ثالوث "لا ماء، لا طرقات ولا مرافق" يقتل حياة ساكنيها يتجرع سكان أزيد من 20 قرية تابعة لبلدية بوسلام الواقعة شمال ولاية سطيف مراراة المشاكل المتعددة التي عكرت يومياتهم، بحكم العزلة القاتلة المضروبة عليهم، إلى جانب انعدام أدنى شروط الحياة، الأمر الذي حول هذه القرى إلى مجمعات سكانية شبه مهجورة، لا تصلح فيها الحياة رغم الإمكانيات الطبيعية الهائلة والطاقات الاستثمارية التي تتوفر عليها المنطقة، خاصة في مجال الفلاحة التي تبقى في نقطة الصفر. تبعد هذه القرى بحوالي 80 كلم عن عاصمة الولاية باتجاه الشمال، وتتربع على مساحة معتبرة، وتتميز شبكة الطرقات بها بوعورتها وعدم صلاحيتها، بسبب تواجد التجمعات السكانية المتفرقة على سفوح الجبال والمرتفعات، أغلبها عبارة عن مجرد مسالك جبلية وعرة غير صالحة للاستعمال لتتعقد وضعيتها أكثر في موسم الشتاء، حيث تتوحل الممرات الترابية ويصعب على وسائل النقل قطعها لتبقى الجرارات من بين الوسائل الصالحة لمثل هذه الطرقات، وتخلف هذه الوضعية مشاكل عويصة لتلاميذ المدارس الذين يتنقلون يوميا إلى مدارسهم متأخرين، خاصة مع رفض أصحاب سيارات الفرود استعمال مثل هذه المسالك مما يجبر هؤلاء على قطع كسافات طويلة مشيا على الأقدام للالتحاق بمقاعد الدراسة. ويعاني سكان قرى "حلية"، "عونة"، "بني بورمان" "حوثرة" وغيرها العزلة التامة من المحيط الخارجي في غياب الكهرباء والشبكة الهاتفية التي تحرم المواطنين من الاتصال بذويهم. إلى جانب هذا يعاني سكان هذه القرى من الانعدام التام لأي معلم إداري أو حتى فروع لها تمكن السكان من استخراج الوثائق الإدارية اللازمة. وهنا تبدأ معاناة السكان في البحث عن وسيلة نقل جماعي تنقلهم إلى عاصمة البلدية التي لم تختلف هي الأخرى في وضعها عن هذه القرى. ويعتمد سكان المنطقة على الفلاحة بالدرجة الأولى، وتأتي زراعة الزيتون والتين إلى جانب الحبوب كالقمح الصلب والشعير في مقدمة المزروعات، كما يوجد بها غطاء نباتي هام يتطلب توفير آبار مائية. ورغم مجهودات مسؤولي البلدية في هذا الإطار، غير أن هذا المشكل يبقى يشكل عائقا في تطوير الفلاحة في هذه المنطقة التي تعتبر منتجة لمختلف المنتوجات، بالإضافة إلى الثروة الحيوانية، ويستعمل فلاحو قريتي "حلية" و"عين دكار" بعض الحواجز المائية والبرك لسقي أراضيهم التي تعتبر موردا رئيسيا للنهوض بقطاع الفلاحة وتوفير مناصب شغل للبطالين بهذه القرى المعزولة عن العالم، بسبب همجية الجماعات المسلحة التي هجّرت سكان المنطقة من أراضيهم خلال العشرية السوداء. الغريب في الأمر أن أهالي القرى المذكورة يعانون العطش الدائم، رغم توفرها على ثروة مائية هائلة. وفي هذا الشأن أكدت المصالح البلدية ل"البلاد" أن المنطقة قد أدرجت ضمن التجمعات السكانية الكبرى، من أجل ربط سكناتها بمياه الشرب والكهرباء والغاز الطبيعي، وذلك من أجل استقرار سكان الأرياف. كما أدرجت البلدية برنامج تهيئة الطرقات بهذه المنطقة المحرومة من مختلف البرامج التنموية الكبرى. وأكد الرئيس الجديد للمجلس الشعبي البلدي أن الأنظار ستوجه خلال الأيام القادمة إلى هذه القرية الثائرة التي شهدت إحدى أهم المعارك خلال الثورة وقدمت في سنة 1958 أزيد من 70 شهيدا من خيرة رجالها في يوم واحد في عملية إبادة جماعية شنها المستعمر على قرية "حلية"، لذا فإن نصيب سكانها من التنمية سيكون من بين الأولويات التي سيعمل المجلس الجديد على تحقيقها.