال، بل قد يتعدى ذلك إلى إثارة مزيد من الشكوك حول العملية الانتخابية، فإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها يفوت فرصة أخرى على دعاة التغيير عن طريق الشارع، وإفشال تنظيم الاقتراع في موعده قد يفتح الباب أمام حالة من الفوضى تدفع الجزائر إلى وضعية شبيهة بتلك التي تعيشها تونس ومصر هذه الأيام، كما أن الهجوم على الرئيس بوتفليقة يكون المقصود منه إضعاف دوره في التأثير على الانتخابات والتقليل من أهمية موقفه من المترشحين الذين قد يخوضون السباق، فخصوم بوتفليقة يدركون أنه لا يزال يحظى بشعبية كبيرة قد تجعل المترشح الذي يمثل استمرارية سياساته الأوفر حظا لنيل ثقة الناخبين في ربيع العام القادم.