تشهد صناعة الغاز في الجزائر أكبر تحدي لها منذ سنوات وهي تمثل أكبر صادرات الجزائر من حيث الكميات والمداخيل وطوال عقود روجت الجزائر للغاز الطبيعي في أرجاء أوروبا بهناء دون منافسة، مستغلة قربها الجغرافي من أوروبا الجنوبية لتلتحم معها بأنابيب عبر إيطاليا وإسبانيا، ومن هناك تضمن 35 بالمئة من حاجيات أوروبا من الغاز عبر عقود طويلة الأمد تضمن للجزائر دخلا مستقرا بعيدا عن تقلبات الأسعار الدولية الخاضعة للعرض والطلب، لكن هذا الوضع شارف على النهاية، فأوربا التي تنعم بدفء غاز التدفئة القادم من الجزائر وتغذي مصانعها بهذا المورد الطاقوي، ما عادت تحتاج الغاز بنفس الكميات السابقة مع تحول طقس الشتاء إلى الدفء نسبيا في القسم الشمالي من الكرة الارضية تأثرا بظاهرة الاحتباس الحراري وتراجع النمو في أوروبا تاثرا بالأزمة العالمية، ما أدى إلى تراجع نشاط المصانع الأوروبية. في حين تبقى الزيادات السكانية ضئيلة في أوروبا وتأثيرها على طلب الطاقة يكاد يكون معدوما ويعني كل هذا أن الغاز لم يعد سلعة ثمينة مثلما كان ما يدعو سوناطراك إلى التحلي بمزيد من "البراغماتية" من أجل التكيف مع التغيرات التي تعرفها السوق الغازية، ومن ذلك التوجه على غرار الفاعلين في هذا السوق لإبرام عقود قصيرة الأمد (بين 5 و15 سنة) عوض العقود الطويلة الأمد (بين 15 و30 سنة) ومعها تفضيل نقل الغاز في شكل غاز طبيعي مميع عوض النقل عبر الأنابيب في شكله الخام، خصوصا في ظل انخفاض أسعار الغاز الملحقة بالنفط.وما يزيد الطينة بلة هو اقتحام منتجين جدد للسوق التي باتت اليوم تضيق بالغاز، بعد أن كانت إلى وقت قريب تخشى أي نقص في الإمدادات قد يؤثر على النمو العالمي. وبرز مؤخرا مصدرين كبار جدد للغاز على غرار الولاياتالمتحدة التي ستشرع في التصدير الفعلي في شهر مارس المقبل، إضافة إلى استراليا، فإذا كانت هذه الأخيرة تستهدف بشكل خاص السوق الآسياوية بسبب الجوار، فان الولاياتالمتحدة ستركز على أوروبا التي تعد السوق التقليدية للجزائر، حيث إن الطلب حاليا منخفض،ويضاف إلى كل هذا الخطر القادم من قطر وهي أول مصدر للغاز الطبيعي المميع والتي قررت بيع غازها بسعر منخفض وذلك من اجل مواجهة المنافسة المستقبلية للولايات المتحدةواستراليا في أوروبا وآسيا. كما أن روسيا على استعداد كذلك لبيع غازها بأسعار منخفضة من اجل الحفاظ على حصصها في السوق.ويخشى على سوق الغاز في العالم نكسة مماثلة للأسعار مشابهة لما يحدث حاليا في سوق النفط، ذلك ان قطروالولاياتالمتحدة على استعداد لإعلان حرب أسعار مماثلة لتلك التي تقوم بها العربية السعودية في مجال النفط. لذلك يقول الخبراء إن الجزائر مطالبة وبشكل مستعجل بتكييف سياسة بيعها واتخاذ إجراءات ملموسة على غرار تعزيز إمكانيات التصدير التي هي مستغلة حاليا بنسبة 50٪ فقط، وفوق كل هذا يزداد الأمر تعقدا حينما نأخذ توقعات منظمة الطاقة العالمية على محمل الجد، فالطلب على الغاز في أوروبا يعرف تراجعا وكذلك في آسيا، حيث تفضل الطاقة النووية والفحمية. وأشارت أرقام المنظمة إلى أن الطلب العالمي سيتراجع في آفاق 2020 مع وتيرة تطور سنوية تقدر ب 5،1 بالمائة مقابل 3،2 بالمائة خلال السنوات العشر الأخيرة. ويبقى الأمل أن يرتفع الطلب على هذه المادة شريطة أن تحترم البلدان التزاماتها فيما يخص انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي جددت خلال مؤتمر باريس الأخير، ولكون الغاز الطبيعي موردا أقل تلويثا، فقد يعرف الطلب عليه ارتفاعا على حساب البترول ابتداء من سنة 2020، رغم صعوبة هذا الرهان.