كل الطرق تؤدي إلى الفساد لكنها لا تؤدي كلها إلى الحلول، ذلك أن الوصول إلى آلية ناجعة للقضاء على ظاهرة الفساد أمر معقد· الظاهرة ليست جديدة على المجتمعات، لكنها في دول العالم الثالث تصبح قانونا غير مكتوب، يتعامل الجميع وفق سننه، وما وصلت إليه مؤسستا سوناطراك ثم سونلغاز من مدونة قسم لمحاربة الفساد، هو الحد الأقصى مما هو ممكن في الوقت الراهن، لأن القضية تتجاوز هاتين المؤسستين إلى النظام السياسي ككل، وإلى السياسة المنتهجة في بناء الدولة والمجتمع· مشكلتنا لا تتعلق بتنامي الفساد لأن هذا الأخير هو تحصيل حاصل لغياب سياسة بناء الإنسان وبناء الإطارات، وهذا لن يحدث وسط بيئة سياسية متعفنة تحكمها قواعد غير شفافة وغير عادلة· فضائح الفساد التي هزّت سوناطراك وقبلها فضيحة بنك الخليفة وما ترتب عليها من سلسلة فضائح أخرى في القطاع المالي، هذا كله نتيجة منطقية للبيئة غير السوية التي حولت الفساد إلى جزء من منظومة سياسية واقتصادية تحكم المجتمع والمؤسسات، هذه الأخيرة تجد نفسها مجردة من أدوات المتابعة والملاحقة والرقابة· هل يمكن أن تحل مدونات السلوك الإداري في مؤسسة كسوناطراك مشكلة الفساد المستشري؟ هل يكفي قسم الإطارات والموظفين والعمال لأجل الإخلاص والتحفظ حتى نقضي على جبل الفساد؟لا نعتقد أن هذا سلوك بإمكانه أن يؤدي إلى حل الظاهرة الخطيرة، وإلا لجأ كل قطاع إلى القسم بدلا من سن القوانين وتأسيس اللجان وإنشاء الأجهزة والمؤسسات لمحاربة الفساد والرشوة· الفساد مرتبط بالسياسة وأنماطها والمجتمع وطبيعته، والقضاء عليه يتطلب إستراتيجية صادقة تهدف إلى بناء المؤسسات والإنسان، لأن الإصلاح كل متكامل وهذا أمر معروف، فإصلاح الجزء وترك الجزء الآخر يؤدي دوما إلى نتائج عكسية، وهذا هو الحاصل عندنا مع الأسف·