قبل حوالي خمس سنوات خلت، كانت محافظة السهوب مؤسسة قائمة، مختصة في التنقيب عن المياه أينما كانت وأينما وجدت، في الوديان وفي الصحارى وفي البراري، عبر مشاريع لا تزال تتحدث عن نفسها في 24 ولاية سهبية. أما اليوم فهذا الهيكل الفلاحي والرعوي، وصفه أقرب إلى “الجثة" التي تنتظر مراسيم الدفن الرسمية، فماذا حدث؟ حتى تموت هذه المؤسسة “إكلينيكيا"، بعدما كانت وحدها في مواجهة “الحصار" الذي ضربته الجماعات الإرهابية على أكثر من منطقة في عز الأزمة الأمنية، عن طريق استثمار مياه الأمطار أو المياه الجوفية، من أجل أن تجد طريقها إلى ذلك الموال أو ذلك الفلاح الذي لا يعرف عن السهوب إلا بكونها كانت الرجل المقاوم رقم واحد في عز الأزمة الأمنية. هكذا تحولت المحافظة من مؤسسة مُقاومة إلى مؤسسة متهمة «البلاد" عادت بهذه الورقة السريعة لتزيح الغطاء عن أزمة مؤسسة عمومية اسمها المحافظة السامية لتطوير السهوب ودخولها نفق المحاكمات ومن ثم نفق “الموت المبرمج"، بتهمة أنها وحدها التي كانت موجودة في الميدان، وتهمة ثانية أنها نجحت حيث فشل الآخر، والآخر هذا قد يكون شخصا أو مجموعة أشخاص أو حتى مؤسسة عمومية أخرى، لا فرق في النهاية ما دام في الأمر “إعداما" وتصفية مع سبق الإصرار و«تخييط" الملفات والترصد. هي ورقة سريعة تبين مراحل “إعدام" هذا الهيكل الرعوي والفلاحي الكبير. فقبل تنحية المحافظ السامي السابق “قا بلقاسم" سنة 2007، كانت المؤسسة في عز عطائها وفي عز “سطوة" مشاريعها على مناطق السهوب قاطبة، ليتم تنصيب المحافظ “قاسيمي" على رأس شركة “العامة للامتياز الفلاحي" التي كانت تعيش على وقع هزة التحقيقات القضائية، وكانت إطارات هذه الأخيرة تسحب تباعا إلى المحاكم ومنها الرئيس المدير العام الموجود حاليا رهن الحبس المؤقت بتهم ثقيلة وثقيلة جدا، في هذه المرحلة استلم “قاسيمي" مقاليد مؤسسة كان طريقها محددا إلى الإفلاس، وتحدثت مصادر عن أن تنصيب محافظ السهوب السابق في وقتها على رأسها شركة “العامة للامتياز الفلاحي"، كان الهدف منه محاولة إخراج هذه المؤسسة من عنق الزجاجة، عبر حنكة إطار في السهوب، تربع على عرش المحافظة أكثر من 15 سنة. المحافظ السابق وفور استلامه زمام تسير هذا “السفينة الغارقة" التي سميت الامتياز الفلاحي، بدأ في إبعاد الأسماء التي رأى أنها لا تناسبه، في رحلة ترميم ما يُرمم، وكان من ضمن الإطارات المبعدة مدير المالية والمحاسبة للامتياز الفلاحي. المثير في القضية في حينها، أن الأحداث تسارعت بوتيرة كبيرة، حيث تم تنصيب مدير المحاسبة والمالية ب “السفينة الغارقة" على رأس محافظة السهوب، عقب تنحية المحافظ بالنيابة رابحي عبد العزيز المعروف بكونه أحد إطارات وأبناء السهوب، ومن هنا بدأت حرب الملفات وتصفية الحسابات، حيث باشر المحافظ الجديد المبعد من شركة “العامة للامتياز الفلاحي"، نبش خفايا التسيير السابق للمحافظة، لينسج من العدم “قضية" بحجة أنه اكتشف مشاريع مخالفة للقوانين، وأول إجراء قام به توقيف تخليص مختلف المشاريع المنجزة، ليتحول مقر المحافظة إلى ساحة للاحتجاجات والاعتصامات المتواصلة التي قادها مقاولو الولايات السهبية لسنوات عديدة، وتدخل بعدها محافظة السهوب في “غيبوبة" لا تزال متواصلة إلى اليوم. والمبكي في القضية أن المؤسسة التي كانت متواجدة حيث الموال والفلاح وتجاعيد الأرض، اختصت في عهدة المحافظ “ح ط«، بتنظيم الملتقيات في القاعات المكيفة ومآدب “البيسطاش والحلويات"، وتحولت ساحة المقر إلى قاعة عروض للتغذية وإحياء المناسبات، ومنها بدأت مراسم إعدام هذا الهيكل في “التبلور"، ومن كانت تتواجد في سهوب 24 ولاية، أضحى تحركها داخل قاعات الفنادق والقاعات المكيفة، فقط لأن المحافظ الجديد في حينها كان قد تعرض للإبعاد من قبل المحافظ السابق “قاسيمي"، ليتم نسج ملف قضائي، قدم إلى مصالح الدرك الوطني، ومنها تعيين خبيرين، ظهر فيما بعد خلال مجريات المحاكمة وبدليل الإشهاد أن خبرتهما القضائية لم تتجاوز حدود المكاتب “المكيفة"، فلا خروج للميدان ولا تحديد للمشاريع ولا للصفقات التي قيل إنها مشبوهة ولا جرد لعتاد المؤسسة، مجرد “عينات" من مشاريع رفضت النيابة العامة في تلك المحاكمة في مرافعتها أن تكون أداة لتسيير وتوجيه المحاكمة. مقاولون من 24 ولاية سهبية وصلوا إلى الإفلاس والجنون! في أكثر من مرة رفع المقاولون المتعاملون مع محافظة السهوب مطلب الإفراج عن مستحقات المشاريع التي أنجزوها، رافضين منطق أن يكونوا وسيلة لتصفية الحسابات، حيث أكدوا أن تحركاتهم ضرب بها عرض الحائط، وأضافوا أن جميع لجان التحقيق والمعاينة التي تم تشكيلها للنظر في حقيقة المشاريع ومدى تجسيدها على أرض الميدان ومنها لجنتان تابعتان للمحافظة وأخرى موفدة من الوزارة المعنية أقرت أحقيتهم، إلا أنهم ظلوا رهينة لمبررات وتفسيرات غير مفهومة وتحدثت مصادر على صلة بالملف ل«البلاد" على أن وزير الفلاحة والتنمية السابق السعيد بركات كان قد أصدر مقررة وزارية يأمر من خلالها محافظة السهوب بتخليص هؤلاء المقاولون، والأم نفسه أقره المجلس التوجيهي للمحافظة السامية المنعقد بولاية خنشلة في 17 أفريل 2008 داعيا إلى الإفراج عن المستحقات في خلال 15 يوما وهو الذي حدث بعد سنوات من الاحتجاج ومنهم من أعلنوا إفلاسهم ومنهم من وصلوا إلى حافة الجنون بفعل هذه القضية. هل تُعاد هيبة المؤسسة في اختراق الصحارى ومناطق الجفاف؟ وضعية المحافظة حاليا، تبكي الموال والفلاح، لأن من كانت وحدها في وضعية اقتحام مناطق الجفاف، وقبل ذلك مناطق الهروب والفرار، حيث فشلت الأزمة الأمنية في تركيعها، تعيش اليوم، موتا “إكلينيكيا" على خلفية “ملف" فارغ، اعتمد على “خبرتين"، ظهر بأن وراءهما امتياز على شاكلة 10 مشاريع، في عهد محرك الشكوى الذي كان يشغل منصب مدير المالية والمحاسبة في “مركب" الامتياز الغارق، والسؤال الذي طرحه العديد من العمال، هل أزمة محافظة السهوب ومحاولة تصفيتها بالمرة، تم اختلاقها للتغطية على أزمة شركة “العامة للامتياز الفلاحي" التي لا يختلف إثنان على أنها فضيحة “مدوية" ولماذا تم ربط المؤسستين في “حبل" واحد على الرغم من أن مشاريع محافظة السهوب موجودة في الميدان، والعديد من مشاريع الامتياز الفلاحي موجودة في الأوراق؟ الجدير بالذكر أن وزارة الفلاحة والتنمية الريفية قامت بتنصيب محافظ سامي جديد قبل عامين، ويتعلق الأمر بالسيد “قليل صلاح الدين"، الذي كان يشرف على إدارة المحافظة الجهوية بولاية تبسة، وهي الخطوة التي استحسنها كثيرا عشرات العمال، لكون المحافظ الجديد أحد أبناء هذا الهيكل ويعرف قيمته ومدى أهميته، لكن القضية وما فيها أن المحافظة لا تزال على حالة الركود إلى حد الساعة، ومن كانت “تخترق" رمال الصحراء والفيافي، تحولت إلى هيكل نشاطات ومنتديات في القاعات المكيفة. وعلى الرغم من أن المحافظ الجديد يوجد على رأسها منذ عامين تقريبا، إلا أن هذا الهيكل السهبي الذي يتربع على 24 ولاية، لا يزال ميتا إلى حد الساعة فمن يعيد له الحياة؟؟ بعد أن"ركعته" قضايا المحاكم والتي ظهرت فارغة فيما بعد، ليتحول إلى جثة هامدة.