يتجه النقاش السياسي في بلادنا صوب الحكمة السياسية برموزها الذين يشكلون جيلا مخضرما تفتقده البلاد، وهذا بعد أسابيع من اللغط والملاسنات التي أثقلت كاهل الجزائريين وأصابتهم بالتخمة. في رسالة موجهة للرأي العام والسلطة والطبقة السياسية ركز رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش على بناء المؤسسات الوطنية وتماسكها، مثلما شدد على وحدتها ودورها المنوط بها وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية. حمروش الذي ترشح لرئاسيات أفريل 1999 قبل أن ينسحب رفقة 6 مترشحين في مقدمتهم آيت أحمد وجاب الله ومقداد سيفي عشية الاقتراع الرئاسي، اختفى عن الأضواء وفضل حياة الظل والمناسبات غير السياسية. ورغم أنه لم يبد أي اهتمام بالترشح لرئاسيات 17 أفريل القادم، فمن الواضح جدا أن صاحب الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي أعقبت دستور فيفري 1989، أراد تسجيل حضور جيل سياسي مخضرم تفتقده الساحة السياسية اليوم، بعدما امتلأ الفضاء السياسي والحزبي بأصوات تفتقد الحكمة والتأني والرزانة والتعقل. وتبرز شروط حمروش التي ذكرها في رسالته الموجهة على ما يبدو إلى كل من يهمه الأمر، رؤية جيل سياسي يملك خبرة واسعة في تقييم المخاطر والتعامل معها. وبالمناسبة أن حمروش أطلق مجالا واسعا لقيادات سابقة وشخصيات سياسية بارزة مازالت تلتزم الصمت وترفض المشاركة في النقاش الوطني الفعّال بعيدا عن تصفية الحسابات، حيث نأى حمروش بنفسه عن كل خلاف حاصل حيث لم يتجنب إبداء موقفه من الرئيس أو خصومه ومعارضيه، على خلفية موضع صاحب المرادية وموقفه من الرئاسيات المقبلة. حمروش وضع أطارا سياسيا، أو اقترح خارطة طريق تسمح بتجاوز بلادنا هذه الفترة الحساسة، وفي مقدمة تماسك المؤسسات، ودون أن يتجاهل انتماءه السابق للمؤسسة العسكرية ولسرايا النظام يقول حمروش إنه بفضل الجيش الوطني الشعبي: "تم استعادة هويتنا الجزائرية ومشروعنا الوطني". وهذا الموقف الذي يدخل في سياق ضباط الصف الوطني ووقف أي هجمة يمكن أن يسعى أصحابها للنيل من المؤسسات الوطنية التي تشكل رموزا من رموز السيادة بحكم دستوريتها ومشروعيتها التاريخية والشعبية. ولا يرى حمروش من خلال رسالته عجزا في الخروج من هذه المرحلة التي وصفها بالحساسة، بل بالعكس، فبالنسبة لأحد المسيرين والسياسيين الذين عايشوا فترات خطيرة من تاريخ الجزائر المستقلة، يمكن أن يحدث ذلك بواسطة إجماع وطني على أن يلتزم كل طرف بدوره ومهامه، ويتحمل مسؤولياته تجاه المجمتع بالعمل على بناء الدولة الحديثة ومواصلة العملية الديموقراطية وضمان حقوق الأقليات ولكل أزمة ضحاياها وفرصها يقول مولود حمروش.. الذي دشّن أول خروج للشخصيات الوطنية ذات الفعالية السياسية.