تتجه الكثير من الفتيات إلى العاصمة قادمين من مختلف ولايات الوطن بحثا عن لقمة عيش ومنهن لإكمال الدراسة ليجدن أنفسهن في رحلة بحث عن الكراء، ونظرا لارتفاع أسعار العقار فإن الرحلة تصبح صعبة خاصة أن الكراء في العاصمة أصبح يتطلب دفع مستحقات عام كامل من الكراء وفي بعض الأحيان 6 أشهر وبثمن باهظ، وهو ما يجعل الفتيات لقمة سهلة لنساء أصبحن يستأجرن بيوتهن بمبالغ زهيدة، ليكتشف في نهاية المطاف أن الأجرة الحقيقية للبيت تدفع من طرف جهات اخرى أو بالأحرى أصبحت هؤلاء النساء المؤجرات لمنازلهن يتاجرن أجساد الفتيات. قمنا بجولة استطلاعية لأحد هذه البيوت على أساس أننا نريد الاستئجار، لنقف عند هذه الظاهرة التي تعد دخيلة على مجتمعنا اتجهنا إلى أحد شوارع العاصمة وتحديدا لشارع محمد الخامس بديدوش مراد وفي إحدى العمارات، حيث تؤجر سيدة في العقد الرابع من العمر شقتها لصبايا في عمر الزهور قدمن من عدة ولايات لاسباب تختلف من واحدة إلى أخرى، بعضهن أتين بحثا عن العمل ولقمة العيش وأخريات لا يزلن يدرسن ولأسباب تبقى مجهولة لم يتمكن من الحصول على غرف داخل الإقامات الجامعيات، طرقنا الباب أول ما قابلنا عند فتح باب الشقة الروائح الكريهة المنبعثة من الداخل، وقمامة مبعثرة في الأروقة وفتيات يمشين على اطراف اصابعهن خوفا من إصدار الضجيج، استقبلتنا صاحبة الشقة بوجه ملائكي بشوش وكلمات طيبة، وهو السلاح الذي تستخدمه لإسقاط الضحية، فبعدما تمسك نقود الإيجار تتحول إلى وحش كاسر يغرس مخالبه في وجوه تلك الفتيات، عند دخولنا المنزل قادنا الفضول إلى تفقد الغرف غير أن هي الاخيرة رفضت ذلك، لتقول إنه قبل مشاهدة الغرف او بالأحرى الغرفة الوحيدة التي سنسكن فيها، يجب أن تكون مقابلة شبيهة بمقابلة عمل، وفعلا فبعد جلوسك لأقل من ساعة داخل الشقة ستكتشف انك في إدارة، فهده المرأة عند غيابها عن المنزل أو أحيانا في حضورها تعتمد على فتاتين في تسيير الأمور وإعطاء الاوامر، عرفتنا عليهن قائلة "هذو المساعدات ديالي، وأنا نكلفهم بتسيير الأمور والتحكم في زمامها في غيابي"، ليبقى السؤال مطروحا ما هي هذه الامور الكبيرة التي تحتاج إلى التسيير من قبل شابتين في بيت ذي 4 غرف؟ بدأت صاحبة الشقة في اعطائنا تعليمات إن صح التعبير وأولها هو منحها مبلغ عشرة آلاف دينار مسبقا تضمن من خلاله الكراء عندها لأكثر من شهرين، ونسخة طبق الأصل عن بطاقة التعريف الوطنية، مع العلم أنه لا يوجد أي عقد بين الطرفين، أما استعمال الهاتف النقال بعد الساعة العاشرة ليلا ممنوع منعا باتا، مع ضرورة ألا تسمع رنة الهاتف عندما تطأ رجل الفتاة داخل البيت، أما الدخول بعد الساعة العاشرة ليلا فيكلف دفع ما يمكن تسميته بالضريبة المقدر ثمنها ب 1000 دج لليلة، ومن بين التعليمات منع أي فتاة التنقل داخل الغرف المتواجدة في المنزل أو حتى الأكل داخل المطبخ أو الدخول إلى الغرف الأخرى. أما أغرب مطلب هو المطلب اللغز الذي لا يمكن أن تكتشفه للوهلة الأولى، تقول السيدة "كي نطلب منك شيء ما تحشمنيش وتنفذيه" دون التوضيح ما هو الطلب لنسألها بدورنا أن تعطينا مثالا عن هدا المطلب، لتجيب "كي يحين الوقت ستعرفيه ما هو المطلب". وفي آخر حديثنا معها على أساس أننا أبدينا موافقتنا الأولية، طلبنا منها أن نرى الغرفة ولن ندفع قبل ذلك باعتبار أننا "ما نشروش الحوت في البحر" فأبدت موافقتها، وعند رؤيتنا إحدى الغرف كانت الكارثة، غرفة ضيقة وروائح نتنة لا تصلح أن تكون حتى إسطبلا، تعيش فيها 5 فتيات، ونكون نحن الاثنتين الإضافيتين ليصبح العدد 7 أشخاص داخل الغرفة، كل ما تكتشفة في هذه الرحلة القصيرة للبحث عن كراء عند هذه السيدة لا يمثل إلا نقطة في بحر مما تعيشه القاطنات تحت سقف ذلك المنزل. هذه شروط المبيت في الإسطبل.. عفوا في الغرفة هدى واحدة من المستأجرات صاحبة 24 ربيعا تتابع دراستها للحصول على شهادة الكفاءة المهنية في المحاماة بكلية الحقوق بسعيد حمدين، عدم تمكنها من الحصول على غرفة داخل الإقامة الجامعية جعلها تضطر للكراء عند هذه السيدة. تقول هدى "كنت أدخل الإقامة الجامعية للبنات بأولاد فايت 3، وبعد أن اكتشف أعوان الامن انني أدخل دون رخصة، منعت من دخول إلى الاقامة، ولذا اضطررت للكراء عند هذه السيدة لأن الكراء في بيوت أخرى هنا بالعاصمة يتطلب دفعا مسبقا مما اضطرني إلى الكراء عند هذه السيدة التي كانت في منتهى الرقة والتخلق لتضمن كرائي عندها، لأصطدم بعد أيام بالواقع المر، وتضيف هدى رغم قبولي الكراء عندها بكل تلك الشروط إلا أنني لم أتوقع أن تكون بهذه الدرجة من السفالة والحقارة لتفسر لنا المطلب الذي تحدثت لنا السيدة عنه عند ذهابنا للكراء عندها، ونكتشف أن المرأة يتصل بها رجال يطلبون ان ترافقهم إحدى الفتيات لقضاء الليلة مقابل مبلغ مالي يدفعونه للسيدة. وأضافت المتحدثة: لقد طلبت مني صاحبة البيت هذا مرارا إلا أنني في كل مرة أبحث لها عن مبرر "غدا سأدرس باكرا، راني مريضة" وأنا أجد لها كل هذه الأعذار إلى غاية أن أكمل "شهادة الكفاءة المهنية" وأعود إلى البيت. استغلال نسخة بطاقات تعريف "المستأحرات" من طرف بارونات الدعارة في الفنادق أما سر تقديم نسخة من بطاقة التعريف الوطنية فتقول المتحدثة إنها في أحد الأيام عرفت عن طريق الصدفة أنها تقدم تلك النسخ إلى زبائنها عند اصطحابهم الفتيات إلى الفنادق، كما تحدثت هدى عن فتيات جرت بهن إلى الهاوية لتوضح أن تلك الفتيات كن يشتغلن كموظفات، محترمات ليتم اجبارهن على مرافقة زبائنها على حد تعبير المتحدثة، ومع الوقت فقدن مناصب عملهن وأصبحن يشتغلن في الملاهي. لامية هي الاخرى كادت تكون من ضحايا هذه المرأة، قامت بالكراء عند السيدة نفسها التي كانت "تعايرها وتسبها" في كل مرة ترفض طلبها الخروج ليلا مع رجل، اضطرت في نهاية المطاف لتخبرها أنها توقفت عن العمل ولا مجال لها للبقاء في العاصمة، وانها ستعود إلى ولايتها بباتنة، ومع هذا التبرير الذي يعد منطقيا، الا انها انهالت عليها بالشتائم، وبذلك استطاعت أن تتخلص منها وتستأجر في مكان آخر. وعلى مقولة "الجار قبل الدار" قادنا الفضول إلى معرفة كيف يتعايش الجيران مع هذه المرأة التي تتواطأ مع "صاحب الباركينغ" و«حانوت الحي" لتنفيذ مخططاتها الشيطانية في جلب الرجال وأخدهن الفتيات من امام العمارة في ساعة متأخرة من الليل ليتم إرجاعهن في الصباح الباكر مقابل مبالغ مالية تدفع لصاحبة الشقة، سألنا أحد الجيران المقيمين في الطابق على أساس أننا نريد كراء الشقة المقابلة للبيت، كانت الاجابة "خطيكم من دعاوي الشر" ليأخدنا الفضول للاستفسار أكثر فطلبنا توضيحا لماذا "هنا يبدو الإيجار ملائما ومساعدا لنا وهو صعب في العاصمة خصوصا أن الذين توجهنا إليهم يطلبون الدفع المسبق بسنة وأحيانا 6 أشهر وتكون مبالغ الكراء خيالية، فكان رد الشيخ الذي كانت تبدو على ملامحه الغضب "هنا ستضيعون حياتكم، فهده المرأة غير صالحة وتقوم بأشياء مشبوهة وإن أردتم التأكد من هذا فاسألوا باقي الجيران" ويضيف قائلا: "ولديها مشاكل مع جميع الجيران في العمارة" وتابع الجار حديثه "أنا أنصحكن لوجه الله ما دام أنكن طلبتن المشورة، أعلم أن الكراء اصبح صعبا في العاصمة لكن حاولن البحث في مكان آخر لربما ستجدن" وأضاف الجار أنه بسبب ما يحدث فاإن للمرأة قضايا في المحاكم. وغير بعيد عن ديدوش مراد وفي "تيليملي" تقوم سيدة أخرى تقطن هي وابنتها بكراء غرف المنزل للفتيات، تقول أخت إحدى الفتيات المقيمات هناك "أختي عند ذهابها للإيجار هناك كانت تعمل هنا في العاصمة في إحدى الشركات، ومع مرور الزمن انفصلت عن عملها دون أن يكون لذلك مبرر، لكنها كانت تملك نقودا تفوق في بعض الأحيان الراتب الذي كانت تتقضاه مما دفعني أنا ووالدتي للحيرة فاضطررنا أن نطلب منها تبريرا لكن المفاجأة أنها ثارت في وجهنا لتغير بعدها رقم هاتفها، سألنا إحدى المقيمات في العمارات المجاورة، فردت بأن السيدة تشتغل بالبنات وتقودهن إلى الهاوية، كما انها معروفة بأعمال السحر والشعوذة