لا تزال قضية المساجين الجزائريين في العراق تثير العديد من التساؤلات حول الطريقة والكيفية التي ستتعامل بها السلطات الجزائرية لأجل إطلاق سراح عدد منهم، خصوصا في ظل الأوضاع المزرية التي تعيشها بلاد الرافدين من الجانبين السياسي والأمني، خصوصا في ظل التدخل الأمريكي في المنطقة لمحاربة فلول الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف بالتنظيم الإرهابي "داعش"... عائلات المساجين المعتقلين أكدت ل "البلاد" بأنها تتابع باهتمام بالغ الأوضاع السائدة في بلاد الرافدين، مبدية تخوفها وقلقها مما ستؤول إليه في المستقبل القريب. فقد أضحى العديد منهم يتساءل عن مستقبل أبنائهم ووضعيتهم الحالية في كنف الزنزانات التي حسب الأصداء الواردة إليهم من هناك فإن الأمور لا تبشر بالخير، وهو ما جعلها تطالب الحكومة الجزائرية بالقيام بإجراءات آنية وحازمة لإطلاق سراحهم في القريب العاجل. من حلم الدراسة في الخارج إلى زنزانة... عائلة محامدية القاطنة بحي 17 أكتوبر بولاية برج بوعريريج، هي إحدى العائلات التي لم تجد من وجهة لها تشكي لها كرب حالها إلا ذرف الدموع والأسى على فراق ابنها عبد الحق الذي لم تره منذ قرابة عقد من الزمن سوى الاستنجاد بالإعلام لتوجيه رسائلها للسلطات المعنية لتخليصه من أسوار السجن الحربي بكردستان بالعراق. وفي هذا الصدد، قالت الوالدة التي اتصلت بها "البلاد" بأن ابنها عبد الحق كان من بين الطلبة النجباء الذين كان طموحهم الدراسة في إحدى الجامعات بالخارج بحكم أنه كان يدرس في تخصص علوم تجارية بولاية المسيلة، وهو الأمر الذي تحقق له سنة 2005، أين سافر رفقة صديق له من ولاية المسيلة للدراسة في إحدى الجامعات بسوريا، إلا أنه ومنذ تلك السنة لم يعرف لهما أثر إلى غاية سنة 2009 حين اتصل بهم أفراد عائلة صديقه من البرج والذين أكدوا لهم بأنهما في إحدى السجون في العراق لأسباب مجهولة، لتمضي العائلة في رحلة البحث عن مخرج لأزمتها لكن دون جدوى إلى غاية سنة 2010، أين حدث بين السجين والعائلة أول اتصال هاتفي والذي أكد لهم فيه إلقاء القبض عليه برفقة صديقه من طرف السلطات العراقية التي حكمت عليهما ب 15 سنة سجنا نافذا بعدما كانا على الحدود السورية العراقية، ومن هذه النقطة استمر الاتصال عن طريق مساعدات التي كان يقدمها الصليب الأحمر على ضوء تقديمه لرسائل السجين للعائلة التي تتكون من 6 بنات و3 ذكور. سافر بغرض التجارة فلم يُر له أي أثر حينما اتصلنا بزوجة السجين محمد وابد التي تقطن حاليا بتنس التابعة لولاية الشلف لمحنا منها حالة الأسى وهي تحدثنا عن الظروف التي عاشها بين جنبات سجن أبوغريب الذي عاش فيه الويلات، حيث أكدت لنا بأن زوجها كان يمارس التجارة التي اتخذها كمهنة له، وهو الأمر الذي ساعده على تكوين علاقات وطيدة مع أشخاص من مختلف البلدان، ومن غرائب الصدف أنه تعرف بشاب من العراق والذي غرر به وعمل على إقناعه بالسفر إلى الحدود العراقية السورية للتجارة وهو ما وافق عليه محمد، حيث سافر معه سنة 2005 ولم يعد، ومنذ ذلك الوقت انقطعت أخباره إلى أن اتصل مؤخرا من سجن كردستان، مؤكدا لهم بأنه في سجن أبوغريب ومن بعدها نقل إلى سجن السليمانية، ومن ثم إلى سوسة بكردستان الذي يتواجد به حاليا، وفي هذا الصدد لم تخف المتحدثة تخوفها مما يحصل حاليا في العراق، مبدية قلقها الكبير مما ستؤول إليه الأوضاع هناك، داعية السلطات المعنية إلى تحرير شريك حياتها من السجون، قائلة "ما ذنب زوجي الذي غرر به حتى يتلقى كل هذا... أليس له الحق في العفو والحياة؟". بأي حق بترت ذراع أخي؟ غير بعيد عن عائلة "وابد"، أجرينا اتصالا مع شقيق السجين إسماعيل بن عبد الله من ولاية المسيلة، الذي أكد لنا بأنه جد متخوف على مستقبل شقيقه الذي اعتقله الجيش الأمريكي على خلفية دخوله الأراضي العراقية بطريقة غير شرعية، مشيرا إلى أنه لم يكلم هاتفيا شقيقه قرابة السنة، مؤكدا بأن معاملته في السجن كانت معاملة سيئة جدا والتي كانت نتيجتها أنه دفع ثمن ذلك ببتر ذراعه، جراء العنف الذي تعرض له داخل السجون العراقية التي تعرضت آنذاك للهجوم، مضيفا بأنه مازال يلقى نفس المعاملة في سجن "تاغي" بل أكثر من ذلك، حيث يتعرض للسب والشتم بعبارات عنصرية بذيئة، الأمر الذي جعله يرفع نداء للسلطات المعنية بضرورة التدخل العاجل لإطلاق سراح شقيقه الذي غادر الأراضي الجزائرية سنة 2004 بنية التجارة ولم يعد، محاولا وضع تصور عن الحالة التي يتواجد عليها شقيقه الآن في ظل حالة اللا أمن في العراق، مضيفا بأن العائلة التي تتكون من 5 ذكور وبنتين تعيش على أمل إطلاق سراح إسماعيل الذي حكم عليه ب 15سنة سجنا نافذا. الحقوقي بوشاشي: "قضية السجناء قد تعقدت في ظل الوضع المتأزم للعراق" أكد الحقوقي ورئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان الدكتور مصطفى بوشاشي في اتصال هاتفي "بالبلاد"، أن قضية المساجين الجزائريين قد تعقدت كثيرا في ظل الأوضاع السياسية والأمنية الخطيرة التي يمر بها العراق، مشيرا إلى أن الدبلوماسية الجزائرية قد تعاملت بنوع من المرونة في حل قضية المساجين الجزائريين وهو الأمر الذي عطل إنهاء القضية، مضيفا بأنه كان على الدبلوماسية إنهاء هذا الملف منذ عدة سنوات وليس حتى وصول الأوضاع إلى ما وصلت إليه الآن"، معتبرا أن الأمر قد أصبح أكثر تعقيدا في ظل الفوضى التي تعيشها العراق، مضيفا بأنه من الواجب على الجزائر أن تتدخل عاجلا لأن الأمر يتعلق بمصلحة سجنائها الذين هم أبناء هذا الوطن، داعيا إياهم إلى أخذ العبرة من عدة دول عربية تحركت بجدية لإطلاق سجنائها، وفيما يخص استثناء السلطات العراقية العفو عن المساجين الجزائريين وإطلاقها لعراقيين، قال ذات المتحدث بأنه لا يمكن للجزائر أن تتدخل في القانون الداخلي العراقي فمسألة العفو من عدمها هي مسألة خاصة ترجع للعراق. فاروق قسنطيني: "لغة الحوار أفضل طريقة لتخليص السجناء" من جهته، أكد المحامي ورئيس اللجنة الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان فاروق قسنطيني عدم وجود أي طريقة أخرى لإطلاق سراح السجناء الجزائريين في العراق سوى اللجوء إلى لغة الحوار مع السلطة العراقية قائلا "ليس لنا طريقة أخرى يمكن أن ننتهجها سوى بانتهاج لغة الحوار"،مشيرا إلى أنه من حق عائلات المساجين الخوف على مستقبل أبنائها لأن الأوضاع في بلاد الرافدين لا تبشر بالخير، مؤكدا بأن الاتصالات مع هذه العائلات قد توقفت منذ مدة بدون معرفة الأسباب، نافيا في السياق نفسه أن تكون الدبلوماسية الجزائرية قد تغاضت عن معالجة القضية، معتبرا أن الأمر أكثر من واجب وطني على اعتبار أن الدستور هو من يفرض هذا الواجب. السفير العراقيبالجزائر: "الظرف الاستثنائي للعراق عطل المفاوضات" من جهته، أكد السفير العراقيبالجزائر عدي خير الله بأن الظرف الاستثنائي الذي تمر به العراق قد عطل المفاوضات بين الطرف الجزائري ونظيره العراقي، وأشار خير الله في حوار سابق مع البلاد إلى أن عدد المساجين الجزائريين الحاليين الموجودين في السجون العراقية هو سبعة أو ثمانية، وقد تم الحكم عليهم من قبل محاكم عراقية مستقلة وبقضايا مختلفة، وقضيتهم ليس لها علاقة بالسياسة بتاتا، وقضية العفو عنهم من عدمها ترجع إلى وزارة العدل التي تراسل مجلس الوزراء والذي بدوره يراسل الرئاسة والتي هي من لديها حق العفو عنهم، مضيفا "في الحقيقة كانت هناك وعود بإطلاق مجموعة من السجناء، تم إطلاق ثلاثة منهم لحد الآن"، إلا أن المفاوضات الثنائية قد تعطلت بسبب انشغال الطرفين بالانتخابات، مؤكدا بأنه ستكون في المستقبل مباحثات في هذا الموضوع، وبخصوص قضية الاستثناء في العفو عن الجزائريين، كان قد شدد المتحدث على أنه قضية خاصة، مما جعله يطرح عدة تساؤلات حول مروجي هذا الخبر. كيف ستتعامل الجزائر مع القضية في ظل الوضع الأمني للعراق؟ يبقى الشيء المثير للانتباه في قضية إطلاق المساجين الجزائريين، هو كيف ستتفاوض الدبلوماسية الجزائرية مع نظيرتها العراقية في ظل التوتر الأمني الحاصل في العراق، وهو الأمر الذي لن يكون سهلا ومتاحا مثل ما يراه ويؤكده مراقبون وحقوقيون في القانون، وفي هذا الصدد يؤكد بوشاشي "الوضع يبقى صعبا للغاية في ظل الوضع الحالي للعراق..، كان من الممكن أن يتم غلق هذا الملف منذ عدة سنوات".