"صاحب السيڤار"... "أبو الإصلاحات"... "وابن السيستام"... هي جميعها تسميات وألقاب ألصقت بهذا الرجل الذي يداعب اليوم سبعين سنة من العمر والذي أثار كثيرا من الجدل في الساحة السياسية مباشرة بعد إقرار الانفتاح السياسي... هو مولود حمروش الذي جاء من هناك، من مديرية التشريفات برئاسة الجمهورية على عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، ليتحول إلى أكبر مهندس لنهضة إصلاحية كانت تهدف إلى إعادة تركيب البنى التحتية لنظام سياسي فاتر ومتآكل لم يكن بمقدوره الاستجابة لمتطلبات عصر جديد فرضته انتفاضة 1988... لكن كل ذلك كان مجرد أضغاث أحلام عند هذا السياسي المخضرم الذي لم يكن يعتقد، ربما، أن معارضيه الأوائل سيكونون من نفس النظام الذي كان يمثله "صوريا" وليس من الشارع الذي كان ينضح بشعارات حزب الفيس المحل وبأزمة اجتماعية واقتصادية جد معقدة. يحظى مولود حمروش باحترام كبير عند عائلة الأسرة الثورية، على خلفية واحدة أن أغلب أفراد عائلته كانوا من الملتحقين الأوائل بالثورة التحريرية على مستوى ولاية قسنطينة، فوالده شهيد وأمه حسبما تؤكده العديد من الشهادات واحدة من المناضلات المعروفات بشكل واسع بالجهة الشرقية... وهي نفسها البيئة التي جعلت من مولود حمروش يرتبط باكرا بثورة الجزائريين، فانضم إليها وعمره لم يكن يبلغ 15 سنة. وتقول واحدة من الشهادات المتواترة عن حياة رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش إنه كلف من طرف مجموعة من الفدائيين في سنة 1958 بوضع قنبلة بإحدى المقاهي بولاية قسنطينة بعدما تم اكتشاف أسماء العديد من الأعضاء في المنظمة المدنية لحزب جبهة التحرير بعاصمة الشرق الجزائري، إلا أن مغامرته البطولية هذه باءت بالفشل، حيث لم ينجح في مهمته بعدما اكتشف أمره البوليس الفرنسي، وصار محل مطاردة واسعة في شتى مناطق وأحياء وقرى مدينة قسنطينة، في حملة كان عنوانها البارز "البحث عن طفل أسمر نحيف"، قبل أن يتدخل مسؤولو الأفلان وقتها ويقروا بتهريب هذا الفتى نحو تونس وبالضبط بالقاعدة الشرقية، وتحكي العديد من المصادر أن عددا كبيرا من الضباط من رفضوا التحاقه بالقاعدة بسبب عدة اعتبارات أهمها صغر سنه، وحتى قده النحيف الذي جعل من مولود عنصرا لا يمكن الاعتماد عليه في عملية عسكرية أو تدريب مشابه... لكن وسطاء تدخلوا وكانت لهم الكلمة في قبوله ضمن عناصر جيش التحرير الوطني. في قاموس هذا الرجل التاريخي لا توجد معطيات كثيرة تتعلق بمرحلة تواجده بالقاعدة الشرقية إلا كونه خضع للعديد من التدريبات حتى حصل على رتبة ضابط بعد الاستقلال الوطني، فكانت هذه الرتبة كفيلة بأن تفتح له شهية أخرى يخوض بها مسارا جديدا في جزائر ما بعد الاستقلال، خاصة في سنة 1966، عندما التقى بالرئيس هواري بومدين صدفة وطلب منه الالتحاق برئاسة الجمهورية، لكن ليس في مهمة عسكرية تناسب تكوينه القاعدي واندفاعه الثوري، بل نحو المديرية التشريعية التي كان يرأسها عبد المجيد علاهم، وكان مولود حمروش تلميذا له طوال هذه الفترة . قبل أن يتقرر إرساله إلى مدرسة التشريفات بإنجلترا ليتزود أكثر من علوم التشريفات وفنون البروتوكولات، فضرب عصفورين بحجر واحد، حيث تعلم اللغة الإنجليزية وهضم قواعدها، وأيضا فعل نفس الشيء مع علوم التشريفات. وبعد عودته إلى الجزائر في سنة 1968، واصل مولود حمروش مهامه بنفس المديرية على مستوى رئاسة الجمهورية حتى أصبح مسؤولها الأول بعدما تعيين عبد المجيد علاهم كوزير للسياحة، وصارت صورته مربوطة منذ ذلك الحين بالرئيس الراحل هواري بومدين، لكن قليلا من الجزائريين من كان يعرف من هذا الشخص الذي يظهر دوما بجانب الرئيس، قبل أن تختفي صورته بالكامل بعد وفاة الأخير في نهاية 1978 إلى غاية أن ظهر مرة أخرى في ثاني حكومة تشكل بعد انتفاضة 1988. بين هاتين الفترتين... وفاة الرئيس هواري بومدين وعودته إلى الواجهة، قضى مولود حمروش مرحلة جديدة من سيرته، حيث شغل في بداية الأمر وفي سنة 1982 تحديدا، منصب الأمين العام للحكومة، ثم أمينا عاما لرئاسة الجمهورية وهي مرحلة يقول عنه عارفون بتاريخ أبي الإصلاحات السياسية في الجزائر، أنه تولى خلالها إدارة العديد من الملفات السياسية تخص الشق الاقتصادي وأخرى سياسية متعلقة بكيفية تحضير الساحة لما بعد 1988، إلى أن عينه الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد في منصب رئيس حكومة... حكومة كانت تختلف كثيرا عن سابقاتها بالنظر إلى الجرأة الكبيرة التي ظهرت بها وبنوعية الإصلاحات التي حملتها وأيضا بنوعية التحديات التي فرضت عليها، خاصة أن الأمر كان يتعلق بغول اسمه الفيس، وكان حريا بالنظام السياسي وقتها أن يكون بديلا لهذا الغول، فمنحت لحكومة مولود حمروش العديد من الصلاحيات ليعيد ثقة الشعب الجزائري في هذا النظام السياسي الذي حاول أن يبقي سيطرته على الوضع. ويقول العديد من المختصين إن الإصلاحات التي جاءت بها حكومة مولود حمروش كانت إيذانا بدخوله في العديد من الصراعات مع أطراف نافذة في السلطة، رأت فيما كان يقوم به المسؤول الأول عن التشريفات في عهد الرئيس هواري بومدين انتقاصا من هيبتهم في الساحة السياسية، خاصة لما أقر مولود حمروش مجموعة من التعديلات فيما يتعلق بإلغاء التحقيقات الأمنية حول الإطارات السامية في الدولة والاكتفاء فقط بما تحمله صحيفة السوابق العدلية عن كل مسؤول، ناهيك عن مواقفه السياسية التي جعلت منه شخصا منفتحا على التيار الإسلامي، خاصة في طريقة حواره لشيوخ الفيس، ونفس الأمر أيضا مع ممثلي التيار الديمقراطي... وهي جميعها وضعيات جعلت مولود حمروش يفقد وزنه بشكل تدريجي عند مسؤولين نافذين في السلطة قرروا كبح جماح مشروعه الإصلاحي وإقرار مشروع آخر.