في ظرف شهرين وصلت أسعار المواد الأكثر استهلاكا و''هلاكا''، من سكر وزيت وطماطم و''بُن'' وجبن، إلى سقف ''سُعارها'' و''تكلُبها''، غير معترفة بأي سلطة عدا سلطة ''هذا القماش أشري ولا خلي''. والمشكلة ليست في تقلبات الأسواق ولا علاقة لها ببورصة ''النفط مقابل الهواء''، وإنما في تحرر ''بارونات'' الحاويات و''قماقم'' الأعمال من أي التزام تجاه الحكومة، ليصبحوا هم الحكومة وهم الأسعار وهم العرض والطلب الذي استغل العطب الحكومي الغائب عن ''مسلخ'' الأحداث.. قبل أن تنتهي سلطة الحكومة إلى ''الرف''، لتصبح، مثلنا، مستهلكا مضطرا وخاضعا للغة ''الشوك'' والسوق، وقبل أن نصطدم بأن حكومتنا لم يعد لها حول ولا قوة أو قول يُرشّد الأسعار ويتحكم في هوامش الربح الخاص والعام. كنا في سابق ''العجن والأوان'' نمتلك الحد الأدنى من كرامة الحق بالإشعار والتبرير الذي عبره نعرف أن صفيحة الزيت، مثلا، سيزيد سعرها كم دينارا يوم كذا نتيجة ''كذا'' وكذا، لكن اليوم حتى ذلك الحق اليتيم ضاع منا ومن الحكومة، فرجل الزيت ربراب، على سبيل المثال لا الحصر، لم يعد يعنيه أن يشعر الآخر بالزيادات مادام السكر سكره والزيت زيته وهو ''رب'' و''ربراب'' المفاجآت و''المتفجرات'' الغذائية بلا منافس.. هل هناك هوان حكومي أكثر من الهوان الذي جرعته بورصة الأسواق للسلطة، بعدما أصبح أويحيى يستيقظ مثلنا صباحا فيجد إشعارا من ''بقال'' الحي بأن السكر والزيت والبن قد تضاعف سعره بين ليلة وفجرها؟ وهل هناك إفلاس تتخبط فيه الحكومة أكبر من فقدانها حقها القانوني في إشعارها من طرف ''الدويلات الموازية'' بالزيادات قبل تطبيقها؟ والأهم من هذا وذاك، ترى هل بقي هناك أصلا معنى لحكومة لم تعد تمتلك سلطتها على بطون مواطنيها؟