في الوقت الذي تعرض فيه الصيدليات ومحلات مواد التجميل كميات معتبرة من الفرش ومعجون الأسنان، مازال أصحاب بعض المحلات وحتى بعض الباعة المتجولين يصارعون من أجل تشجيع استخدام السواك أو فرشاة الأسنان الطبيعية التي تعد سنة نبوية أثبت العلم الحديث فعاليتها في منح أسنان نظيفة سليمة وبيضاء تزيد من سحر الابتسامة. السواك قطعة خشبية من جذور شجر الأراك، وهي شجيرة دائمة الخضرة، ويمكن الحصول عليه أيضا من شجرة الإسحل، البشام والضرو، إلا أن السواك من شجرة الأراك هو الأفضل تبعا لما يتفق عليه العارفون بخصائص وأنواع هذه المادة الطبيعية. والتسوك سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم نظرا لقوله "أمرت بالسواك حتى خشيت أن أدرد" (الدرد يعني سقوط الأسنان). وعلاوة على ذلك يعد من سنن الوضوء نظرا لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالتسوك عند كل وضوء". ومن المعروف عن فوائده أنه يطيب الفم ويشد اللثة وينشط المرء للقراءة والذكر، وحاليا تؤكد الأبحاث المخبرية بخصوصه أنه يحتوي على مادة مطهرة تعمل على قطع نزيف اللثة وتقويتها، وبه أيضا مواد تساعد على الفتك بالجراثيم وتبييض الأسنان، وكذا حمايتها من التسوس وإزالة البقع، وتشير الأبحاث عموما إلى أن السواك يحتوي على مواد طبيعية لا غنى عنها لسلامة الأسنان ونضارتها، مما يجعل منه أفضل علاج وقائي لتسوس أسنان الأطفال لاحتوائه على مادة الفلورايد. ولا شك في أن صحة الفم جزء لا يتجزأ من الصحة العامة، حيث يعتبر تنظيف الأسنان علاجا وقائيا قبل هجوم التسوس، والتزاما بهذه القاعدة الصحية تقبل عامة الناس على شراء معجون الأسنان والمضامض الفموية المطهرة، غير أن هذا لا ينفي أن المساويك مازالت فارضة وجودها في بعض المحلات والأسواق الشعبية، لكن هل هناك من يتذكر هذه الفرشاة الطبيعية في زمن المواد الكيماوية؟ تقول الآنسة "دليلة.أ"(ماكثة بالبيت) "سبق لي وأن جربت استخدام السواك، فوجدت أنه فعلا ينظف الأسنان بطريقة جيدة، لكن بعد مرور مدة ثلاثة أشهر من تجريبه وجدتني أعود آليا إلى الفرشاة ومعجون الأسنان، باعتبار أنهما يسهلان عملية التنظيف مقارنة بالسواك الذي يتطلب استخدامه مدة أطول وعناية خاصة من خلال الالتزام بنقعه في الماء يوميا". ويذكر "طارق.ع" (موظف) "استهوتني منذ مدة فكرة تجريب التسوك الذي طالما سمعنا عن كونه سنة جد محببة للرسول صلى الله عليه وسلم، فما أوصى النبي بأمر إلا وكانت وراءه حكمة، لكن بعد مدة من استخدام السواك لم ألمس نتائج إيجابية كما كنت أتوقع، مما جعلني أشك في أن السواك الذي استعملته قد يكون مغشوشا، ولهذا السب تخليت عن التسوك." وللعادة مفعولها في فرض بعض السلوكيات على المرء، وعلى هذا النحو تبرر السيدة "فتيحة.م" (إطار في مؤسسة عمومية) موقفها، تقول "رغم أني أسمع الكثير عن فوائده وقدرته على تنظيف الأسنان، إلا أنني لم أفكر في تجريب استخدام المساويك، فنحن في العموم اعتدنا على استعمال معجون الأسنان الذي يمنحنا الشعور بالإنتعاش عند تنظيف الأسنان به." وتؤكد السيدة "نجوى.م"، عاملة، أنها هي الأخرى لا تستعمل السواك الذي لا يوجد في فضاء ثقافتها، حيث لم تعهد رؤية أشخاص يستعملونه في محيطها العام، وتوضح "في الحقيقة اطلعت على فوائد السواك بالصدفة، واقتنعت بأهمية اتباع هذه السنة، لكن رغم ذلك لم يتشكل لدي الحافز الشخصي لشراء السواك وتطبيق ما درسته عنه، وبينما لا أعارض فكرة الالتزام بهذه السنة الطيبة، أعتقد أن رؤية بعض الأشخاص وهم يستخدمون السواك في المواصلات أو بعض الأماكن العامة أمر مثير للاشمئزاز، فالنظافة برأيي أمر شخصي، ولا داعي لأن نتصرف على هذا النحو في محفل من الناس لمجرد أن نعطي الانطباع بأننا نلتزم بالسنة." وفي اعتقاد السيد "عبد الرحمان.ب" (كاتب) فإن السواك مادة كانت تستعملها المرأة الجزائرية بكثرة من أجل الزينة وتنظيف الفم وتطهيره وإعطائه رائحة طيبة، وتلك المادة هي عبارة عن قشور الشجر تسمى بالعامية "الجوز" وهي مختلفة عن السواك المشرقي المأخوذ من شجرة الأراك، والمنصوص عليه من النبي صلى الله عله وسلم. ويقر محدثنا "أنا شخصيا غير متعود على استعماله، إنما أنصح بأن تتم تربية الأجيال القادمة وفق ما يقتضي الإلتزام بهذه السنة النبوية الحميدة نظرا للفائدة التي تعود بها على الصحة." ويقول بائع متجول بسوق ساحة الشهداء الشعبي، كان يعرض سواك محليا بسعر 20 دج للحزمة الواحدة "زبائني هم عادة من كلا الجنسين، ممن يدركون فائدة السواك الذي يحافظ على صحة اللثة، خلافا لفرشاة الأسنان التي يمكن أن تؤذيها." قلة الوعي غيبت سنة التسوك وحسب بائع آخر بمكتبة القدس للقرآن الكريم بالجزائر الوسطى، فإن الإقبال على اقتناء السواك ما يزال جد محتشم، لكنه رغم ذلك يعتبر مقبولا مقارنة بسنوات خلت. وعن سبب قلة الإقبال يشير محدثنا إلى أن طغيان المواد الكيماوية أدى إلى تراجع المواد الطبيعية، حيث تكرست عادة تنظيف الأسنان بالفرشاة لدى السواد الأعظم من الناس في مجتمعنا، والأسوأ أن قلة الوعي تحذف من قاموس البعض عادة تنظيف الأسنان تماما، رغم أن الطب الحديث أظهر أن الصحة الفموية لها علاقة بالصحة العامة للإنسان، وليس بالأسنان فقط. وجاء على لسان محدثنا من مكتبة القدس أن السواك الذي يعرضه للبيع مستورد من موريتانيا التي تستخرجه من شجر الأراك، وأن سعره يقدر ب10 دج، في حين يصل إلى 20 دج حينما يكون معطرا، لكن ليست كل المساويك التي تباع في الأسواق من النوع الجيد، فبعضها يتفتت عند استعماله، لذا يتعين على المستهلك أن يميز النوع الجيد من الرديء، حيث أن السواك الجيد يتميز بأنه ليس يابسا وليس رطبا. وتتطلب العودة إلى استخدام السواك الذي لديه فعالية كبيرة في تبييض الأسنان نشر الوعي لإطلاع عامة الناس على فوائده الجمة، والأهم في هذه المسألة هو أن نلتزم بتعويد الأطفال على التسوك لإحياء سنة نبوية تدعو للنظافة والصحة، فما أجمل أن تكون لدينا أسنان نظيفة وبيضاء! يقول نفس المتحدث.