مخطط إيراني قديم لإيجاد موطئ قدم في المغرب العربي حادثة باتنة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة أنس.ج رغم أن التحقيقات الأمنية لم تظهر بعد لفهم ما جرى في الأفواج الكشفية التي تعرضت لمحاولات نشر المذهب الشيعي في باتنة، لينبني على الشيء مقتضاه، غير أن تاريخ التشيع في الجزائر وكل المحاولات السابقة التي اكتشفت وأحبطت، تظهر دائما يدا إيرانية بحكم أنها الدولة الشيعية الأكبر والأقوى وصاحبة مشروع تصدير الثورة، وحادثة باتنة لم تكن الأولى من نوعها في الجزائر ولن تكون الأخيرة فقد اكتشفت مصالح الأمن في عدة محطات محاولات من هذا النوع في عدد من الولايات المستهدفة كباتنة وسطيف وعين تموشنت ومعسكر، خاصة أن للتشيع في الجزائر قصة قديمة بدأت محاولاتها الأولى مع انتصار الثورة الخمينية في إيران نهاية السبعينيات، حيث تأثر حينها المئات من الجزائريين بوهج هذه الثورة التي أسقطت نظام الشاه محمد رضا بهلوي المتهم بالعلمنة والعمالة للغرب وإسرائيل، واستمرت موجة التشيع في الجزائر من خلال تشجيع إيران للبعثات الطلابية إليها، ومن خلال الحملات الثقافية التي كانت تمولها في الجزائر، حيث كانت توزع الكتب الشيعية مجانا أو بأسعار رمزية، وكان هذا كله في إطار مخطط تصدير الثورة الذي اعتمده الخميني لاختراق الدول السنية، لتحقيق أجندات سياسية وأهداف إستراتيجية تتمثل في إيجاد موطئ قدم للشيعة في منطقة المغرب العربي، ذات اللون المذهبي الموحد، وقد استغلت إيران حب الجزائريين لآل البيت رضوان الله عليهم لدس السم المذهبي الرافضي لصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم في عسل المودة والقربى لأهل بيته، وقد نجحت إلى حد ما في تشييع العديد من الطلاب والأساتذة . انتصار حزب الله ضد إسرائيل حصان طروادة لتكثيف حملات التشييع في الجزائر شهدت سنة 2000 حدثا عربيا غير مسبوق تمثل في خروج الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان تحت وطأة ضربات مقاومة حزب الله "الشيعية"، وقد تعاطف أغلب الجزائريين مع الحزب اللبناني بحكم كرههم للصهاينة، حيث مثل حزب الله يومها رأس حربة في مشروع المقاومة بينما كان الزعماء العرب يتواطأون مع إسرائيل لضرب قواها في المنطقة، وقد استغلت إيران هذا المعطى لتكثيف نشاطها في الجزائر ودول عربية أخرى " سوريا، اليمن، مصر السودان"، لتأتي سنة 2006 يوم صمد حزب الله في حرب تموز ضد الآلة الإسرائيلية وحقق نصرا افتخرت به الجماهير العربية وتفاعلت معه، لتقوم إيران باستثمار هذه العواطف وهذا الانتصار لتسريع عملها من خلال حملات طلابية وثقافية وإعلامية مكثفة تقوم على الدعاية للمذهب الشيعي وإن بشكل غير مباشر . كما سوقت إيران لمشروعها السياسي المناهض للغرب والداعم -كما تدعي- لقوى المقاومة في فلسطين، في حملات الدعاية لكسب التعاطف والتأييد في الدول الإسلامية، مستغلة حالة الإحباط والهوان التي تشعر بها الجماهير العربية نتيجة خذلان الأنظمة العربية للشعوب الإسلامية المستضعفة. موقع الجزائر في مخطط تصدير الثورة الخمينية يرى البعض أن موقع الجزائر البعيد وطبيعة شعبها السني الخالص، قد يجعلان هذا الكلام غير مؤسس، لكن من يرى نشاط إيران في الدول الإفريقية والآسيوية البعيدة عنها على غرار الجزائر يكتشف عالمية هذا المخطط بوضوح لا لبس فيه، فإيران لا تهدف إلى تشييع كل الجزائريين لأنها تعرف أن هذا الأمر مستحيل لكن يكفيها تشييع 1 بالمئة منهم أو أقل لتكتسب موطئ قدم في البلاد يمكنها من توسيع نفوذها وممارسة ضغوط سياسية أو أمنية أو اقتصادية، كما تفعل مع حكومات وشعوب الدول العربية التي تملك نفوذا فيها، خاصة أن معظم أبناء الأقليات الشيعية في العالم العربي يتصرفون كرعايا إيرانيين وليس كمواطنين في دولهم، حيث يتلقون في أغلب الأحيان أوامرهم من المرشد الأعلى في طهران بصفته وليا للفقيه، كما هو الحال في اليمن ولبنان والسعودية والكويت والإمارات ومصر وفلسطين وسوريا وغيرها من الدول العربية المستهدفة من إيران. وعودة إلى الجزائر ولماذا التركز عليها في منطقة المغرب العربي، نجد أسبابا موضوعية أولها قابلية بعض الجزائريين للتأثر بالدعاية الإيرانية أكثر من غيرهم بحكم رفضهم للمشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة أكثر من بعض الشعوب الشقيقة، ما يدفعهم إلى التعاطف مع إيران تلقائيا في مناهضتها كما تدعي لهذا المشروع… كما تعتبر الجزائر دولة قوية ومؤثرة إقليميا بحكم موقعها وديموغرافيتها وشساعتها وغناها بالثروات الطبيعية ما يجعل اللعب في الساحة الجزائرية أمرا مغريا للإيرانييين لاستعمالها كورقة تفاوض مع الغرب كما يفعلون الآن في سوريا والعراق والبحرين واليمن وأفغانستان.