يعيش قطاع التربية الوطنية على وقع الإضرابات والاحتجاجات منذ حوالي 25 سنة كاملة، دون أن تتمكن نقابات التربية من انتزاع حقوقها كاملة من مختلف الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة التربية، وهذا على حساب المستوى التعليمي للتلميذ، إلى درجة أن الإضرابات والاحتجاجات تحولت إلى مادة أساسية ضمن البرنامج الدراسي الموسمي. فماذا تريد نقابات التربية، ولماذا ترفض الوصاية الاستجابة لمطالبها ولماذا كل هذا التلاعب بمصير التلميذ الجزائري الذي بات أشبه بالكرة التي تتقاذفها أقدام الوزارء والنقابات؟ تحولت القبضة الحديدية بين وزراء التربية والنقابات مع مرور الأعوام إلى قضية تضارب مصالح في ظل تمسك كل طرف بمطالبه في غياب حوار بناء بين الطرفين ينتهي بحل جذري لكل المشاكل التي مازالت تعكر أجواء المنظومة التربوية وحولت المدرسة الوطنية إلى حقل تجارب فاشل على كل المستويات، بدليل نسبة التسرب المدرسي التي تعرفها الجزائر سنويا، ناهيك عن ارتفاع معدل الجريمة والانحراف في الوسط المدرسي بمختلف أطواره التعليمية. فقد عايش الصراع بين الوزارة والنقابات العديد من الوزراء والنقابيين على اختلاف توجهاتهم، ولا أحد منهم تمكن من وضع حد لهذا النزاع التاريخي الذي ظل يخيم على كل الحكومات، فمن عهد بن بوزيد إلى بابا أحمد إلى بن غبريت شهدت وزارة التربية الوطنية العديد من الصراعات والصدامات مع نقابات التربية، حيث لم تفلح سياسة الإضرابات في وضع حد لهذا الصراع، فلا أحد من الوزراء تمكن من إقناع نقابات التربية وبالتالي وقف لعنة الإضرابات التي حطمت المنظومة التربوية، ولا النقابات تمكنت هي الأخرى من تحقيق مطالبها من أجل التفرغ لمهنتها النبيلة من أجل تكوين وتعليم الأجيال الصاعدة. ويعتقد أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر كمال بوقصة أن المشكل المطروح في هذا الصراع بين الوزارة والنقابات يكمن في تحمل المسؤوليات، فمن المفروض هناك محاضر رسمية تلزم كل طرف بتطبيق البنود والقرارات الناجمة عن الاتفاقات السابقة وإبلاغها للرأي العام وخاصة وسائل الإعلام، وإما هناك عدم التزام من أحد الطرفين. كما استبعد المتحدث أن يكون التعدد النقابي وراء استمرار هذا الصراع، وقال لجريدة "البلاد" على العكس وجود نقابات للتفاوض معها أمر إيجابي بالنسبة للوزارة، لأنها وجدت من تتفاوض معه وتحمله المسؤولية، لذلك أرى أن التنوع النقابي يعزز المسار الديمقراطي النقابي في بلادنا". وطالب أستاذ علم الاجتماع من جميع الأطراف تحمل مسؤولياتها، لأن أكبر مشكل يواجه المدرسة الوطنية في الوقت الحالي هو ظاهر التسرب المدرسي التي يذهب ضحيتها سنويا آلاف التلاميذ الذين يجنحون نحو الانحراف والجريمة والمخدرات. ورغم أن الصراع بين الوصاية والنقابات، مهني وليس سياسيا، يتعلق فقط بحقوق مادية ومهنية مشروعة تخص عمال و موظفي القطاع مع الأخذ بعين الإعتبار مصالح التلميذ، إلا أن تسيس المطالب دائما من طرف وزراء التربية يرهن كل المساعي من أجل إنهاء هذا الصراع الذي جعل المدرسة الجزائرية تفقد هيبتها.