نظّم المركز القومي للترجمة بمصر خلال الفترة الأخيرة ندوة حول الترجمة، هدفت لوضع النقاط على الحروف حول هذه القضية وآثارها الثقافية والوقوف على مدى حاجة العالم العربي لها في ظل تسارع عملية النمو العلمي والتكنولوجي على مستوى العالم، وشارك في هذا اللقاء متخصّصون من مختلف الدول العربية. أكّد الناقد المصري ومدير المركز القومي للترجمة «جابر عصفور» الأهمية الفائقة للترجمة في تحقيق التواصل بين الحضارات وسد الفجوة العلمية بين الدول المتقدمة والدول النامية، وشغل الفراغ الثقافي بقضايا غاية في الأهمية مثل الهوية والعولمة والغزو الثقافي، مؤكدا أنه لا يمكن لأمة أن تنهض دون الترجمة، وأشار «عصفور» إلى قيام المركز القومي للترجمة خلال عام واحد بترجمة قُرابة 230 كتاباً، مشيرا إلى وجود استعدادات لترجمة 500 كتاب خلال عام 2010 لافتاً إلى أن الترجمة لم تعد تقتصر على لغات الغرب فقط بل تعدّتها إلى لغات أخرى في آسيا وأمريكا اللاتينية، وانتقد «عصفور» عدم تكريم المترجمين العرب الأكفاء خلال حياتهم، كما أشار إلى وجود استعدادات خاصة لعقد المؤتمر الدولي الأول للترجمة بداية العام المقبل، ومن جانبه أكد «شوقي جلال»، مقرر لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة أن العالم الآن على أعتاب مرحلة جديدة في تاريخ تطور الإنسانية، مرحلة ستفضي إلى تقسيم المجتمعات في المستقبل إلى مجتمعات ما قبل عصر المعلوماتية ومجتمعات عصر المعلوماتية أو مجتمعات المعرفة، وفي هذه المرحلة ترى المجتمعات الناهضة أن المفتاح للدخول إلى هذا العصر يأتي عبر الاستيعاب النسقي والنقدي لإنجازات العالم المعرفية واحتضان أو توطين العلم والثقافة العلمية، وهنا يأتي دور الترجمة على اعتبار أنها ليست مسألة لغة فقط بل هي قضية سياسية ثقافية حضارية يُمكّن باجتيازها العبور إلى عصر العلم والمشاركة في فعالياته، وتساءل الباحث «جلال» عن حجم المعرفة التي ينتجها العرب إبداعاً ذاتياً وإضافة محلية وعالمية -ترجمة- وصورة المستقبل العربي في ظل ثورة العلم، مطالباً بحشد كل الطاقات الثقافية والتعليمية والإعلامية لتفعيل دور الترجمة في العالم العربي وإزالة الغبار عن الثقافة، وأشار الباحث «قاسم عبده قاسم»، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة «عين شمس» في كلمة تحت عنوان "الترجمة، تبعية ثقافية أم وسيلة للتقدم" إلى أن الترجمة في بعض الأحيان تكون في أنها وسيلة المغلوب للتشبه بالغالب، سيما عندما يكون الطرف الناقل أضعف ثقافياً من الطرف المنقول عنه، بحيث لا تثير الترجمة عوامل الفكر وتحفز دوافع الإبداع، ولكن هذه هي الحال الاستثنائية التي تسمى بالترجمة العبء، لكن الشطر الأكبر من الترجمة هو ما يسمى ب"الترجمة الحافزة" التي تنقل الفكر والمعرفة عن الآخر وتثير الرغبة في التواصل معه والاستفادة من خبراته، لافتاً إلى أنه ليس شرطا أن تكون الترجمة معادلة بين طرفين أحدهما متفوق والآخر ينقل عنه ليبنى على أساسه، لأن الترجمة في كثير من الأحيان تكون وسيلة من وسائل التفاعل الفكري والعلمي والاستفادة المتبادلة بين ثقافات متقاربة المستوى، وحول تجربته في ترجمة الشعر، قال الشاعر «شهاب غانم» إن ذلك يعود لأسباب عديدة أولها أن الشعر يعبّر عن روح الأمة، بل ربما كان أقصر الطرق لفهم أيه أمة ومشاعرها، لذلك فترجمته تشكل وسيلة مهمة للتواصل بين الثقافات، وأشار المترجم «أحمد محمود» إلى أن الترجمة أهم وسيلة لنقل معلومات البلدان الأخرى ومعارفها وما تحصله كل أمة من معارف يتوقف على مقدار ما تترجم والسرعة التي تتم بها الترجمة، ولفت «محمود» إلى ظهور الترجمة الآلية التي يمكنها من الناحية النظرية التعجيل من عملية الترجمة وزيادة حجم ما يجري ترجمته بصورة كبيرة، مشيرا إلى أنها لا تزال تفتقر للدقة.