جرت العادة في وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، أن نعيد اجترار أحداث السنة مع حلول نهايتها، والمؤلم في هذه الحكاية السنوية أن فصولها تتكرر بنفس التفاصيل وكأننا نعيد أحداث سنة واحدة فقط. من شرق البلاد العربية والإسلامية إلى غربها، ومن شمال الكرة الأرضية إلى جنوبها، يبقى الفقر جنوبيا والغنى شماليا، ويبقى الاستعمار غربيا والمستعبد شرقيا ...يحدث هذا على الأقل في تاريخنا الحديث. المؤلم أن عالمنا العربي ومنذ بدأنا نعي خطورة الأرقام وأهميتها يعرف انحدارا واضحا في منحنيات تنميته وارتفاعا جنونيا في مؤشرات تخلفه، سواء ارتفع سعر النفط أو انخفض، عاش العالم أزمة أو انتعش..لا تغيير نحو الأفضل ..حتى الديكتاتوريات تسوء في تعاملها مع الشعوب من يوم لآخر. ديكتاتوريات السبعينيات والستينيات كانت لها كرامة أما جملوكيات التسعينيات والألفية الجديدة فهي أسوأ نماذج الحكم في العالم داخليا وأكثر الأنظمة خضوعا للخارج. ماذا لو شرحنا واقعنا العربي على كافة الأصعدة؟ سياسيا، اقتصاديا، ثقافيا، صحيا... من أين نبدأ ؟ سياسيا مثلا، تقرير الأممالمتحدة للتنمية البشرية العربية للعام 2009 كافيا لمعرفة موقع الإنسان العربي كمواطن تحت حكم أنظمة عربية يعرف الجميع بل ويشهد العالم على بشاعتها. ونقرأ في خلاصة نشرتها وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 21 جويلية 2009 مايلي: التقرير الذي وقع في 288 صفحة ذكر أنه ''في أعقاب أحداث 11 سبتمبر2001 أصدرت معظم البلدان العربية قوانين لمكافحة الإرهاب تقوم على تعريف فضفاض لمفهوم ''الإرهاب''. ومنحت هذه القوانين الأجهزة الأمنية في الدولة صلاحية واسعة في بعض المجالات التي تشكل تهديدا للحريات الأساسية في مواضيع أخرى''، أضاف التقرير الذي جاء تحت عنوان ''تحديات أمن الإنسان في البلدان العربية'' ''تمارس أجهزة الدولة انتهاكها حقوق المواطنين في الحياة والحرية من خلال التعذيب والاحتجاز غير القانوني. ودوّنت المنظمة العربية لحقوق الإنسان أمثلة على ممارسات التعذيب في ثماني دول عربية بين العامين 2006 و.''2008 لكن التقرير لم يسم هذه الدول. ويعد التقرير الحلقة الخامسة في سلسلة تقارير التنمية البشرية التي يرعاها برنامج الأممالمتحدة الإنمائي ويضعها باحثون عرب ودوليون من وجهة نظر مستقبلية.. وتطرق تقرير التنمية البشرية إلى مسألة العنف ضد النساء، حيث دعا البلدان العربية إلى سن القوانين الكفيلة بحظر زواج الفتيات قبل بلوغهن سن الرشد أي الثامن عشرة. وأفاد التقرير بأن هناك 65 مليون عربي يعيشون في حالة فقر، مشيرا إلى أن البطالة تعد من المصادر الرئيسية لانعدام الأمن الاقتصادي في معظم البلدان العربية. وقال إن معدلات الفقر العام تتراوح بين 28.6 في المائة و30 في المائة في لبنان وسوريا في حدها الأدنى ونحو 59.9 في المائة في حدها الأعلى في اليمن ونحو41 في المائة في مصر. وحسب التقرير فإن معدلات البطالة المحلية تتفاوت بدرجة ملموسة بين بلد وآخر، إذ تتراوح بين 2 في المائة في قطر والكويت ونحو 22 في المائة في موريتانيا غير أن البطالة في أوساط الشباب تمثل في كل الأحوال تحديا جديا مشتركا في العديد من البلدان العربية. وأوضح التقرير أن اتجاهات البطالة ومعدلات نمو السكان تشير إلى أن البلدان العربية ستحتاج بحلول العام 2020 إلى 51 مليون فرصة عمل جديدة... ويبلغ معدل البطالة بين الشباب في العالم العربي ما يقرب من ضعف ما هو عليه في العالم بأسره. ووفقا لتقرير التنمية البشرية فإنه غالبا ما تنعكس البطالة بصورة غير متوازنة على الإناث فمعدلات البطالة بين النساء في البلدان العربية أعلى منها بين الرجال وهي من المعدلات الأعلى في العالم أجمع. ودعا التقرير الدول العربية إلى التركيز على إعادة هيكلة النظام التربوي التعليمي من أجل سد فجوات المهارة. أما بشأن التقلبات المناخية فقال تقرير الأممالمتحدة إن المنطقة ''توشك أن تقع ضحية مباشرة لتغيير المناخ'' وتحدث عن ندرة المياه في البلدان العربية مشيرا إلى مخاطر التصحر والضغوط البيئية التي تهدد أمن الإنسان. انتهى ملخص رويترز حول تقرير الأممالمتحدة للتنمية البشرية للعام ,2009 الأبرز ونحن نتحدث هذا العام عن خطر أنفلونزا الخنازير حري بنا التمعن جيدا في الفصل الخاص بالأمن الصحي في الوطن العربي ضمن تقرير التنمية البشرية في العالم العربي وفي عرض نشرته قناة الجزيرة الإخبارية على موقعها بتاريخ 13 أوت 2009 نقرأ مايلي : (يركز التقريرئعلى ضعف الإمكانات الصحية في البلدان العربية، والتركيز على الطب العلاجي، إلا أن الظاهرة الخطيرةئهي اتساع رقعة عدد المصابين بمرض نقص المناعة ''الإيدز'' وخاصة بين النساء، والمفجع أن المرض أكثر انتشاراً في البلدان الأشد فقراً وبخاصة السودان الذي يستحوذ على العدد الأكبر من المصابين بهذا المرض. فحسب بيانات عام 2007 بلغ عدد المصابين بالإيدز في المنطقة العربية 435 ألفا، يوجد بالسودان منهم ما نسبته %73.5). ألم يكشف تقرير المعرفة في العالم العربي لسنة 2009 عن صورة بائسة تؤكد أن ثلت العرب الكبار عاجزون عن الكتابة والقراءة وأن 60 مليون عربي أمي ثلثهم من النساء وأن 9 مليون طفل عربي في عمر التمدرس خارج مقاعد الدراسة، مع الإشارة إلى أن التقرير أصدرته مؤسسة محمد بن راشد آل المكتوم بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة للتنمية. وفي موضوع ذو صلة مع مستوى الجهود العربية في إثراء محتوى الانترنيت بالعربية تمت مناقشته في كثير من المناسبات بين مختصين في العالم العربي ومنظمة اليونسكو ولحد الساعة لم نصل إلى أقل من ثلث المحتوى بلغات أخرى كالفرنسية أو الإنجليزية.. والمؤسف أن أدوات الشبكة العنكبوتية بيد الآخرين ويكفي أن نرى ما يفعله محرك ''غوغل'' أو ''ياهو'' وموقع ''اليوتيب'' و''الفيس بوك'' بمقدساتنا وثوابتنا ومعتقداتنا وقضايانا.. أما التقرير الثاني للتنمية الثقافية الذي تصدره مؤسّسة الفكر العربي للعام الثاني على التوالي فقد كشف عن وجود 203 ملايين خط هاتفي (بين محمول وثابت)، ويستخدم 55 مليون شخص الإنترنت بصورة أو بأخرى، ويملك عشرة من كل مائة عربي جهاز كمبيوتر...أما الأخطر فهو تأكيد التقرير على تراجع الدور المعرفي للجامعات العربية وضعف الملتقيات والمنتديات الفكرية التي تحتضنها. بعد هذه الإطلالة على الملامح الحقيقية لأحداث 2009 والمؤشرات العملية المدروسة التي وضعها بين أيدينا نخبة من الباحثين والمفكرين مفروض علينا أن نحتكم لرأي الخبراء والعقلاء لا إلى عواطف مرحلية لا تمثلئ حقيقة الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي نعيشه بل والرياضي أيضا مادمنا نعيش على وقع ضربات أرجل اللاعبين هذه الأيام. في النهاية أحب أن أكشف سرا خاصا فقد كنت أود الكتابة عن أحداث سنة 2009 ونحن نودعها..فكرت مليا وخطيت عنوانا مثيرا من عدوان إسرائيل على غزة إلى عدوان الفراعنة على الجزائر..كتبت أكثر من فقرة حول الموضوع وفي النهاية قررت أن أتجاوز هذا الألم العربي..الخطأ العربي الذي يتكرر دوما..ألم تتسبب فيه حسابات الأنظمة الفاشلة التي تسعى لاستغلال مشاعر الشعوب من أجل تصفية حساباتها الضيقة وهي ممارسات غير أخلاقية ذقنا مرارتها طيلة الأسابيع الماضية عندما قام نظام عربي بتعليب أفكار العداوة ضد الجزائر شعبا ودولة وتاريخا ويكفي أن نرى هذه الأيام وبألم نفس النظام العربي يحاصر إخوتنا في غزة بواسطة جدار برلين العربي من أجل حفنة من الدولارات.. وبعد كل هذا علينا في الجزائر أن نبكي من أجل مصر التي حولوها إلى مرتزق يصطاد المقاومة في البلاد العربية.. وأن نبكي عالمنا العربي الذي يعيش الوهم معتقدا أنه الواقع، ثم يعلبه للجماهير على أنه النصر، وكل عام ونحن نقاوم.