وصف رئيس المجلس الإقليمي لمقاطعة كيدال، "هوميني مايغا"، الأوضاع في هذا الإقليم ب "المعقدة" في ظل تواصل سيطرة مسلحي الحركة الوطنية لتحرير أزواد على المدينة، نافيا أن يكون السكان يدعمون هذا التنظيم الذي قال إنه لا يمثل سوى 11 بالمائة من توارق مالي، ويؤكد "مايغا" في هذا الحوار الذي خصّ به "الأيام" أنه لا حلّ لأزمة مالي من دون إشراك فعلي لسكان كيدال في المفاوضات، مثلما أثنى كثيرا على دور الجزائر في تعزيز مسار الحوار والتسوية السلمية، ومع ذلك دعاها إلى مواصلة لعب دور أكثر فاعلية في المرحلة المقبلة. عاد الحديث بقوة في الأيام الأخيرة عن تصاعد حدة التوتر في إقليم كيدال شمال مالي الذي كان بمثابة شرارة انطلاق الأزمة في البلاد منذ سنوات، هل يمكن أن تضعونا في صورة الأوضاع العامة في هذا الإقليم الذي تتولون تسييره في هذه المرحلة؟ الوضع في كيدال معقد، وعلى صعيد تواجد القوات هناك حوالي 200 جندي فرنسي متمركز في مطار كيدال وهناك العناصر التابعة لحركة تحرير الأزواد المنتشرة في وسط المدينة في الجزء الشمالي على وجه خاص، وهناك أيضا عناصر تابعة لما كان يسمى ب "أنصار الدين" في الجزء الجنوبي من إقليم كيدال. هذا من الجانب الأمني، ووسط كل هذه القوات هناك سكان الإقليم المتواجدون تحت الحصار في انتظار إيجاد حلول للأزمة، هؤلاء يعانون من انعدام الكهرباء والماء، كما أن كل شبكات الهاتف تمّ قطعها، زيادة على هذا هناك نقص كبير في تموين المدينة بالأدوية وكذلك بالمواد الأولية الضرورية للاستهلاك. حاليا السكان مضطرون إلى أن الخروج من الإقليم إلى داخل التراب الجزائري للبحث عن كل ما يحتاجونه للعيش، وحتى منظمات الإغاثة الإنسانية تجد صعوبة كبيرة في القيام بمهامها خصوصا مع التطورات الأخيرة في الإقليم، وتحديدا في الفترة بين الثلاثين ماي إلى الثاني من جوان عندما اضطر السكان السود إلى مغادرة كيدال، وأعتقد أن هذا التطور ساهم في تعقيد الوضع أكثر فأكثر في كيدال بعد أن كان معقدا في الأصل، وبناء على ذلك واصل الجيش المالي تقدّمه إلى الإقليم وهو على بعد 112 كلم عن المدينة، وذلك بعد عدة مواجهات مع عناصر الحركات المسلحة. هذا هو الوضع العام عموما في كيدال التي تبقى مقطوعة عن باقي العالم بعد أن قامت الحركة الوطنية لتحرير أزواد بتخريب كل شبكات الهاتف وحرمت السكان من حقهم في الاتصالات، دون الحديث عن الكهرباء والماء التي تعتبر أكبر مشكلة يواجهها هؤلاء بعد انقطاع التواصل مع إقليم غاو. لا ترتسم صورة واضحة حول حقيقة موقف المجتمع المدني في كيدال ما إن كان فعلا موافقا وداعما لما تقوم به الحركة الوطنية لتحرير أزواد في الإقليم. كيف هو الواقع هناك؟ الإجابة هي كالتالي: في اليوم الأوّل الذي سيدخل فيه الجنود الماليون إلى الإقليمي ستعرفون مع من يقف السكان، هؤلاء السكان مع الوحدة الترابية لمالي وهم يريدون السلم وهذا تأكد في عدة أقاليم حيث لم يكن هناك ولا شخص ولكن بعد تحريرها من قبضة المسلحين عاد المنتخبون والسكان، وكان طرد المسلحين عرسا كبيرا لأن الناس كرهت مما يقع لأنهم قضوا أكثر من عام تحت قبضة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة أنصار الدين التي فرضت كل الأعراف، واليوم في كيدال إخوانهم الأزواد من يفرض عليهم قواعد وأمورا كثيرة لا يتعوّدوا عليها، هذا لم نشهده لدى حركات التمرد الأخرى، ففي حركات التمرّد الناس تحارب ضد الدولة وممتلكات الدولة أو حتى ضد الجيش وليس ضد الشعب. هذه الحركة الجديدة بعيدا عن طابعها الإسلامي الذي تجاوزناه فإن إخواننا يقهروننا وهذا أمر صعب جدا حتى نتقبله، ودعوني أقول لكم أمرا آخر: هذا ما يؤثر على مفاوضات "واغادوغو" ببوركينافسو لأننا نحن المجتمع المدني لم يتم إشراكنا ولا حتى الاستماع إلينا في هذا المفاوضات، وما دام المجتمع المدني ونحن المنتخبون ممثلو الشعب لسنا طرفا فاعلا هناك أمران لا ثالث لهما: إما ألا تكون هناك مفاوضات أصلا، وثانا: حتى وإن كانت هناك مفاوضات فإنها لن تذهب بعيدا لأننا لن نعترف بها وسيكون هذا مشكلا كبيرا لأن الاتفاق لم ينبثق عن سكان إقليم كيدال. والواقع أن هه غلطة الكثير من الحكومات التي تبرم الاتفاقيات مع المسلحين ما يجبر من ليس لديهم سلاح وهم جمهوريون يريدون الأمن والتنمية على الانصياع ودفع الثمن، ولذلك أعتقد أنه لدينا الكثير من الرهانات التي يجب أن نكافح من أجلها وهي أننا جميعا كرؤساء بلديات منحدرون من التوارق في كيدال، وكل رؤساء الدوائر كذلك، وقد تجاهلوا هذا الأمر. والمشكل الآخر أنه في مجتمعنا في التوارق نحن كسالى لا نريد العمل ونرغب فقط في الحصول على مشاريع، ولا نريد إرسال أبنائنا للتكوين في مهن مثل البناء والكهرباء والحرف المفيدة والمنتجة، ولا نريد حتى ممارسة الزراعة وهذا ما جعلنا في الوضع الذي نحن عليه اليوم، وبالتالي فإن الوضع صعب جدّا وأؤكد أنه إذا لم تأخذ المفاوضات بعين الاعتبار موقف السكان فإنها ستؤول إلى الفشل حتى وإن تمّ التوقيع على الاتفاق في "واغادوغو". إذن أنتم متشائمون بخصوص إمكانية التوصل إلى تسوية لأزمة كيدال رغم أن وزير خارجية بوركينافاسو صرّح قبل يومين بأن حكومة مالي وممثلي حركة تحرير أزواد على وشك التوصل إلى تفاهم وتوقيع اتفاق مشترك يقضية بانتشار جيش مالي في الإقليم؟ منذ أسبوعين ونحن نسمع الحديث عن "اتفاق وشيك"، لكن أتعرفون كم مرة تمّ تعديل الاتفاق؟ لقد عرف 12 تعديلا حتى اليوم، وكانت هناك تسع تعديلات في المرة الأولى وعندما عاد الطرفان إلى مالي تمّ إضافة ثلاث تعديلات متتالية، ومع كل هذا لا يزال يتحدثون عن "اتفاق وشيك"، هذ ليست الحقيقة لأن هناك ثلاث أمور تطرح المشاكل وهي في المقام الأوّل مشكلة دخول الجيش المالي إلى كيدال، والواقع أن الجيش المالي نظامي وسيادي على كل الأقاليم، والمسألة الثانية هي قضية نزع السلاح فالأممالمتحدة اشترطت على المسلحين التخلي عن سلاحهم وهذا أمر واضح لأنه لا يمكن إجراء انتخابات رئاسية بوجود مسلحين غير مرخص لهم حمل هذا السلاح، وهو ما اعتبره أمرا بالغ الصعوبة. أما النقطة الثالثة فهي تتعلق بمطالب رفع الحصانة، وهنا أريد إضافة أمر هام هو أنه لو يتم رفع الحصانة على الذين اغتصبوا وقتلوا وعذبوا وخرّبوا واعتدوا على الأملاك العمومية والخاصة وأولئك الذين دفعوا 500 ألف شخص للنزوح، يجب أن ننظر إلى الثمن المعنوي والاقتصادي، وهنا أريد التوضيح بأنه لو نقوم برفع الحصانة عن كل هؤلاء أقترح أن يتم تحرير 325 عن حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا وحركة أنصار الدين المعتقلين في باماكو. في ظل كل هذه الأوضاع هل تعتقدون بأن الجزائر قامت بما يجب فعله للسماح للماليين بتجاوز هذه الوضعية المتازمة منذ أشهر؟ الجزائر حاولت بكل ما استطاعت، وأنا أقول ما عبرت عنه بلادكم وهو أن الحوار هو المسلك الوحيد، لكن يبقى الأهم هو: الحوار مع من وكيف؟ وهذا أيضا تحدثت عنه في عدة مناسبات لكنه أسيء فهمه من طرف ماليي منطقة الجنوب بعد أن شددت على ضرورة الحوار مع حركة أنصار الدين. أؤكد أنه لا يمكن أن نعرف الأشخاص إذا لم نتحدث معهم، وبالنسبة إلى الحركة الوطنية لتحرير أزواد حققنا الكثير من التقدم لأننا تفاوضنا مع هذا التنظيم. والجزائر حاولت في نفس الاتجاه لتكريس الحوار لكن هناك قوى حاولت أن تفرض نفسها في هذا الحوار، فمثلا فرنسا تدخلت وهي الآن تفرض علينا الكثير من الأمور، وأعرف أن فرنسا هي قوة والجزائر كذلك وهناك مواجهة، ولكن رغم ذلك نحن المنحدرون من منطقة كيدال نريد مزيدا الفاعلية من طرف الجزائر لأننا مرتبطون بالجزائر بالكثير من الروابط ثقافيا واقتصاديا وجغرافيا ولدينا أكثر من 1000 كلم حدودا مشتركة. إضافة إلى ذلك نحن ندرك بأن الجزائر تقوم بدور كبير للتضامن مع شعبنا بالتنسيق مع بلدان المنطقة قبل وأثناء وبعد النزاع، وبالنسبة لنا لا بد أن تواصل بلادكم في لعب دور أكبر وعليها أن تنظر إلى مالي ولا تهتم بمواقف فرنسا أو الأممالمتحدة، نحن نريد من الجزائر أن تقوم بما كانت متعودة على فعله تجاه بلدنا. هذا يعني أن خيار الحرب والتدخل العسكري لم يجلب أي خير للماليين ولم يؤت بثماره في اتجاه إيجاد حلّ نهائي لهذه الأزمة؟ بالتأكيد هذا أمر مفروغ منه، الخيار العسكري لم يجلب أي شيء للماليين، وقد قلتها دوما ولسوء الحظ تمّ فهمي كذلك بشكل سيء، ولذلك أجدّد الإصرار على أنه مهما تبنينا خيار الحرب فإننا سنعود حتما إلى طاولة الحوار والمفاوضات، غدا سيستعيد الجيش المالي السيطرة على كيدال باستعمال القوة وسيحرّر تاساليت، لكن هذه الجماعات المسلحة ستقوم بما اعتادت عليه وهي الاختفاء في تضاريس اللصحراء وطبيعتها أو الفرار نحو ليبيا ثم تنتظر فرصتها عندما يعود الاستقرار ويعتقد الجميع بأن الأمن استتبّ، وزيادة على ذلك القوة الأممية لن تبقى إلى الأبد في بلادنا وهو الأمر ذاته يالنسبة إلى القوات الفرنسية التي ستغادر حتما مالي، وبعد خمس سنوات سنجد أنفسنا ندور في نفس الحلقة. وعليه أدرك جيّدا كيف تسير الأمور وأشدّد على ضرورة الوصول إلى اتفاق جيد مهما كان كان الوقت الذي نسنتغرقه في الوصول إليه لأن الاتفاق الجيد أحسن من الاتفاق السيء، ومسألة الانتخابات الرئاسية التي يريدون فرضها علينا في 28 جويلية المقبل، وعليه إن كانت الاتفاقيات التي سيتم التوصل إليها في واغادوغو مرتبطة باستحقاق نهاية جويلية سيكون اتفاقا سيئا. بناء على هذا التشخيص كيف تقرؤون مستقبل الأزمة في مالي في ظل تداخل كل هذه المعطيات الداخلية والخارجية؟ يجب قراءة مستقبل مالي على مستويين، الأوّل على مستوى الجنوب أين الأحزاب السياسية لا تلعب دورها وهذه الأحزاب مهتمة ومنشغلة أكثر بالوصول إلى السلطة على بناء دولة ومجتمع، هي غير مبالية، والآن مطلوب ممن هم في باماكو استدراك الوضع والتفكير جديا في مستقبل مالي. أما المستوى الثاني فهو في الشمال الذي هو اليوم تحت سيطرة الحركة الوطنية لتحرير أزواد التي لا تمثل كل شمال مالي هي لا تمثل سوى 11 بالمئة من التوارق، هي حركة غير ممثلة على الإطلاق، وأكثر من هذا التوارق لا يشلكون سوى 6 بالمئة من سكان شمال مالي، إذن ترون حقيقة الوضع هناك، ولهذا أعتقد بان مستقبلا يُلعب الآن ويجب على الجميع أن يدركوا بأننا نلعب بمستقبل أبنائنا، والجيل الحالي لا ييمكن أن يستفيد من أي شيء، وخلاصة القول أن هناك مشاريع شخصية في وقت نحن بحاجة إلى العمل على تكريس مشروع وطني يخدم كل فئات المجتمع المالي وحينها فقط يمكن الحديث عن حوار داخلي جاد وفعّال.