ربما يفترض دائما أن يكون التاريخ دراسة للحقائق ولكن كما هو الحال بالنسبة لأمور عديدة في جنوب إفريقيا، فحتى تاريخ كرة القدم على المستوى الدولي في هذا البلد لا يتسم بالوضوح كما ينبغي. وتطرح العديد من الأسئلة عند متابعة تاريخ جنوب إفريقيا على ساحة كرة القدم العالمية. ويبرز من هذه الأسئلة ما إذا كان تاريخ جنوب إفريقيا لكرة القدم الدولية قد بدأ في جويلية 1992 وهو تاريخ إعادة الاعتراف باتحاد كرة القدم في جنوب إفريقيا كعضو في الاتحاد الدولي للعبة "فيفا". كما يتساءل البعض عما إذا كانت المباريات التي خاضها منتخب جنوب إفريقيا في حقبة الفصل العنصري، التي كان فيها اتحاد كرة القدم بهذا البلد لأصحاب البشرة البيضاء فقط، ستضاف إلى تاريخ كرة القدم الجنوب إفريقية على الساحة الدولية. وتشير إحصائيات اتحاد كرة القدم بجنوب إفريقيا والتي حفظت بعناية إلى تاريخ اللعبة بالنسبة للبيض مما يعني أن حارس المرمى «تريفور غيتنغ» صاحب البشرة البيضاء يحظى بالتقدير في هذه السجلات والإحصائيات بينما لا يحظى نظيره «باتسون باندا» صاحب البشرة السمراء بمثل ذلك. ولكن في الوقت الذي يتبين فيه بوضوح ظلم حرمان «باندا» وباقي اللاعبين أصحاب البشرة السمراء الذين لم يستطيعوا تمثيل جنوب إفريقيا دوليا من هذا التقدير، يكون من الظلم أيضا تجريد لاعب مثل «غيتنغ» من تاريخه ومبارياته الدولية. ويرجع جزء من هذه المشكلة إلى "الفيفا" الذي سمح بمنح عضويته إلى اتحاد كرة القدم بجنوب إفريقيا رغم اقتصاره على البيض. ولكن "الفيفا" لم يكن المنظمة الوحيدة التي تقع في هذا الخطأ حيث كان اتحاد كرة القدم بجنوب إفريقيا "سافا" ضمن الأعضاء المؤسسين للاتحاد الإفريقي للعبة "كاف" في عام 1957. ولكن الأعضاء الآخرين المؤسسين للكاف أدركوا سريعا أن هذا الاتحاد "سافا" لا يمثل معظم لاعبي كرة القدم في جنوب إفريقيا ورغم إدراج منتخب جنوب إفريقيا في قرعة بطولة كأس الأمم الإفريقية عام 1957 لم يشارك هذا المنتخب في البطولة نظرا لأنه كان قاصرا على البيض. كما أدرج هذا المنتخب ضمن التصفيات الإفريقية المؤهلة لنهائيات كأس العالم 1966 ولكنه لم يشارك مجددا فيها واتضح أنه لا يستطيع المشاركة بفريق من البيض والسود. وبعدها مباشرة، أقصى "الفيفا" جنوب إفريقيا من عضويته ليكون هذا البلد واحدا من عدد قليل للغاية من البلدان تتعرض لهذه العقوبة القاسية. وبعد هذا القرار بدأت كرة القدم في جنوب إفريقيا عملها ببطء ضد العنصرية. مشكلة العنصرية وانحصر تاريخ كرة القدم الدولية في جنوب إفريقيا خلال هذه الفترة في محاولة إغراء وجذب عدد من النجوم الدوليين والفرق الأجنبية. وقدم إلى جنوب إفريقيا فريق أرجنتيني وآخر برتغالي كما خاض الفريق عدد من المباريات أطلق عليها مباريات دولية أمام روديسيا.وشهدت حقبة السبعينيات من القرن الماضي قدوم عدد من اللاعبين الألمان إلى جنوب إفريقيا بعد إيقافهم في ألمانيا لتعاطي الرشوة. وقدّم هؤلاء اللاعبين مثل «آرنو شتيفنهاغن» و«فولكمار غروس» و«بيرند باتزك» لجنوب إفريقيا ما كانت تفتقده بالفعل في مجال كرة القدم. وتزامن مع ذلك ما قدمته الحكومة من سياسة لتعدد العرقيات حيث سمحت بإقامة مباريات بين مجموعات من عرقيات مختلفة. ولكن ذلك لم يكن يعني مشاركة دولية فعلية ولكن جنوب إفريقيا لجأت إلى ذلك لافتقادها المواجهات الدولية. وأصبح «فينسسنت جوليوس» أول لاعب من أصحاب البشرة السمراء يلعب رسميا فيما سمي ببطولة البيض وانضمت المزيد من الفرق إلى بطولة المحترفين الوطني لأصحاب البشرة السوداء. كما أعلنت الأندية الكبيرة في جنوب إفريقيا مثل «كايزر تشيفز» أنها لن تخوض أي مباريات دولية طالما ظلت جنوب إفريقيا خارج عضوية "الفيفا". ورغم ذلك ، استمر توافد العديد من اللاعبين الأجانب إلى جنوب إفريقيا، حيث بحث معظمهم عن الثروة أكثر منه عن الشهرة رغم أنهم أصبحوا مهددين بالإيقاف من قبل "الفيفا". ولكن كل ذلك تغير في عام 1992 عندما اعترف "الفيفا" مجددا بجنوب إفريقيا. ولم يمهد ذلك فقط الطريق إلى استضافة نهائيات كأس الأمم الإفريقية عام 1996 والفوز بها والمشاركة في نهائيات كأس العالم 1998 بفرنسا و2002 بكوريا الجنوبية واليابان بل فتح الطريق أيضا نحو منح تنظيم كأس العالم 2010 إلى جنوب إفريقيا ليكون أول بلد في القارة السمراء ينال هذا الشرف.