لا مجال للمقارنة بين الانفجار الأول الذي حدث في بئر العبد قبل شهر رمضان والانفجار الثاني الذي حدث في الرويس أمس الأول مباشرة بعد انتهاء شهر رمضان الذي تردد على نطاق واسع أنه «شهر هدنة» وأن أحداثا أمنية خطيرة ستقع بعده، لا مجال للمقارنة بين الانفجارين، لا من حيث قوة التفجير وحجم الخسائر والأضرار، ولا لجهة طبيعته وهدفه المباشر. الانفجاران يتشابهان في نقطتين: الأولى أنهما وقعا في الضاحية الجنوبية وفي عمقها وأكثر مناطقها حيوية، والثانية أنهما جاءا في السياق عينه، سياق تمدد الصراع في سورية إلى الداخل اللبناني ووفق النموذج العراقي، لكن وبالمقابل، فإن الانفجارين يختلفان في نقطتين مهمتين: 1 – انفجار بئر العبد نفذ عبر سيارة مفخخة مركونة في موقف للسيارات، فيما انفجار الرويس نفذ عبر سيارة مفخخة يقودها انتحاري (وفق معلومات أولية ترجح هذا الاحتمال من دون أن تحسمه)، وإذا كنا في الحالين أمام جريمة إرهابية، فإننا في تفجير الرويس أمام «عملية انتحارية»، وإذا كانت أهمية انفجار بئر العبد تكمن في أنه أعلن انطلاق مرحلة استهداف الضاحية الجنوبية وتحولها إلى ساحة صراع وحصول أول اختراق أمني فيها، فإن أهمية انفجار الرويس تكمن في أنه أعلن انطلاقة مرحلة العمليات الانتحارية التي يصعب ضبطها ووضع حد لها مهما بلغت الإجراءات الأمنية من يقظة وتأهب وحزم. 2 – انفجار بئر العبد لم يسفر عن سقوط ضحايا وكأنه رتب وركب بطريقة تتوخى عدم إيقاع خسائر بشرية وكان الهدف منه تمرير رسالة تحذيرية حملت «الإنذار الأول»، أما انفجار الرويس فإنه أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى وهدف إلى إيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر البشرية والتسبب في أكبر قدر ممكن من الهلع والخوف، وبالتالي فإن هذه العملية الأمنية الإرهابية لم تهدف إلى تمرير «رسالة» وإنما هدفت إلى نقل الصراع إلى مرحلة متقدمة والى مستويات جديدة، ومعها ينتقل لبنان إلى مرحلة أمنية خطيرة وغير مألوفة. الانفجار في الرويس لا يشبه أيا من الانفجارات التي عرفها لبنان من العام 2005 وحتى اليوم، هذا الانفجار لم يستهدف شخصية قيادية سياسية أو أمنية أو حزبية، وإنما استهدف حصرا المدنيين وسكان الضاحية الجنوبية «عاصمة المقاومة»، ومن أولى أهدافه ضرب البيئة الشعبية الحاضنة للمقاومة ولحزب الله وتأليب المجتمع الشيعي ضد حزب الله عبر إظهار المقاومة أنها صارت تشكل عبئا على شعبها وتحولت إلى مصدر خطر عليه أكثر مما هي مصدر حماية له، وعبر إظهار أن سياسات حزب الله تجلب الخراب والدمار وتلحق أفدح الضرر بالمقاومة والشعب، ولذلك فإن حزب الله ينظر بعين القلق والخطورة إلى هذا التفجير الذي يرقى إلى مستوى «إعلان حرب» عليه. فالجهة القائمة به تنفيذا والواقفة خلفه تخطيطا لديها قدرة وجرأة اختراق واقتحام البيت الداخلي والعبث به وتجاوز خطوط حمر وخلط أوراق وقواعد اللعبة، والهجوم المفخخ والانتحاري في الضاحية يأتي في سياق حملة هجومية ضد حزب الله تعمل على محاصرته وعزله وممارسة ضغوط قوية عليه، وبالتالي فإن تفجير الرويس هو جزء من حملة متعددة الأشكال والأحجام ومنسقة المصادر ضد الحزب وتعزز حالة التوجس لديه من أنه بات مستهدفا في أمنه الداخلي وعمقه الحيوي، وبات في قلب الخطر وحلقات الحصار تضيق عليه أكثر فأكثر، والنتيجة الطبيعية لهذا الشعور بأنه مستهدف وأنه في خطر، ستكون نزوح حزب الله إلى سياسة متشددة ومتشنجة، والترجمة العملية الأولى لهذا المناخ الجديد ستكون في الملف الحكومي. حزب الله الآن وأكثر من أي وقت مضى سيرفض أي حكومة يشتم منها رائحة إقصاء وإبعاد له عن الحكم وسيتصدى لها إذا شكلت، وأكثر من أي وقت مضى سيبحث حزب الله عن ضمانات ووسائل جديدة للحماية، ويمكن القول إن تفجير الرويس أطاح بمشروع حكومة الأمر الواقع أو حكومة الواقع كما سماها الرئيس المكلف تمام سلام، ويعيد البحث إلى حكومة سياسية تكون حكومة إنقاذ وطني أو حكومة وحدة وطنية كمدخل إلى ضبط إيقاع الصراع وانتشاله من الشارع وإعادته إلى إطار سياسي والحد من حالة الانكشاف السياسي والأمني. إذا كانت هذه بعضا من أهداف التفجير ونتائجه، فإن السؤال يبقى: ما الجهة التي دبرته وتقف وراءه؟ في ظل عدم توافر معطيات وأدلة أمنية وقضائية ثابتة ونهائية، فإن التعاطي مع عملية التفجير يبقى في إطار الفرضيات والتقديرات، وبالإجمال تم وضع «انفجار الرويس» في ثلاثة أطر وفرضيات: 1 – أن تكون إسرائيل هي التي تقف وراء الانفجار، وقد صدر اتهام مباشر عن النائب وليد جنبلاط ضد إسرائيل، وصدر عن وزير الداخلية مروان شربل تلميح في هذا الاتجاه مع تحديد أوضح للسبب الدافع وهو أن يكون الانفجار ردا على تفجير العبوات الناسفة بالجنود الإسرائيليين عند نقطة اللبونة الحدودية بعدما اعترف السيد حسن نصرالله بهذه العملية وحصل انفجار الضاحية بعد ساعات على تبني العملية. 2 – أن يكون تفجير الضاحية الثاني في سلسلة تفجيرات يمكن أن تتكرر مندرجا في سياق الصراع الدائر في سورية وأصبح حزب الله طرفا مباشرا فيه بدخوله القتال إلى جانب النظام السوري، أي ان ما يحدث في الضاحية هو رد على تدخل حزب الله في سورية ولممارسة ضغوط عليه كي ينسحب منها ويضع حدا لتدخله الذي يستدرج العنف والإرهاب إلى الداخل اللبناني، وفي هذه الحالة توجه أصابع الاتهام إلى أطراف سورية معارضة ومناهضة لحزب الله وسبق أن وجهت إليه تهديدات صريحة مثل الجيش الحر وجبهة النصرة، وأما الأدوات المعتمدة فلا تعود ذات شأن وليست بالضرورة سورية ويمكن أن تكون فلسطينية أو لبنانية أو من أي جنسية عربية أو غير عربية. 3 – أن يكون التفجير مرتبطا بالصراعات اللبنانية الداخلية المتفاقمة والمتقاطعة مع الأزمة السورية، وقد ألمح اللواء جميل السيد في مداخلة له بعد ساعات على وقوع الانفجار إلى وجود بيئة لبنانية حاضنة للجماعات والعمليات الإرهابية، محملا مسؤولية سياسية ومعنوية للرئيس فؤاد السنيورة وللنائبة بهية الحريري بسبب حملة التحريض التي يقودانها، ملاحظا أن تفجيرات الضاحية بدأت بعد أحداث عبرا ومشيرا إلى أن مخيم عين الحلوة وتحديدا «حي التعمير» فيه تحول إلى ملاذ ومقر للجماعات الإرهابية المتشددة ويمكن أنه تحول إلى مصدر ومنطلق لعمليات التفجير في مناطق لبنانية حساسة بدءا من الضاحية الجنوبية، وهذا الاحتمال ألمح إليه أيضا الوزير السابق وئام وهاب بتأكيده أن الهجوم الإرهابي نفذه انتحاري، وأن البحث جار حاليا عن هويته وما إذا كان لبنانيا أم من الخارج، داعيا من مهد لهذا التفجير إلى أن «يتحسس رأسه». كيف سيرد حزب الله وأين؟ هذا هو السؤال المطروح بقوة ابتداء من ليل أمس الأول، الرد السياسي سيكون مزيدا من التشدد في موضوع الحكومة، وأما الرد العملي والعملاني فإنه ليس مقيدا باعتبارات وبات مفتوحا على كل الاحتمالات، لأن تجاوز الخطوط الحمر ونسف قواعد اللعبة يدفع بردود الفعل والأوضاع إلى أن تصبح «خارج السيطرة».