تشهد الساحة السياسية منذ الانتخابات الرئاسية السابقة، حراكا كبيرا، سواء من طرف المعارضة وحتى السلطة، حيث يتحرك الجميع باتجاه "الإجماع الوطني" أو "التوافق". ورغم اختلاف التسمية، غير أن الهدف يبدو للوهلة الأولى واحدا. وبادر رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، مباشرة بعد إعادة انتخابه لعهدة جديدة، وخلال تأديته لليمين الدستورية، إلى طرح فكرة "التوافق" وذلك حول الدستور الجديد، حيث كلف بذلك مدير الديوان بالرئاسة، أحمد أويحي، الذي عقد سلسلة من المشاورات، بهدف الوصول إلى دستور توافقي، حيث وعد الرئيس بوتفليقة بإعادة فتح ورشة الإصلاحات السياسية، بصفة عامة "عما قريب"، والتي ستفضي إلى مراجعة الدستور مراجعة "توافقية"، معبرا خلال مراسيم اليمين الدستورية عن إرادة حازمة ب«تعزيز الوفاق الوطني" وجعل الديمقراطية تقطع أشواطا نوعية جديدة. كما جدد الرئيس بوتفليقة دعوته القوى السياسية وأبرز منظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية للإسهام في هذا العمل الذي يتوخى منه "تعزيز الفصل بين السلطات وتدعيم استقلالية القضاء ودور البرلمان وتأكيد مكانة المعارضة وحقوقها وضمان المزيد من الحقوق والحريات للمواطنين". من جهة أخرى، كانت مجموعة من الأحزاب، ممثلة في حركة مجتمع السلم، وجبهة العدالة والتنمية، وحركة النهضة، وحزب جيل جديد، بالإضافة لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، والمنسحب من الرئاسيات أحمد بن بيتور، أعلنوا شهر أفريل من السنة الجارية، عن تشكيل تكتل سياسي، رفضوا من خلاله المشاركة في الانتخابات الرئاسية السابقة. كما طرحوا من خلال هذا الفضاء السياسي فكرة "الانتقال الديمقراطي"، الذي يكون هو الآخر مبنيا على فكرة التوافق والإجماع الوطني، حيث قامت من جهتها بعقد ندوة يوم 10 جوان المنصرم بفندق مازافران بالعاصمة، حضرتها العديد من الشخصيات والأحزاب، في غياب للسلطة، رغم اعتراف أصحاب هذه المبادرة بضرورة إشراك السلطة في مرحلة من مراحل الانتقال. وتعددت المبادرات التي طرحت فكرة "الإجماع الوطني" أو "التوافق الوطني"، حيث طرحت جبهة التغيير، ما أسمته وثيقة التوافق الديمقراطي، دعا فيها، عبد المجيد مناصرة، جميع الأطراف والفاعلين في الساحة السياسية إلى تبنيهها بهدف منع "الاستقطاب الإيديولوجي الحاد". وجاءت وثيقة "التوافق الديمقراطي" التي طرحها مناصرة على شكل ستة محاور أساسية، مؤكدا أن "التغيير" تطرح هذه الوثيقة رغبة في إيجاد بديل ثالث قوي "بين النفاق والشقاق"، وتهدف إلى تحقيق سبعة أهداف وهي نشر وبناء ثقافة التوافق في الحياة السياسية، إنجاح الانتقال الديمقراطي والتحول السياسي، تهيئة الأجواء والشروط الضرورية للتنمية والاستثمار، حماية الوحدة الوطنية والأمن القومي، وتقوية مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، مع توفير شروط العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد، وإحياء وتفعيل دور الجزائر الإقليمي والدولي. وفيما يتعلق بمواضيع التوافق، فإنه حسب جبهة التغيير ليس المطلوب التوافق على كل شيء في ظل التعددية والحرية إنما المهم أن يتم التوافق حول المواضيع الأساسية المتمثلة في الهوية الوطنية بأبعادها ومكوناتها، الديمقراطية مفهوما ونظاما، طبيعة وشكل النظام السياسي، المرحلة الانتقالية مدتها ومؤسساتها وسياساتها، الأمن القومي وتهديداته وضروراته، قواعد اللعبة والمنافسة، وضرورة التغيير السلمي الديمقراطي. وأعادت جبهة القوى الاشتراكية، موضوع الإجماع الوطني للواجهة السياسية، بعدما أبدت استعدادها لتأدية دور "الوسيط" بين السلطة والمعارضة، رفعا للحرج عن المعارضة التي ترفع حاليا سقف المطالب في مواجهة سلطة ترفض الاستجابة لمطالبها وتعتبر أنه لا داعي للذهاب نحو "انتقال ديمقراطي"، قد يعيد الجزائر لنقطة الصفر من خلال مراحل انتقالية في غنى عنها، خاصة في ظل انتخابات ديمقراطية تعددية.