يطرح التقارب السياسي بين حزب جبهة التحرير الوطني بقيادة عمار سعيداني المقرب من الرئاسة، وجبهة القوى الاشتراكية بتركيبتها الجديدة، الكثير من الأسئلة حول خلفيات هذا التقارب الذي يتجه نحو تحالف رئاسي جديد من شأنه تغيير الواجهة السياسية للسلطة التي تبحث عن شريك سياسي يضمن لها الاستقرار ومساعدتها في الدفاع عن خياراتها لمنظومة الحكم بتمرير التعديل الدستوري، بما يضمن التوافق بين بناة النظام الجديد المرتقب للمرحلة القادمة والحلفاء الجدد الذين سيتمكنون من الدفاع عن تحالفهم ومواجهة معارضة شرسة تريد كشف مواقع ضعف السلطة بما يضمن لها تحقيق إرغام أصحاب القرار. وقد يكون شعار "تمدين نظام الحكم السياسي" في الجزائر الذي رفعه الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعيداني منذ شهر سبتمبر من السنة الماضية ومعركة الدفاع عن العهدة الرابعة التي خاضها بشراسة ضد خصوم بوتفليقة التي أدهشت المراقبين، هذا الشعار قد يكون أحد الأسباب التي دفعت بالأفافاس إلى التقرب من الحزب العتيد بهذه السرعة غير المتوقعة، كون جبهة القوى الاشتراكية ظلت ولعقود من نضالها ومعارضتها لنظام الحكم في الجزائر تطالب بضرورة تمدين الحكم والفصل بين السلطات، والتحالف المتوقع بن الطرفين من شأنه أن يؤدي إلى صياغة رؤية تشاركية للمستقبل السياسي الذي قد تتقاطع فيه رؤية الحزبين إلى غاية التوازي في هذه الرؤية التي يبحث الطرفان أرضيتها، ومن الواضح جدا أن مهمة حزب جبهة التحرير الوطني وبعد تخلص عمار سعيداني من خصومه داخل الحزب ستكون إقامة جدار وطني يتكون من أحزاب وطنية ذات امتداد شعبي ومصداقية لمخاطبة الخارج على ضوء التحديات السياسية والأمنية والمشاكل المعقدة الناتجة عن التغييرات التي أحدثتها الأزمات في ليبيا ومالي وسوريا والعراق واليمن، وكلها عوامل وأحداث قد تؤثر بشكل أو بآخر على الجزائر في علاقاتها مع الغرب الذي يسعى للضغط سياسيا من أجل افتكاك مواقع "أمنية" واقتصادية، فقد نحت الولاياتالمتحدةالأمريكية في إطلاق تحالف دولي ضد "داعش" بدعم مالي من السعودية ودول الخليج بصفة عامة، وهو ما تبحث عنه الدول الغربية في مناطق أخرى من العالم العربي في مقدمتها دول شمال إفريقيا، الأمر الذي يدفع بمنظومة الحكم عندنا إلى البحث عن حلفاء في الوزن الثقيل لمواجهة ضغوطات القوى الدولية، وقد تمكنت السلطة من استقطاب حزب العمال على سبيل المثال الذي دافع بحدة عن خيارات الحكومة على أكثر من صعيد، ومكنت سياسة العلاقات العامة التي قادتها الحكومة مع حزب العمال على سبيل المثال وزعيمته لويزة حنون من التوصل إلى أرضية سياسية غير معلنة لتفاهم سياسي حول أهم المحاور الاقتصادية والسياسية والأمنية في البلاد، الأمر الذي خلق توازنا في المواقف وفي الرؤى وحتى في التكتلات السياسية بالنسبة للسلطة التي تبحث عن تفكيك التجمعات السياسية المناوئة لها، واستقطاب الخصوم إلى معسكر أحزاب الموالاة بشكل أو بآخر يكون في النهاية تحالفا للدفاع عن الخيارات الكبرى التي تريد السلطة تحقيقها بشراكة مع أحزاب أخرى تملك مصداقية لدى الشارع وفي الخارج.