دخل لبنان بعد منتصف ليلة أول أمس حال الفراغ في سدة الرئاسة مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان الذي غادر ظهر أمس قصر بعبدا دون أن يسلمها لخلف، وذلك بعد أن عجز مجلس النواب عن انتخاب رئيس بسبب عمق الانقسامات السياسية. وبموجب الدستور، تتولى الحكومة الحالية برئاسة تمام سلام "مجتمعة" صلاحيات رئيس الجمهورية في انتظار انتخاب رئيس جديد، وهو أمر يصعب التكهن بموعده. وكان النواب اللبنانيون قد أخفقوا وعلى مدار خمس جلسات خلال الشهرين الماضيين في انتخاب رئيس توافقي للبلاد بسبب فشل الفرقاء السياسيين في التوصل إلى ترشيح شخصية توافقية. وأهاب سليمان في خطاب الوداع الذي ألقاه قبيل مغادرة القصر الرئاسي بأعضاء المجلس النيابي إنجاز الاستحقاق الرئاسي دون إبطاء، وقال إن التباعد بين اللبنانيين لم يكن يوما إلا نتيجة التأثيرات الخارجية. كما دعا الوزراء والمرجعيات إلى مساعدة ومؤازرة رئيس الحكومة تمام سلام للحفاظ على البلاد، مشيرا إلى أنه اقترح على هيئة الحوار الوطني تصورا وطنيا للإستراتيجية الدفاعية. ويعزو المراقبون أسباب الفشل إلى الانقسام الحاد داخل المجلس والبلاد عموما بين مجموعتين سياسيتين أساسيتين هما قوى 14 آذار المناهضة للنظام السوري وأبرز أركانها كتلة المستقبل بزعامة رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري والزعيم المسيحي الماروني سمير جعجع, وقوى 8 آذار التي من أبرز مكوناتها حزب الله الشيعي والزعيم المسيحي الماروني ميشال عون. ولا تملك أي واحدة من القوتين الأغلبية المطلقة في البرلمان لوجود كتلة ثالثة مؤلفة من تيارات وسطية وبعض المستقلين. ويذكر أنه بموجب نظام تقاسم السلطة المعتمد في لبنان، يجب أن يكون رئيس الجمهورية مسيحيا من الطائفة المارونية، ورئيس الحكومة مسلما سنيا، ورئيس مجلس النواب مسلما شيعيا. ومن جانبها، أعربت بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان عن "أسفها لعدم توصل المشاورات النيابية إلى انتخاب رئيس للجمهورية"، داعية في بيان بعد منتصف الليل المسؤولين إلى انتخاب رئيس "دون المزيد من التأخير". وفي هذا السياق، دعا سعد الحريري في بيان "إلى وجوب التعامل مع شغور موقع رئاسة الجمهورية وللمرة الثانية بعد انتهاء ولايتين متعاقبتين باعتباره خطرا جديا يهدد سلامة النظام الديمقراطي، ويجعل من الرئاسة الأولى هدفا للابتزاز الدائم بالفراغ والوقوع في المجهول"، محذرا من "مخاطر إبقاء الموقع المسيحي الأول في نظامنا السياسي شاغرا". وتتهم قوى 14 آذار فريق حزب الله بالتعطيل لأن نوابه وحلفاءه امتنعوا عن حضور جلسات الانتخاب وبالتالي عدم تأمين النصاب المطلوب. من ناحية أخرى، دعا نواب تلك القوى زملاءهم من الطرف الآخر إلى "الالتزام بموجبات وكالتهم الدستورية من خلال الحضور إلى المجلس النيابي وانتخاب رئيس جديد للجمهورية". واعتبروا في بيان تلوه من مجلس النواب أن "الفريق الآخر أراد لهذا الاستحقاق أن يكون مناسبة للإطاحة بالديمقراطية والميثاقية"، باشتراط التوافق مسبقا على اسم الرئيس قبل تأمين نصاب الجلسات. وكان رئيس كتلة حزب الله النيابية محمد رعد أكد قبل أيام "أنه لن يصل إلى كرسي الرئاسة في لبنان إلا من يحرص على المقاومة، حزب الله، وخيارها".