شدّد رئيس مؤسسة الشعانبة للتنمية والتأصيل بوعامر بوحفص في حوار مع "البلاد" على ضرورة "الابتعاد عن عقلية الاستعلاء والاستقامة وحكم الطهر" الذي يسلكه "الطرف الآخر"، وذلك من أجل حل أزمة غرداية، التي قال إ لن تُطوى إلا بعد كشف السلطات عن من سماهم ب"العصابات الإجرامية". ^^^ الحاج بوعامر، تعددت الر وايات حول الأحداث القائمة في غرداية، ماذا يقع حسبكم خلال هذه الأيام؟ الأحداث الأخيرة التي وقعت في غرداية وخصوصا في حي عين لوبو بقصر الجرايد، هي تكرار لسلسلة من الأحداث التي بدأت منذ تسعة أشهر. نحن نرى أن السبب جاء بعد الوقفة التي نظمها الإباضيون أمام مقر الولاية، وقد كُنّا حذرنا منها لكون أن لديها عواقب سلبية على المجتمع بغرداية، لأن ذلك يعتبره الناس محاولة استعراض للقوة بالنسبة للطرف الآخر، وهو ما نرفضه تماما. كان من المنتظر حدوث شيء من هذا القبيل بعد هذه الوقفة. وكان السبب الرئيسي للأحداث بالنسبة إليهم "الإباضيون" هو وفاة الشاب حسين أوجانة في عين لوبو، حيث كانت تلك الحادثة السبب الذي أجّج القضية بالنسبة إليهم. ونحن نعرف أن وفاة الشاب رحمة الله عليه، قد أكدت كل المصالح بما فيه الطبيب الشرعي والشرطة العلمية أثبتت بأنها حادثة مرور، وتبعه تصريح للمسؤولين أكّدوا ذلك، لذلك لم أفهم لماذا أصبحت تأويلات من بعض الأطراف وتؤجج الأمور للاستمرار في الفتنة، بالرغم من دخول ما يقارب ثلاثة أشهر، أي منذ الانتخابات الرئاسية وغرداية لم تعرف أحداثا مثل هذه، أين كانت المنطقة تعيش في هدنة بحذر وليست مطلقة. وقد طالبنا ولازلنا نطالب من طرف السلطات المحلية بالتحقيق في كل الوفيات المشبوهة وإصدار بيانات رسمية حتى لا يتم استغلالها لإشعال الفتنة في غرداية. ^^^ ألا تعتقد أن الأحداث الأخيرة كان مخططا لها أم عبارة عن مناوشات عادية بين الشباب ثم تفاقمت؟ لا، فكل الأحداث والهجومات التي وقعت على الأحياء المالكية لم تكن مجرد مناوشات بين الشباب بل كانت مخططة، والدليل على ذلك أن أعمال الشغب كانت تقوم بها عصابات مجهزة ومهيكلة وتعمل في إطار منظم ومخطط. كما أن القول إن الأحداث بين الشباب، وكأن هناك مجموعة من طرف وآخرين من الجهة الثانية، هذا الأمر غير صحيح، بل كان هناك هجوم من طرف هذه العصابات وتبعه رد فعل من الشباب. وأنا أقول بكل صراحة، لا يجب الحديث بكلام صبياني أو بمنطق أنت بدأت وأنا أرد، لابد من ترك هذا لمصالح الدولة والأسلاك الأمنية من أجل الفصل، حيث تكون لها الكلمة الأخيرة على من كان له البدء في الهجوم على الحي. وأنا أقول لك، منطقيا توجد كل الأدلة التي تثبت هجومهم على الأحياء لأنهم في الوقت الحالي ينتقدون كثيرا جهاز الدرك الوطني. وسأخبركم لماذا ينتقدونه، لأنه في الحقيقة لما يكون هناك معتد ومعتدى عليه، أظن الذي يأتي للفصل بينهم يتصدى للمعتدي ولا يتصدى للمعتدى عليه، لذا لمّا تصدت له قوات الدرك أصبحت فيه مشاكل مع هذه العصابات الإجرامية التي عاثت فسادا في غرداية، وهي ظاهرة للعيان. ^^^ أنتم تقولون إن الأحداث بدأت بالهجومات على شبابكم، ولكن الطرف الآخر يؤكد أنهم من تعرضوا للاعتداء؟ لسنا من الناس الذين يغطون على الأمر، ونجزم بأنهم من اعتدى فقط، ولكن نؤكد على من بدأ، لأنه في الحقيقة من بدأ هو الذي تعود عليه اللائمة، ونحن نقر على أنه بعدما أحرقوا منازلنا كانت فيه ردة فعل، حيث أُحرقت منازل لهم، ونقرّها ونقولها لأنه لدينا الشجاعة وليس كالطرف الآخر الذي في كل وقفاته التي نلاحظها هذه الأيام في بعض الولايات خاصة بالعاصمة، حيث يظهرون على أنهم الضحايا بالمفهوم المطلق، وهذا الشيء الذي نرفضه بتاتا لأننا نعتبره تضليلا للرأي العام، الذي نتمنى بأن يكون واعيا وأن يعرفوا غرداية المعروفة بتركيبتها الاجتماعية، وأناسها جزائريين ككل الجزائريين. ^^^ تطرقتم إلى الوقائع التي حدثت، أين يكمن الحل في غرداية، وما الأساس الذي سيكون المنطلق منه لطي الملف؟ سبق وقدمنا وثيقة في اللقاء التي أجريناه مع الوزير الأول في 2 جانفي الماضي، التي تضمنت اقتراحات تساهم في معالجة بعض المشاكل في غرداية، ومن بينها التحقيق المعمق في التنظيمات شبه العسكرية المهيكلة والمجهزة التي تهاجم الأحياء المالكية، ولما قلناها أنذاك لم تكن قد بدأت هذه التنظيمات في هجوماتها بطريقة مكثفة، وقد أخذنا هذه المعلومة من أحداث القرارة، حيث إنه نفس ما حدث في القرارة هو ما تقوم به هذه العصابات في مختلف الأحياء الأخرى الآن. تمنينا لو أخذ هذا الاعتبار أنذاك من طرف السلطات، والذي مضى سبعة أشهر منذ تنبيهنا لهذا الأمر، ولكن مع الأسف نرى هذه العصابات تعيث فسادا في البلاد. وعن الحل، أقول إنه ليس من المستحيل إيجاده، لكن الشيء الأساسي هو عدم طي الصفحة دون الكشف عن الجهة التي تخطط لهذه العصابات ومن يقف وراءها، إضافة إلى محاكمتها. وطالبنا من السلطات بكشف الحقائق عن الشيء الذي وقع في غرداية، وإن استلزم الأمر التدقيق في كل ما جرى حتى لا تبقى كما نرى اليوم من كان بالأمس مجرما بين قوسين أصبح اليوم يقول بأنه ضحية. بالتالي فالفاصل بيننا هي السلطات التي يجب أن تكشف وتوضح ما جرى في غرداية بالتدقيق. ^^^ جئنا في أكتوبر من العام الماضي في أول انطلاقة للأحداث وعدنا الآن، لمسنا تغير الخطاب من كل الأطراف، ألا تظن أن الجراح تعمقت والتعصب زاد في غرداية؟ حقيقة، اليوم تباعدت الأطراف والمطلوب هو تقاربها. وما يقع في غرداية ليس نفس ما تشهده باقي ولايات الوطن، حيث إن المناوشات التي تحدث في غرداية تكون بين طرفين، وليس ما يحدث في الولايات الأخرى التي تأتي انطلاقا من طلبات تتعلق بالتنمية وهي موجهة للسلطة. وبالتالي، فإن الأمر في غرداية يختلف، حيث إن الصراع بين إباضي ومالكي، ونقولها دون تغطية الأمر، وتصريحاتهم في الصحف مؤخرا تثبت ذلك. وهذه التصريحات نندد بها، حيث تثبت أن هؤلاء الناس ينكرون وجود الآخر في غرداية. وقد قلناها في عدة مناسبات بأنه من أسباب الفتنة في غرداية هي عقلية استعلاء الطرف الآخر والاستقامة، حيث يظهر نفسه أنه هو المستقيم وما سواه دوني، كما تتابعون من خلال التصريحات. لذا فلابد أن تترك هذه العقلية إذا كانوا يرغبون في التقارب، حيث يكونوا في ميزان واحد، على غرار القرون التي تعايش فيها الناس. وقلناها في بياناتنا وكان موضوع رد على وزير أين قلنا بأن ما يحدث في غرداية له علاقة بعقلية الاستعلاء والاستقامة وحكم الطهر. ^^^ ألا تعتقد أن ما يحدث في غرداية يعود إلى عدم وجود الاتصال بين الطرفين، إضافة إلى انسياق جزء من المتشابكين دون وعيهم بما يقع؟ قبل الأحداث مباشرة كنا في اتصالات مع مختلف الأطراف، وبالتالي فالمواجهات بدأت في وقت وجيز، حيث إنه كانت مخططا لها، وهو يدخل استجابةً لأجندات لا أقول خارجية ولكن ربما داخلية ولهم أهداف. إذن قبل الأحداث لم تكن لدينا مشاكل مع الإباضية، كانت تجمعنا علاقات حتى وإن كانت مقتصرة في التجارة في بعض الأحيان، لكن لم تكن هناك مشاكل أو مناوشات، إلا بعد الأحداث التي غيرت النظرة. وبالتالي فإنه لو كانت هذه المواجهات بين الأشخاص لوجدنا لها حلولا وخرجنا منها، غير أن تهجير العائلات وإحراق منازلها أوصلتنا إلى القمة. ^^^ ألا ترى أن اجتماعات الأعيان أصبحت لقاءات شكلية دون الخروج بقرارات ميدانية لإيقاف ما يتجدد في كل مرة؟ لا، هذه المرة غرداية لم تعرف أحداثا مثل ما جرى مؤخرا في تاريخها، وبالتالي لا يجب وضعها في نفس السياق، حيث إن الأحداث الأخيرة أوجدت منعرجا جديدا، ووصلت إلى درجة الحرق والتهجير والترويع. وبالتالي فهي سابقة لم تشهدها المنطقة من قبل. أما فيما يخص اجتماعات الأعيان قبل الأحداث تقريبا كانت لمناقشة الأمور المادية ولم تمس العلاقات الداخلية كمجتمعين، ربما كانت لتقارب وجهات النظر في القضايا المادية كالتنمية وغيرها، لكن "عمرها" ما تطرقت للعمق. ^^^ وهل تعيبون هذا؟ نعم، هذا ما نعيبه فيمن كانوا ولا زالوا يمثلون كل الأطراف، ولو أن من يؤجج للفتنة لديه نظرة مناقضة لما نقوله. ولكن بالنسبة إلينا فالتركيبة الاجتماعية عند المالكية لم تتغير، ربما يدخلها عنصر الشباب حيث بلغ درجة من الوعي وأصبح يحس بالمسؤولية. في كل مرة نأتي إلى غرداية نسأل عن المتسببين عن الأحداث نسمع كلمة عصابات، لكن لم يشر ولو مرة لها. ^^^ فمن هي؟ لو كنا نعرفها لما كانت إحدى مطالبنا الكشف عنها، وهي ليست كأولادنا لأنهم يأتون مجهزين ويقال إنها تأتي بلباس موحد وأقنعة، فهي منظمات شبه عسكرية تروع الناس، وبالتالي نسميها عصابات بل وإجرامية لأنها تحرق وتخرب. أما أبناؤنا فكانوا غير منظمين بل مجرد ردة فعل عند هجوم هؤلاء الذين يصلون إلى درجة حرق منازل المالكية. ونحن نستنكرحتى ردات الفعل التي تأتي من شبابنا، لأننا لسنا من مؤيدي الحرق والتخريب، حتى لا يفهم العكس من خلال كلامنا. وتمنينا من عقلاء الطرف الآخر إن كانت لديهم سلطة على هذه المجموعات فإنهم سيساهمون بقسط كبير في بداية التهدئة بغرداية. ^^^ سبق لكم رفع لائحة مقترحات للوزير الأول، فما هي الآليات التي ترون أنها ستؤدي لحل مشكل غرداية؟ على كل حال لابد من الكشف عن هذه المجموعات ومعاقبتها وإعطاء صورة حقيقية لكل ما حدث بصفة رسمية، من بعد ذلك كل الأمور تناقش على الطاولة دون مشكل لأن الدولة هي الضامن بين الطرفين، وبالتالي فالمشاكل الأخرى سنجد لها الحلول لأن أغلبيتها مادية خاصة العقار، وللدولة دور كبير في حلها. أما قضية عقلية الاستعلاء نطالب من الطرف الآخر كذلك بأن لا ينكر وجود الآخر، ولابد أن يؤمن بأن الثاني مٌكُمل له في غرداية ومتساو معه وأن تكون له نفس النظرة وليس اعتبار نفسه في الأعلى وما دونه في الأسفل. وكما تتابع، فإنه حتى على مستوى وسائل الإعلام تلعب في دور سلبي لا ينطبق على أخلاقيات المهنة الصحفية، لا أقول الكل ولكن البعض، حيث تسعى هذه الجهات إلى إرضاء طرف لتُنفّر طرفا آخر. ^^^ لكن الحاج بوعامر، من خلال حديثنا مع مختلف الأطراف، لاحظنا أن الكل هنا في غرداية يعتبر نفسه الضحية، فالجميع يشتكي من الصحافة وحتى الجهاز الأمني؟ كملاحظة نحن لم نشتك يوما من الدرك الوطني ولا الشرطة، ومن هذا المنبر نقدم لهم كل شكرنا عن الدور الذي يقومون به، حيث لو لا هم في بعض الأحيان لحصلت الكارثة. بالعكس فعلاقتنا معهم طيبة جدا وعناصر الجهازين من أبنائنا. ويمكنكم الإطلاع في الميدان على تعاملهم مع المواطنين. وبالتالي نقّدر ما يقومون به خاصة في ظل هذه الظروف. أما الشق الثاني من السؤال المتعلق بالتذمر من وسائل الإعلام، فإن شكواهم تستهدف الأقلام التي تقول الحقيقة. وأرغب في التطرق لنقطة أخرى في قضية ذكر الشعانبة في وسائل الإعلام، أتأسف لقيام بعض الصحافيين بالقول إن الأحداث تقع بين الشعانبة وبني ميزاب، وهو ما نستنكره. وقد وصلنا بعد التحليل إلى خلاصة أن من يذكر هذا الكلام إما أنه يجهل التركيبة الاجتماعية لسكان غرداية أو أنه يعرف ذلك ونقول له اتق الله فإنك تشق الصف المالكي، لأن غرداية لا يوجد فيها سوى الشعانبة، ولكن تتكون من خمسة أو ستة قبائل وفيها حتى ناس غير أصليين من غرداية ولهم دور فعال في الجانب التجاري. والشعانبة متواجدون من مالي إلى تمنراست وكل الجنوب الجزائري، ولا يجب حصرهم في حي أو في غرداية. ^^^ إلى أي مدى يتسبب تجدد الأحداث في كل مرة بغرداية في تعطيل التنمية، إضافة إلى تأثيرها على تغير خارطة طريق الناقلين، أين أصبح الميزابي لا يستطيع دخول أحياء العربي والعكس؟ صحيح هناك تراجع في الشق الاقتصادي بولاية غرداية نتيجة الأحداث. أما فيما يخص تقوقع كل طرف في حيه فهذا نعيشه اليوم، وهو شيء مؤسف صراحة لكن ما باليد حيلة. فمن المؤهل لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الأحداث، وفي حالة عدم عودتها إلى طبيعتها فإنها ستبقى مغلقة. ^^^ وفي الأخير، ما هي الدعوة التي تقدمها للسلطات والشباب كرئيس مؤسسة فعالة في غرداية؟ قبل ذلك، أرجو أن تسمح لي بالتطرق لمسألة مهمة، حيث إنه هناك مسجد من أقدم مساجد المالكية ألا وهو مسجد خالد بن الوليد، وهو محاصر اليوم، وهذا عيب وعار ويسجل كنقطة سوداء في التاريخ للطرف الآخر، حيث إننا في شهر العبادات نجد في التراويح صفا أو نصف صف فقط، وهو شيء لا يغتفر ولن نقبل به تماما. ونرجو من السلطات أخذ كل الوسائل من أجل تسهيل الوصول إلى المسجد بالنسبة إلى المصلين.أما فيما يخص دعوتنا، فإننا نطالب من السلطات بتطبيق القانون بجدية دون محاباة أو تمييز طرف على آخر، أين نتعامل حسب الدستور الجزائري نفس المعاملة. وأقول لك لو طبق القانون منذ بداية الأحداث لكنا ربما قد انتهينا من المشكلة. وأوجّه دعوة إلى شبابهم، حيث أقول لهم اتقوا الله في هذا الشهر وكفوا عن هذه الهجومات والتعدي. أما شبابنا فنقول له من هذا المنبر أن يتحلوا بالهدوء واليقظة وأن لا ينجروا وراء مثل هذه الأحداث. فالشهداء استشهدوا لتبقى الجزائر واحدة موحدة وحتى يعيش الجزائريون في عزة وكرامة، لكن مع الأسف من عاشوا الثورة يرون اليوم بأم أعينهم جزائريين يخططون لضرب الوحدة الوطنية ومن غرداية، أقولها وكل الأدلة موجودة حتى عند أجهزة الدولة. وبالتالي فالوحدة الوطنية خط أحمر بالنسبة إلينا، وضحى من أجل هذا المبدأ آباؤنا وضحينا نحن بعد الاستقلال ولازلنا مستعدين أن ندافع من أجل مبدأ وحدة التراب الجزائري.