لم يصدق الطيب زيتوني رئيس بلدية الجزائر الوسطى مساء أول أمس، أن شخصية من وزن جميلة بوحيرد ستحضر حفلا يقام على شرفها من قبل منتخبي البلدية، واختلطت عليه الكلمات وهو يرحب بها في قاعة الحفلات بفندق السفير وسط حشد كبير من المعجبين بها وكبار المجاهدين بالعاصمة وممثلين عن القيادة الصحراوية·''اسمحي لي أن أخاطبك بعمتي لأنك ترفضين أن تنادي ب ''مدام'' أنت أمنا، بطلة الجزائر، بطلة العالم العربي ردد الطيب زيتوني وهو يبحث عن الكلمات المناسبة وكأنه خشي أن يخدش شعورها بكلمة ت رح أحاسيسها وتجعلها تغادر· أعدّ الحفل بإحكام لم يترك شيئا للتلقائية، فرقة زرنة وباقة ورد ما تحبه بوحيرد المعروف عنها رفض كل أنواع التكريم وخصوصا من الرسميين الجزائريين صغارهم وكبارهم· رافقت فرقة الزرنة دخول الفدائية إلى قاعة الحفلات، رفقة صديقتها جاكلين قروج، وممثلي الحركة الجمعوية بوسط العاصمة، وبينما أحاط بها عشرات المعجبين لم يتردد البعض في تقبيلها وأخد صورة معها· وأخذ ذلك وقتا طويلا حتى جلست في مقعدها، طاولتها تحولت إلى مزار والإقبال عليها كالنساء القديسات تواصل، بينما كانت فرقة صوتية تردد نشيد ''عليك مني سلام يا أرض أجدادي''، ثم أغنية المرحوم العنقى ''الحمد لله ما بقاش استعمار في بلادنا''· واستدعيت الفدائية إلى المنصة للحصول على تكريم، وسط تدافع من المكرمين من منتخبي البلدية والجمعيات الناشطة في محيطها، وضمت الهدايا تحفا فنية منها لوحة للقصبة وقمصانا رياضية تحمل اسمها، منها واحد يحمل رقم 54 تاريخ انطلاق صورة التحرير·وقبل أن تقف على منصة الخطابة، تناول رئيس بلدية الجزائر الكلمة ليحضر الجميع، لأن ما ستقوله قد لا يرضي البعض، ليستطرد : ''هي حرة في بلادها'' ! ثم انسحب تاركا لها المنصة·''أنا اليوم فرحانة·· رددت بوحيرد من وراء نظارتها الرمادية··· لا تتصورا كم أنا سعيدة لحضوري بينكم، أنا لم أنسى لا الشهداء ولا أبناء الشهداء·· من 62 لم نسمع إلا الخطب·· خطب رنانة·· فارغة، ثم توقفت لبرهة، تنهدت·· اسمحوا لي أن أخاطبكم بالفرنسية لم أتمكن من تعلم العربية، البعض ذهبوا لتعلمها في الخارج ثم عادوا ليحكمونا'' ·· وأغلقت القوس، وسط تصفيق حاد من القاعة·ثم روت حادثة صغيرة عن طغيان ثقافة التضحية ونكران الذات لدى جيلها من الفدائيين: ''كنا نقيم الأفراح حين يقدمون زملاء لنا إلى الفينفا (المقصلة) لإعدامهم في سجن سركاجي''·· ثم استدركت ''كنا نضحك بصوت عال لما كان القاضي يتلو علينا التهم والتي توصلنا إلى المقصلة·· أحد المناضلين انفجر باكيا بعدما حكم عليه في 1957 بالسجن المؤبد، فيما حكم على بوحيرد ورفيقتيها الجميلتين بوباشا وبوعزة بالإعدام·· يا للعار كيف أقابل رفقائي، النساء يحكم عليهن بالإعدام وأنا بالمؤبد ··ردد ذلك المجاهد· وخلصت في كلمتها: ''لو تتأملوا في ثورتنا لعرفتم كم كانت عظيمة·· لا أستطيع وصف عظمتها·· عليكم بحب الجزائر فهي تحبكم، لأن فيها من يكرهها·· أوصيكم على وجه ربي بالجزائر··'' ثم سكتت لتفسح المجال للزغاريد والتصفيق الحار·