شباب ضائع وعائلات مهددة بالموت تحت الردم بيوتهم ليس بها باب ويجبرون على استعمال ثقب في الجدران للدخول … السلالم عبر النوافذ عوض الأبواب لا يخطر على بال أي شخص يمرّ عبر شارع دريش بالحراش إمكانية وجود عائلات تقطن بإحدى العمارات لا يفصلها عن الموت سوى قطرات من مياه الأمطار تتآكل أعمدة البناية التي أصبحت مكانا لصرف فضلات قنوات الصرف الصحي، ويأتي على كل القاطنين هناك أطفالا وشيوخا لتفرض الحسرة نفسها وسط المسؤولين الذي أداروا ظهورهم إلى هؤلاء لمدّة تزيد عن 50 سنة. روبورتاج: نسيمة بوكلال هي معاناة تعيشها 6 عائلات ببناية بحي دريش بالحراش والتي لا تبعد عن مقر البلدية الا ببضع الكيلومترات فقط، إلا أنها أصبحت تشكل لهم خطر محدق بهم يزداد يوما بعد يوم، ورقعة الخوف تتسع أكثر من الوضع الكارثي الذي صاحبهم لمدة فاقت 50 سنة وهم ينتظرون انهيار المساكن التي يقطنون تحتها أقل ما يقال عنها إنّها لا تصلح حتى لإيواء الحيوانات. الوضعية التي وصفتها العائلات دفعت بنا إلى التنقّل إلى عين المكان للوقوف على معاناتهم. فبمجرّد وصولنا إلى مدخل البلدية، حاولنا الاستفسار عن مكان هذه العائلات فإذا بشخص يشير إلينا في البناية المقابلة للبلدية والمحاذية لسوق السمك بقلب مدينة الحراش. الثقوب في الجدران والسلالم لدخول البيت تفاجأنا عند مدخل البناية بخروج "الزيقو" من البناية التي بات مدخلها غير صالح للمرور بسبب تصدع الأرضية والسلالم نتيجة تشقق اسقفها وجدرانها المتداعية أصلا؛ وتحلل مواد البناء فيها لقدمها، إذ يعود تاريخ بنائها الى العهد الاستعماري. وهي في معظمها تحتاج الى عمليات ترميم وإعادة تأهيل أو إزالة، نظرا لعدم صلاحيتها للسكن. اقتربنا من إحدى العائلات من أجل التحدّث الى أفرادها فرأينا عددا من القطط تجري خلف الجرذان من أجل القضاء عليها فأكّدت لنا إحدى السيدات أنّهم يربّون القطط عمدا للقضاء على الجرذان التي غزت بيوتهم وعضّت أبناءهم بعد أن سقط الفناء وتصدعت قنوات الصرف الصحي التي باتت تصب فيها. الغريب في الأمر أن تلك البنايات لا يتمكن أغلب العائلات الدخول من الباب بل تستعمل ثقبا أحدثوه في مطبخ ليتسنى لهم الدخول الى بيوتهم او استعمال السلم الذي استعاروه من البلدية للدخول عبر النافذة. وكم كانت دهشتنا عندما أدركنا أن العجائز والمعوقين يستعملون الطريقة ذاتها، الأمر الذي اثأر حفيظتنا وجعلنا نطرح عدة أسئلة على المسؤول عن هذه الوضعية، وهل أرواح الناس باتت عملة للمتاجرة بها في الحملات الانتخابية؟ وهل من إجراءات متخذة لتجنب ما لا تحمد عقباه؟ الطابق الأراضي بات مصبا لقنوات الصرف الصحي مشكل سكان حي دريش بوعكاز ببلدية الحراش ظاهرة بؤس فريدة من نوعها، حيث يحس المتجول بحركية تنموية كارثية، أفرزت ألوانا من العزلة والحرمان والتهميش، ورغم ذلك رفض سكان الحي الخروج إلى الشارع للاحتجاج بطريقة سلمية، مفضلين الانتظار ومناشدة السلطات المعنية بالنظر لمعاناتهم وضرورة التدخل لإنقاذ حياتهم من بناية الموت التي بدأت تتهاوى فوق رؤوسهم وتحرمهم النوم ليلا خوفا من سقوط السقف عليهم وانهيار الأرضية أو حتى سقوط السلالم التي لم تعد تحتمل تحرك السكان عليها. العمارة الواقعة بقلب مدينة الحراش تسكن بها ست عائلات، تحتوي على طابق أرضي بات مصبا للنفايات وفضلات قنوات الصرف الصحي. أما الطابق العلوي فأفراد العائلات الست هناك يحملون الكفن على أيديهم منذ تصنيف العمارة في الخانة الحمراء ومن ضمن المساكن المهددة بالانهيار لقدمها وتآكل جدرانها وأسقفها كغيرها من العمارات الموروثة عن العهد الاستعماري، حيث أكدت العائلات في حديثها ل "البلاد" أن عمارتهم كانت في عهد الاستعمار فندقا أدى قدمها وتسلل الرطوبة إليها إلى تسريع وتيرة انهيار أجزائها، ويتفاقم الوضع شتاء باختراق الأمطار لها وتسربها بين الشقق ما يسرع التأكل ويجعل السكان يعيشون على وقع الانهيارات المتتالية. والأمر سيان في فصل الصيف حيث تشهد انتشارا لا مثيل له للبعوض والجردان بسبب سقوط الفناء من الطابق العلوي الى الطابق الأرضي. وقد طالبوا محدثونا في السياق ذاته بضرورة ترميم سكناتهم التي تشهد أي نوع من الصيانة منذ سنوات عديدة وتعيد بناء الفناء الذي سقط حفاظا على أرواح عائلاتهم التي يرفضون أن تدخل قائمة ضحايا عمارات الموت الأخيرة التي كادت تمتلئ لكثرة الضحايا سواء كانوا موتى أو جرحى. مشيرين إلى أنهم فقدوا الأمل بالعيش في مسكن دون الدعاء بعدم تساقط الأمطار حتى لا يقضوا الليل، يخرجون المياه المتجمعة داخل الغرف، وينعمون بالنوم دون الخوف من عدم النهوض صباحا لسقوط أي جزء من البناية فوق رؤوسهم. واعتبر السكان أن قرار ترحيلهم تأخر كثيرا بالنظر لوضعية العمارة ومعاناتهم المستمرة وخوفهم الدائم على حياتهم، مصرحين بأن جميع الشكاوى المرسلة للجهات المعنية لم تلق الاستجابة ليكرروا النداء ملتمسين تدخل الوالي للقضاء على مشكلة أرقتهم وأثارت الرعب في نفوسهم دون وجود مؤشر على انفراجها قريبا، ليؤكدوا أنهم أصيبوا بالرعب خاصة عند تساقط الأمطار بغزارة حيث يتحول المسكنإلى جحيم حقيقي لتسرب المياه بكثرة من الشقوق والأسقف واضطرارهم إلى قضاء الليل ينتظرون ظهور الضوء لاستحالة النوم مع الخوف من انهيار العمارة، وتحول الغرف إلى مسابح تصلح للسباحة أكثر من النوم والراحة. اهتراء بناياتهم حوّل حياتهم إلى جحيم حقيقي يبدي السكان استياءهم الشديد إزاء جملة المشاكل الكثيرة التي تواجههم في يومياتهم، حيث لا يزال هؤلاء يعيشون حالة من القلق والتوتر الدائم بسبب اهتراء بناياتهم التي يعود إنشاؤها إلى القرن الماضي، ناهيك عن غياب أدنى الهياكل، الأمر الذي حوّل حياتهم إلى جحيم حقيقي، على الرغم من أنهم وجهوا عدة نداءات إلى الجهات المعنية. وحسب تصريحات السكان، فإنّ معاناتهم مع هذه المشاكل بلغت ذروتها، كما اشتكوا من سياسة التهميش المنتهجة من طرف مسؤوليهم فيما يخص ترميم أسقف وجدران، وإعادة بناء الفناء الذي يعرف وضعا كارثيا لأنها لم تشهد ولا مرة عملية ترميم. الأمر الذي يصعب عليهم الخروج من منازلهم. قالت إحدى السيدات في حديثها ل"البلاد" إنّ وضعيتهم الكارثية تعود الى سنوات مضت ولم تلق أية التفاتة من السلطات المعنية سوى الوعود الكاذبة التي بخّرت آمالهم، وأصبحت مخاوفهم من انهيار سكناتهم تقلّ بكثير من الكارثة البيئية التي قد تحصل في أية لحظة نتيجة انفجار دورات المياه جراء الضغط الكبير الذي تسببه قنوات الصرف الصحي للبناية والتي زادها تدهورا تدفق مياه الأمطار القادمة من السطح في فصل الشتاء، بسبب الثقوب التي لحقت بالجدران والأسقف، حيث حولت سكناتهم إلى مصدر حقيقي للأمراض خاصة لدى الأطفال الذين أصيبوا بمختلف الأوبئة، منها الحساسية والأمراض الصدرية وعضات الجرذان وحاولوا في كلّ مرّة إصلاحها، غير أنّ سياسة الترميم لم تعد تفي بالغرض. في حين أكدت عائلة أخرى أنّ المسلك المؤدّي الى تلك السكنات لا يقلّ خطورة عن الوضع الذي شاهدناه داخلها مما أدى إلى إصابة العديد من السكان بكسور، كما أكدوا أن معاناتهم متواصلة طيلة السنة، شتاء وصيفا، نتيجة عدم ملاءمة ظروف عيشهم مع متطلبات الواقع. وحتى وإن اختلفت العائلات في المدة التي عاشوها بهذه البناية إلا أنهم يتقاسمون جميعا معاناة واحدة يميزها انعدام شروط الحياة، فلا قنوات صرف المياه ولا منازل ملائمة، والمعاناة متواصلة منذ سنوات.