لم تشأ إرادة الله أن ينزل القرآن الكريم كله مرة واحدة كما نزلت التوراة على «موسى» عليه السلام، وإنما أراد الله أن ينزل القرآن متفرقا، موافقا للحوادث التي كانت تحدث أيام نزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومبينا لحكم هذه الحوادث والقضايا، أو ردا على أسئلة واستفتاءات من المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو نزل القرآن الكريم مرة واحدة لكان ذلك مؤد إلى ثقل التكاليف على الناس في هذا الوقت، فنزول القرآن مفرقا تتجلى فيه الرحمة من الله عز وجل بعباده، حتى لا تنفر قلوبهم من تلقى ما جاء به القرآن من أوامر ونواه، والحكمة من نزول القرآن منجما أيضا، هو أن يكون فيه ناسخ ومنسوخ، لأن الأحكام الشرعية كالدواء بالنسبة للمريض، فما يصلح في بعض الأحيان، قد لا يصلح في البعض الآخر، وهكذا كان النسخ في بعض الأحكام ومن الواضح أن الناسخ والمنسوخ لا يكون إلا إذا نزل القرآن مفرقا، وأيضا نزول القرآن متفرقا كان ليعي الرسول صلى الله عليه وسلم ما ينزل عليه، لأنه كان أميا لا يقرأ ولا يكتب على خلاف ما كان عليه الرسل السابقون.