لم يعد للأطفال "الفقراء"، ممن أجبرتهم ظروف العيش الصعبة أي طعم للاحتفال ب "عيدهم العالمي"، الذي يصادف الأول من جوان، فلقمة العيش التي "يجرون" وراءها أنستهم "براءتهم"، وجعلتهم "كبارا" يتحملون المسؤولية وهم "صغار"، وهو ما رصدته "البلاد" في هذا الربورتاج. في اليوم العالمي للطفولة المصادف ل1 جوان من كل عام، سلطت "البلاد"، الضوء على بعض الجوانب التي مازال الطفل أسيرا لها، كالعنف الأسري، التهميش، الاغتصاب الجنسي والعمالة، في غياب الوازع الإنساني وغياب الردع من السلطات الوصية، مما يضاعف من انتشار هذه الظواهر في المجتمع الجزائري ليبقى الطفل يعاني بين مطرقة التهميش وسندان الانحراف. أطفال أقحموا في عالم الشغل عنوة صادفنا "الطفل محمد" صاحب التسع سنوات، بشارع وسط مدينة الجزائر، وهو يقوم ببيع "مساسيك" غطاء الرأس، وحتى نكسب وده اشترينا منه علبة من، ورحنا نسترسل معه في الحديث، قبل أن يفتح قلبه لنا، ليكشف أنه يعيش مع أمه، التي يريد أن يُحسن وضعها ويغير لها حياتها إلى الأحسن، قائلا "سئمت من الفقر، وأريد أن أعيش عيشة كريمة أنا وأمي التي لا أملك سواها في هذه الحياة". وبمحطة تافورة، التقينا "وليد" صاحب 14 سنة الذي يبيع قارورات الماء المعدني، قال لنا "ولدت فقيرا ولا أريد أن أعيش فقيرا". ونحن نتجول في المحطة شاهدنا عدة أطفال يعملون كقابضيين في الحافلات مما دفعنا إلى ركوب إحدى الحافلات المتجهة إلى درڤانة للاقتراب من أحدهم، لكنه لم يرد التحدث خوفا من أننا من مفتشي النقل، وأثناء حديثنا معه سمعنا شخصا وهو يعرفه جيدا وقد أخبرنا أنه يدعى محمد وعمره 15 سنة توفي أبوه وهو في السابعة من عمره، وبعدها أعادت أمه الزواج وهو في التاسعة من عمره وتركته عند جدته المسنة، ومن يومها بدأ يعمل كقابض على متن الحافلات. "أيمن" صاحب العشر سنوات، الذي صادفنا في سوق ساحة الشهداء بالعاصمة يبيع أحذية صيفية خاصة بالصغار، وهو بصدد الشجار مع امرأة كانت قد اشترت منه حذاء، وأبت أن تمسك قطعة نقدية بقيمة 500 دج وطلبت منه أن يبدلها لها، فاغتنمنا الفرصة لتهدئته ومعرفة قصته، أين أخبرنا بأنه دخل عالم الشغل وهو في السابعة من عمره، أين يخرج على الساعة السادسة صباحا وفي بعض الأحيان على الرابعة صباحا من أجل اقتناء السلع والدخول بها إلى السوق لبيعها، فهو يعمل في نهاية الأسبوع والعطل من أجل تحصيل مصروفه الذي عجزت عائلته عن توفيره له، مضيفا بأن أهله هم من يقومون بإعطائه النقود من أجل اقتناء السلع، وفي الأخير قال بأنه غير معني بعيد الطفولة لأن طفولته سرقت منه منذ حوالي ثلاث سنوات. "سفيان" صاحب 13 سنة الذي كان يبيع مآزر المطبخ، كان برفقة صديقه صاحب 15 سنة الذي كان يبيع معه هو الآخر، قال بأنه يعمل لمساعدة عائلته الفقيرة، وحتى لا يطلب منهم مصروفه بل يفضل أن يتحصل عليه من عرق "جبينه"، فقال بأنه يحس نفسه مسؤولا على نفسه وحتى على عائلته التي من المفروض أن تكون هي مسؤولة عنه، قبل أن يتدخل صديقه وقال بأنه يشتغل لكي يشتري السجائر. انتقلنا إلى بن عكنون وهناك التقينا بالطفل "لمين. ع" صاحب 15 سنة يعمل في غسل الكؤوس بأحد المقاهي، ينحدر من ولاية تيبازة، ابن عائلة فقيرة، وقال "الحالة المزرية التي أعيشها أنا وعائلتي جعلتني لا أستطيع الاهتمام بدراستي مع العلم بأنني كنت تلميذا مجتهدا ولكن شعوري بالنقص أمام زملائي جعلني أتوقف عن الدراسة في 12 من عمري، إلى أن نصحني صديق أبي وهو إمام مسجد، منذ ذلك الوقت قررت العمل من أجل مساعدة أبي في توفير حاجيات البيت وحتى يتسنى لإخوتي إكمال دراستهم ولا يكون حالهم مثل حالي. أما "أنس" صاحب 14 سنة فيعمل في غسل الصحون بأحد المطاعم، وهو يعيش مع أمه بعد انفصالها عن أبيه، والتي كانت تعمل كخادمة في المنازل، مما دفعه إلى التوقف عن الدراسة في سن مبكرة والدخول إلى عالم الشغل حتى لا يسمح لأمه بأن تهان في البيوت. بورتريه الفقر واليتم جعلا من محمد عاملا في الثامنة من عمره الطفل "محمد لمين" نموذج حي للأطفال الذين سرقت منهم طفولتهم عنوة، والذي يبلغ من العمر عشر سنوات، يقطن بأولاد موسى بالعاصمة، ويعتبر الطفل الثاني لأمه، يعيش وسط عائلته المتكونة من ستة أفراد، والده توفي منذ سنتين، مما اضطره إلى التخلي عن مقاعد الدراسة في السنة الثالثة ابتدائي، نظرا إلى الظروف المعيشية الصعبة التي واجهتهم، واختار التوجه إلى ميدان العمل رفقة أخته لمياء البالغة من العمر 12 عاما، أخبرنا محمد أن بداية مشواره المهني كانت بيع الخبز الذي تعده والدته على حافة الطريق طيلة سنة بقيمة 30 دج للقطعة، وأضاف أن هناك من كان يشتري الخبز عليه ويترك له الباقي، في حين يوجد بعض الشباب الطائش يقومون بسرقة المال منه فيأخذون ما جمعه في يومه. يواصل محمد سرده لمعاناته مع الشغل، فبعد مرض والدته التي أصبحت عاجزة عن تحضير الخبز، وأمام المسؤولية الملقاة على عاتقه لتوفير حاجيات إخوته الصغار، اضطر إلى البحث عن عمل آخر، فأصبح بائعا متجولا يبيع الماء من حين لآخر بمحطات النقل بالعاصمة وأحيانا أخرى يبيع الجرائد، إذ يقتصر عمله على حساب صاحب المحل الذي يشتغل عنده والذي رفض أن يخبرنا عن مقره. محمد هذا الطفل البريء لا يعرف شيئا عن عيد الطفولة حياته هي الشقاء والعمل، لم يلعب في طفولته كبقية أصدقائه ولم يدرس بالرغم من أنه يهوى الدراسة وكان يحلم بأن يصبح طبيبا، إلا أن أحلامه ذهبت هباء منثورا، بالرغم من صغر سنه إلا أننا بحديثنا معه لبرهة أحسسنا وكأننا نتحدث مع شاب بالغ فهو يعي ما يقوله. رئيس شبكة ندى عبد الرحمن عرعار "18 مليون طفلا في الجزائر تنتهك حقوقهم" يرى رئيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل "ندى" عبد الرحمن عرعار، أن الطفولة مظلومة وحرية الأطفال منعدمة تماما في الجزائر ومساحة التشاور مع الأطفال جد ضيقة خاصة في المدرسة والعائلة، مما يؤدي بالطفل إلى كتم العديد من المشاكل التي تختلجه وتكبر معه لتصبح عقدا في المستقبل وتقتل فيه روح الحوار. وكشف عرعار أنه يوجد 18 مليون طفل في الجزائر، أي ما يمثل ربع الشعب الجزائري، الذي يعتبر ثروة لو تم استثمارها بالشكل الصحيح ستصبو الجزائر مصبً الدول المتقدمة، لكن الواقع عكس ذلك، حيث تغيب المرافق الترفيهية التي يحتاجها الطفل، خاصة المناطق النائية فمعظم المشاريع البنائية تفتقد لمرافق ترفيهية يفجر من خلالها الطفل طاقاته كالمسارح، صالات الرياضة، المكتبات قاعات السينما، الروضات وحتى المساحات الخضراء فيجد الطفل الشارع ملعبا يزاحم فيه السيارات مما يعرض حياته للخطر، كما تغيب المقاييس الجيدة للخدمة العمومية بالنسبة إلى الأطفال وعلى رأسها الصحة، فانعدام المستشفيات الخاصة بالأطفال يعتبر أكبر تعد على حقوق الطفل، الذي يجد نفسه يتضارب شأنه شأن الكبار في مستشفيات تنعدم فيها شروط الصحة وقد يفقد حياته في انتظار موعد للعلاج. ويؤكد عرعار على ضرورة الاهتمام بأطفال الجنوب، الذين يعتبرون فئة مهمشة، فتتضاعف معاناتهم لانعدام مرافق ترفيهية، فيجب النظر جديا في مشاريع مستدامة لأطفال بشار، إليزي، مستغانم، وتبسة وأطفال أقصى الحدود وخلق لهم برامج في العطل خاصة الصيفية تكون متنفسا لهم بعد سنة كاملة من الدراسة. وأكد رئيس شبكة ندى أن هناك تجاوزات كثيرة في حق الأطفال أقلها عدم سماع كلمة الطفل في المحاكم، مع الكبار أو حتى في العائلة. الطبيبة النفسانية "أميرة كمال" "الاضطرابات النفسية لدى الأطفال سببها العنف الأسري والمدرسي" تقول الطبيبة النفسانية "أميرة كمال" التي زارتها "البلاد" في عيادتها، أن العديد من الآباء يحضرون أولادهم من أجل المتابعة بسبب العنف المدرسي، الذي تعرضوا له، مستشهدة بحالات كانت وقتها داخل عيادتها وسط العاصمة، مؤكدة أن حالة "رياض" البالغ من العمر تسع سنوات، هي كرهه الشديد للدراسة والمدرسين، مما جعله يهجر المدرسة بسبب استهزاء زملائه به، بعدما قام مدرسه بخلع سرواله وضربه بالعصا أمام زملائه، مما أدى به إلى الانطواء على نفسه وتأخر نتائجه الدراسية، حيث بدأ يتغيب عن المدرسة يوميا وبعدها قرر ألا يعود نهائيا، ورغم محاولة والديه رفقة العديد من المدرسين إعادته إلا أنه رفض ذلك إلا بعد الخضوع لجلسات نفسية، وقام والداه بتغيير مدرسته، والعديد من الحالات يكون الأستاذ السبب الأول في تدهور الحالة النفسية للطفل، فالعنف قد لا يكون مؤثرا جسديا بقدر ما يكون تأثيره نفسيا كالتفرقة بين التلاميذ مما يخلق لدى الطفل عقدة تمنعه من التطور لاحقا. أما "محمد" فهو شاب يبلغ من العمر 17 سنة، سيقدم على امتحان شهادة البكالوريا، تقول الدكتورة إنه يعاني من اضطراب نفسي شديد ويتزايد مع اقتراب موعد الامتحانات، والسبب هو الضرب الشديد الذي كان يتعرض إليه من طرف والدته عندما يتحصل على نتائج متوسطة في الدراسة، بالإضافة إلى نعته بالفاشل وتمنعه من الخروج خلال العطلة، هذا ما جعله يفقد الثقة في نفسه والشعور بالضعف وبأنه سيرسب في أي امتحان مما يؤثر سلبا على تركيزه وحتى شخصيته. فترى الدكتورة أن التعامل السيء مع الأطفال يؤدي بهم إلى حالات الحزن الشديد، والمتواصل مما يؤدي بهم إلى التعرض لمشكلات نفسية وجسمية تِؤثر على شخصياتهم في المراحل اللاحقة، وعليه يتوجب على الآباء أن يكونوا أكثر وعيا في تربية أولادهم ويجب إحاطتهم بالاهتمام والتفهم خاصة في فترة المراهقة التي تعتبر مرحلة مهمة في تكوين شخصية الإنسان، ليكون لدينا في المستقبل جيل سوي وراكز. محامية لدى مجلس القضاء بالبليدة طابرلي زكية فراغ قانوني "يشجع" زيادة الاعتداءات الجنسية على الأطفال من جهتها، تؤكد طابرلي زكية محامية لدى مجلس القضاء بالبليدة، أن الفراغ القانوني الذي يعرفه قانون الطفل يعود سببه إلى التكتم من طرف ضحايا العنف، خاصة الأولياء، فمعظم الإحصائيات التي تصدر عن الأمن أو الدرك لا تعبر عن النسبة الحقيقية لعدد الأطفال الذين يتعرضون للعنف، فالعديد من الاعتداءات الجنسية لا يتم التبليغ عنها خاصة في القرى والمداشر والمناطق النائية، ويزيد ذلك إذا تعلق الأمر بالبنات فتفضل العائلة التكتم خوفا من الفضيحة، وهذا ما يشجع المعتدي على ارتكاب جرائم أخرى وصلت في بعض الأحيان حد القتل. وتضيف طبرلي أن العقوبة تقدر حسب الفعل المرتكب بين جناية وجنحة وقد تتراوح مدة الحبس بين الخمس والعشر سنوات حسب المادة 334 من قانون العقوبات الجزائري. وفيما يخص الظاهرة التي تزايدت في السنوات الأخيرة ألا وهي سفاح القربى أو ما يعرف بزنا المحارم، تقول طابرلي، بأن المشرع لم يتناولها خاصة في حالة حصول حمل فيصبح هناك ضحيتين الأم والابن والطفل هنا يعيش بدون نسب وبدون هوية. فيما يجهل أطفال الجزائر العميقة مغزى يوم 1 جوان الاحتفالات بعيد الطفولة محصورة فقط بالمدن الكبرى تقتصر الاحتفالات بالعيد العالمي للطفولة بالجزائر على أطفال بعض المدن الكبرى فقط دون سواهم من أطفال الجزائر العميقة، فشتان بين الفاتح جوان بالعاصمة ووهران وقسنطينة... والفاتح جوان بأدرار وإليزي والنعامة وغيرها من المناطق المعزولة بالوطن، لاسيما المداشر والقرى النائية. ككل سنة تحتفل الجزائر بالعيد العالمي للطفولة الذي يصادف الفاتح جوان من كل سنة، لكن للآسف الشديد نفس المشهد نعيشه كل فاتح جوان من خلال اقتصار هذه الاحتفالات على أطفال المدن الكبرى دون غيرهم من القرى والمداشر وحتى بعض الولايات المعزولة، وهذا ما يعكس السياسة التي تنتهجها الدولة الجزائرية وخاصة الجهات الوصية من وزارة التضامن الى وزارة العمل الى وزارة الرياضة وانتهاء بوزارة التربية التي تركز كل أنشطتها بهذا العيد بالعاصمة ووهران وقسنطينة وعنابة وتلمسان وغيرها من المدن الكبرى... في حين تبقى الشريحة الكبرى من أطفال الجزائر العميقة لا تعلم حتى بوجود حدث يطلق عليه "عيد الطفولة". فرغم المجهودات التي تقوم بها الدولة في مجال حقوق الأطفال وخاصة للقضاء على عمالة الأطفال، إلا أن ما نشاهده يوميا في شوارعنا من صور لأطفال يستغلون أبشع استغلال في الطرقات والأرصفة والحافلات والتسول... دون الغوص في بعض الملفات السوداء مثل الاغتصاب والاختطاف والقتل. وغيرها من الجرائم البشعة التي باتت ترتكب في حق الطفل الجزائري خلال السنوات الأخيرة. إن ارتفاع معدل عمالة الطفولة في الجزائر خلال العشرية الأخيرة يعكس الظروف الاجتماعية الصعبة التي يعيشها الطفل الجزائري التي باتت ترغمه على العمل من أجل لقمة العيش أو حتى التمدرس، حيث تشير آخر الإحصائيات إلى أن حوالي 250 ألف طفل مستغل وأزيد من نصف مليون طفل جانح من المدرسة و10 بالمائة من أطفال الجزائر أميون، ناهيك عن الأرقام الخطيرة المسجلة في الاختطاف والاغتصاب والتسول... عيد الطفولة في الجزائر، يعود سنة 2014 بنفس الديكور ونفس الأرقام ونفس المعاناة فحتى الاحتفالات لازالت حكرا على أطفال بعض المدن، في وقت تزداد معاناة أطفال القرى والمداشر تدهورا، ورغم ذلك تبقى الجهات الوصية تتباهى بالأرقام التي حققتها الجزائر في مجال حقوق الطفل.