"شباط" بوق المخزن لاستفزاز الجزائر مخطئ من يعتقد أن الحملة التي تشنها المغرب ضد الجزائر على مدار عقود طويلة سببها قضية الصحراء الغربية، فقد بدأت أولى بوادر التحرشات المخزنية بالجزائر مع السنة الأولى التي تلت الاستقلال، ففي شهر أكتوبر من عام 1963، وبينما كانت بلادنا تخطو بصعوبة أولى مراحل البناء والتشييد من الدمار الاستعماري، اختار الجار الغربي الشقيق أن ينفذ اعتداء على السيادة الوطنية، لكن الرد الصارم من الجيش الوطني الشعبي رغم قلة إمكانياته آنذاك استطاع أن يرد الاعتداء بفضل الروح الثورية التي كانت لا تزال متقدة في أفراده. ليستمر بعده استفزاز المغرب الذي مارس من الحين للآخر اعتداءات ضد السيادة الجزائرية مجبرا الجيش الوطني الشعبي على الرد في كل مرة، الى أن بدأت قضية الصحراء الغربية بانسحاب الاحتلال الإسباني منها عام 1975، ليحاول بعدها المغرب فرض نفسه كقوة احتلال أخرى في هذا الاقليم الذي لم يطالب به عندما نال استقاله عن فرنسا عام 1956، مما دفع بالجزائر التي بذلت تضحيات جساما في سبيل تحررها تدافع عن قضية هذا الشعب المناضل في سبيل دولته المستقلة، الأمر الذي جعلها عرضة لحملات دائمة من طرف المخزن. ليمر بعدها التحرش المغربي بمحطة فارقة عندما استغل حصول هجوم إرهابي في مراكش عام 1994 الذي استهدف فندق "أطلس آسني"، ليدخل اسم الجزائر فيه محاولا استثماره في حملاته ضدها، ووصل به الأمر الى حد الاعلان عن فرض تأشيرة على الجزائريين، مدخلا بذلك العلاقات بين البلدين في دوامة من الأزمات.ولكن رغم ذلك بقي خط التواصل موجودا بين البلدين مع بقاء التمثيل الدبلوماسي عالي المستوى قائما بينهما، وحتى زيارة العاهل المغربي للجزائر في عام 2003، وهي الخطوة التي عقدت عليها آمال كبيرة في عودة الدفء الى العلاقات بينهما. غير أن التصريحات التي يدلي بها مسؤولون رسميون وحزبيون مغاربة كانت دائما تدمر أي بارقة أمل في تطبيع العلاقات، ولعل أخطرها التي جاءت من رئيس حزب الاستقلال الذي كان حينها مشاركا في حكومة عبد الاله بن كيران حميد شباط، خلال انعقاد الدورة الرابعة للمجلس الوطني للحزب الذي طالب بضرورة رفع رئيس الحكومة المغربي شكوى لدى الأممالمتحدة ضد الجزائر، بهدف كما قال استرجاع الأراضي المغربية المغتصبة بالصحراء الشرقية، الى غضب جزائري عارم، عبرت عنه بوضوح قوى سياسية وإعلامية جزائرية عديدة، معتبرة ان مثل هذه التصريحات "الاستفزازية"، هي انتهاك فاضح لكل الأعراف والمواثيق الأممية. إستراتيجية افتعال الأزمات لتغطية الخيبات المخزنية! الى أن جاء موعد الأزمة الأخيرة التي يلاحظ أي مراقب أن الجزائر هي الطرف الذي كانت لديه الأسباب الموضوعية من أجل الاحتجاج وسحب السفير، فقد بدأت من شهور حملة مغربية ضدها من خلال استعمال الكثير من الوسائل وعبر مختلف المنابر.فقد بدأت أولى علامات الحشد المغربي ضد الجزائر مع تصريحات وزير سياحته ي لحسن حداد في بروكسيل أثناء جلسة تناولت مسألة التعاون جنوب جنوب، حيث اعتبر أنه لا يمكن الحديث عن اندماج كآلية هامة للتعاون جنوب جنوب دون فتح الحدود ودون حرية تنقل الأشخاص والسلع، ملمحا إلى الوضع المغلق الذي تعيشه حدود المغرب البرية الشرقية مع الجزائر، التي اعتبر أنها "المعرقل" الأكبر في مسيرة الاتحاد المغاربي. ليرد عليه وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة في مؤتمر صحفي مع نظيره البوركينابي بكل هدوء وثقة قائلا "إن الجزائر ترى أن مسار الاتحاد المغاربي هو فوق كل نقاش هنا وهناك". لكن هذا الرد الجزائري الذي كان هادئا ومتزنا لم يعجب المخزن الذي كان يسعى للتصعيد بكل السبل، ليختار طريقة جد خطيرة بأن سمح لجنوده باختراق الحدود الغربية للجزائر، مما جعل الجيش الوطني الشعبي يتدخل لحماية السيادة الترابية الوطنية وتعزيز تواجده على الحدود من أجل إعطاء رسالة للطرف المغربي بأن أي اختراق آخر ستكون له عواقب. ليستمر بعد الترصد المغربي للجزائر، حيث اختار فجأة أن يرسل وزير خارجيته في جولة عبر دول الساحل تتزامن مع الجولة التي تمت جدولتها منذ مدة لنظيره الجزائري رمطان لعمامرة، وهو ما فهمه الكثير من المراقبين أنه محاولة للتشويش على الجهود التي يقوم بها هذا الوجه الدبلوماسي المعروف بعلاقاته وخبرته على الساحة الإفريقية والذي توجست منه الرباط خيفة بعد تعيينه في التعديل الوزاري الأخير. لكن الرباط استشعرت أن حملتها التشويشية ضد زيارة لعمامرة الى دول الساحل لم تفلح بعدما عاد الى الجزائر وبحوزته تفاهمات واتفاقيات مهمة مع دول المنطقة، ضربت الأحلام المخزنية بإيجاد موطئ قدم منافس في الساحل. وهو ما دفعه الى افتعال أزمات تغطي على خيباته المتوالية أمام الدبلوماسية الجزائرية التي عرفت نفسا جديدا مع الوزير الجديد، ووجد ضالته في رسالة وجهها رئيس الجمهورية الى قمة في العاصمة النيجيرية أبوجا أعاد فيها موقف الجزائر الثابت منذ عقود، حيث قام بسحب سفيره من الجزائر، في خطوة "غير مبررة" ومعرقلة لمسار الوحدة المغاربية، مثلما وصفه بيان وزارة الخارجية.